الشرق الموريتاني و قابلية التهميش

أربعاء, 2015-03-25 07:39

      المختار ولد أعبيدي              

سخر كولومبس من "الهنود الحمر" لعادتهم في العطاء بلا مقابل! و في هذه السنين الأخيرة سخر وجهاء و ساسة من سكان شرق هذه البلاد و من طيبتهم و عطائهم بلا مقابل أيضا 

 

إنك إن رأيت في الشارع شخصاً ضعيفاً لم يجز لك أن تضربه لمجرد أنه ضعيف!  و الاحتجاج الأخلاقي على الفساد السياسي المنتشر في المناطق الشرقية يبدو بالفعل أمراً غير مفيد على المدى القصير و لكن الأمر حين يتعلق بمواجهة المنظومة يكون مفهوما لأن الاحتجاج سلاح فكري حاسم في المعركة الحضارية التي هي قادمة لا محالة بين أصحاب الأرض الطامحين لحل مشاكل السكان و بين كل مروج و بائع للكلام.

 

الإنسان الموريتاني إنسان ملول بطبعه يمل بسرعة ليست عنده مثابرة و ليس عنده دأب و من السهل كسبه بالوعود و إرهاقه بصناعة الأمل و الأجندات السياسية و هو ما برع فيه بعض الوجهاء و الساسة و سكان الشرق ليسوا حالة أستثنائية لذالك سقطوا في براثن من لا رحمة في قلبه 

 

كل ما نريد في هذا المقال هو توجيه مباشر لكل فرد في المناطق الشرقية و تبصيره بوضع المناطق الشرقية المزري لحثه على النهوض و التخلص من عيوبه بدافع الغيرة عليه

 

 نحن المتعودين على تقبل فكرة أن الكثير من الساسة و الوجهاء الفاسدين و المتنفذين في المنطقة الشرقية  بسطوا نفوذهم لأنه منذ البداية كانوا أكثر تحضرا، و في الحقيقة فإن هؤلاء تحضروا و فهموا لأنهم أنتسبوا لمناطق عرفت بنبل ساكنتها قبل أن يصيبها ما أصابها من تهميش بسبب ما يفعله الكثير من الساسة و ما يضمرون من حب للذات.

 

إن نخبة المناطق الشرقية السياسية بدلاً من أن يدفعها شعورها بتهميش مناطقهم إلى الرفع من قيمة ساكنة تلك المناطق، عمدت إلى الانتقاص من قيمة هؤلاء الساكنة، و تحطيم قواهم الكامنة فبدأ الحط من قيمة الأهالي ينفذ بطرق فنية، كأنه معامل جبري وضع أمام قيمة كل فرد بقصد التنقيص من قيمته

 

 رؤيتهم تريد بصورة مباشرة أو غير مباشرة تبرير الخضوع السياسي و الاقتصادي و الثقافي لساكنة مناطق الشرق الموريتاني لهم عبر التركيز على فكرة أن العيب فينا و سعيهم المستميت لتأبيد التخلف أو حتى صناعته بعد إذ لم يكن موجودا و الإيحاء بأننا يجب أن لا نحاول أن نفعل شيئاً ضد واقع صنعوه و فاقموه و يسعدون الآن بالبكاء على أطلاله

 

 إن منظومة القيم لبعض الوجهاء و الساسة ساهمت في تطبيع قهر هذا المجتمع الذي لم يتعود على التعامل مع هذا الانحطاط الأخلاقي لفرط كرمه و تعلقه بتقاليد ناصعة البياض ظلت بمثابة الكابوس في وجه كل من تسول له نفسه أستغلال طيبة و كرم ساكنة المنطقة الشرقية.

 

صفة هؤلاء ركوبهم على كل عصر و أكلهم من كل مائدة و إنتهازيتهم التي تصرفهم غالبا عن التفكير في مصالح العامة هؤلاء هم الخطر الحقيقي علي مناطق الشرق الموريتاني، يشيدون برئيس الجمهورية اليوم و بعظمته و بنجاحاته و معجزاته و كرمه و حنيته و لطفه و غدا هم مع غيره و لكن من أجل إفساده و إثارة الفتن بين الشعب هؤلاء هم الخطر الحقيقي على موريتانيا فهم العدو الأول الذي يجب أن يمسك من العنق و يجب تصفيتهم فى العقول قبل كل شىء

 

  في المناطق الشرقية ينتهج الكثير من بائعي أوهام السياسة خطط تضمن إفقار السكان و حرمانهم من التعليم و التضييق عليهم في العمل و الكتابة و الكلام و إحاطتهم بشبكة مسمومة تعرقل كل جهد منتج و تنشر فيهم الأفكار المبخسة لقيمتهم هذا الطرح الإقصائي قاد مناطق الشرق الموريتاني إلى مستنقع التخلف الاقتصادي و التبعية السياسية ما جعل بعض الأفراد يستبطنون مفاهيم بعض الساسة أصحاب التوجه الفاسد و يقبل بالحدود التي يرسمها هؤلاء لشخصيته، ليس ذلك فحسب بل يدافع عنها و يكافح ضد إزالتها ما يبعده عن محاولة تقديم خياره الخاص لإنهاء الظلم في حقه و جعله ينظر إلى هذا الظلم بالمنظار نفسه الذي تفرضه طبيعة التعامل مع هكذا نخبة تدعى ممارسة السياسة و تسيير الشأن العام و في انتظار أن يتعلم هؤلاء المنافحين قاعدة خليفتنا العظيم عمر رضي الله عنه "لست بالخب و لا الخب يخدعني أي تتعلم أن تواجه الانحطاط الأخلاقي لكل مخادع يمتطي الشأن السياسي العام بكياسة و فطنة لا بسذاجة.

 

    و كلّما راقبتُ حال الزمن        رأيتهُ يحرمُ أهل الفطن

 

 إن قدرة الفيروسات و غيرها من العوامل الممرضة على قهر الجسم لا تعني دوماً أن الجسم ضعيف فقد تعني مثلاً أن هذا العامل الممرض من نوع جديد لم يتعامل الجهاز المناعي معه سابقاً.

 

يمكننا القول أن بداية المخرج من الأزمة تكمن في إعطاء الأولوية للجانب الثقافي، و نعلم أن أهم شيء في كينونة البشر هي تلك المنظومة الثقافية، و التي يعبر عنها بالمناعة الثقافية فللرموز الثقافية طاقات ماردة و هي عامل شحن للأفراد و المجتمعات، فعندما يعتقد السكان أن لهم الحق في الحرية و الدفاع عن عقيدتهم، فإن قوة هذه الرموز الثقافية تصبح طاقات جبارة لذا بات من الضروري العمل على تغيير الثقافة السياسية السائدة و التي تركز على تنمية المركز على حساب الاطراف و المناطق الريفية و التي عادة ما تكون الاقل حظا في التنمية و أهمية أن ينطلق كل فرد من الإيمان بذاته و أنه مؤهل كغيره و أهمية التركيز على مسالة أن الوطن للجميع و هذا يعبر عنه بالتمثيل السياسي و الإنمائي المتوازنين كما يجب إعطاء قيمة لتطوير و أهمية الأفكار مقابل الأشياء المادية