العلاقة بين الفوضى الخلاقة وإدارة التوحش

أربعاء, 2015-02-25 22:32

قد لا يكون القول ان الإرهاب الذي يعصف بالعالم اليوم هو صنيعة السياسة الأمريكية صحيحا بمقدار 100%، لكن المؤكد ان ثمة نسبة من الحقيقة لا نعرف مقدرها بالضبط موجودة بهذا القول.! كتاب وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون (خيارات صعبة) الذي اعترفت فيه صراحة بعلاقة بلادها بتنظيم الدولة الإسلامية وغيرها من التنظيمات الجهادية الاخرى يؤكد مثل هكذا حقائق.!
فمنذ التدخل السوفييتي في أفغانستان نهاية عقد السبعينات من القرن الماضي دشنت الولايات المتحدة بمعية دول عربية نفطية أكبر عملية تجنيد لمقاتلين إسلاميين بأموال عربية وسلاح غربي أمريكي وأرض مرور باكستانية، لمجابهة عدو مشترك وإن اختلف التصنيف العربي والأمريكي لنوع هذا العداء من وجهة نظر كل منهما. فالعرب يحشدون لحرب كفار شيوعيين ملحدين لتحرير بلاد الاسلام، وفي الوقت الذي كانت ولا تزال القدس ترزح تحت الاحتلال الاسرائيلي. والغرب الذي يتراقص طربا على هذا الإيقاع العربي له حساباته السياسية التواجد في منطقة حيوية كآسيا الوسطى ومنطقة بحر قزوين النفطية بوجه الدب الروس المتحفز جنوبا.
و بالفعل شن الجهاديون حرب عصابات ضارية، هزم على اثرها واحد من أقوى جيوش العالم ان لم يكن أقواها في ذلك الحين، وانسحب مكسور الكبرياء والعزة في زمن اوشكت فيه أركان الدولة السوفييتية العظمى على التصدع والانهيار. 
وعاد المقاتلون الى بلدانهم ليشكلوا عبئا ثقيلا عليها لا يزال حتى اليوم بعد ان قضى مهندسو تلك الحرب وطرهم منها يحملون تسمية الافغان العرب وهم يختالون بنصرهم ويجرون ذيول حبورهم وراءهم، بعد ان كان لهم ما أرادوا أو بالأصح ما أراد صناعها الحقيقيون.
ولأن المصالح قد انتهت او توشك على الانتهاء بين شركاء حرب أفغانستان عرب وامريكان فقد حضرت الاحقاد وأطلت برأسها، ولو مؤقتا بينهما. ومع ذلك خرج الطرفان العربي الاسلامي الجهادي والأمريكي الغربي من رحم تلك الحرب بفلسفة سيطرة جديدة لفرض الهيمنة والاستحواذ والتوسع، لكل منهما طريقته وايديولوجية في تلك الفلسفة التي تتلخص بفرض السيطرة على الدول واسقاط الانظمة وفرض سياسية وايديولوجية وفكر بالعنف والقوة المسلحة.
الولايات المتحدة وبرغم تجربتها الطويلة بالتدخل العسكري المباشر بعدد من دول العالم إلا ان ثمة تعديلا قد طرأ على اسلوب هذا السياسة من فلسفة ما بعد أفغانستان. دُشنَ هذا النهج منذ عام 2003م على اقرب تقدير، حين غزت العراق متبعة السياسة التي نحن بصدد الاشارة اليها وهي مرحلة الاحتلال أي تقسيم عملية الاحتلال والسيطرة القهرية الى عدة مراحل. المرحلة الأولى وفقا لتسميتها الامريكية بمرحلة الصدمة والترويع أي مرحلة الضربة الاولى التي تشل فعالية الدولة أو الجهة المستهدفة أيا كان نوعها وتفقدها توازنها. ثم تأتي المرحلة الثانية مرحلة الفوضى الخلاقة وهي التسمية التي اطلقتها ذات يوم وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، والمقصود بهذه المرحلة هي الفترة التي يدخل فيها البلد المستهدف مرحلة فوضى لا مناص من تجاوزها وهي مرحلة مؤقتة بحسب التوصيف الأمريكية، لتأتي بعدها المرحلة الافتراضية الأخيرة وهي مرحلة الاستقرار والتطبيع. وهي مرحلة لا يبدو لها أي ملامح (على الأقل حتى الآن) بالبلدان التي أوقعها حظها العاثر تحت هذا النوع من السياسة الامريكية. 
وكذلك هي فلسفة الحركات الجهادية الاسلامية التي تسعى فرض اقامة الدولة الاسلامية وفقا للطريقة التي تراها ،فهي أي الجماعات الاسلامية تمرُحل مشروع اقامة تلك الدولة الاسلامية المفترضة الى ثلاث مراحل أي نفس عدد المراحل والخطوات الذي اتبعتها الولايات المتحدة الأمريكية بمبدأ سياسة الفوضى الخلاقة. 
فوفقا لفكرة إدارة التوحش -وهي فكرة وردت بكتاب شهير لجاهدي أسمه أبوبكر ناجي يحمل العنوان نفسه – التي ينتهجها تنظيم الدولة الإسلامية على سبيل المثال فقد قُــسّمت الفكرة الى ثلاث مراحل كما أسلفنا : وهي :المرحلة الأولى، مرحلة الإنهاك والإرباك قبل ان تأتي المرحلة الثانية: مرحلة ادارة التوحش، او مرحلة الفوضى الخلاقة وفقا للمفهوم الأمريكي بهذا الشأن، لتليها المرحلة الأخيرة مرحلة التمكين والشروع في تأسيس الدولة الاسلامية المفترضة!

صلاح السقلدي- صحافي من اليمن