أسوار و حصون القذافي.. أسواق للحيوانات ومكبات للنفايات

أحد, 2015-04-05 22:43

وحدها قطع من البلاط الأخضر تدل على أن البيت الأشهر لمعمر القذافي كان قائماً في هذا المكان، قبل أن تحيل الثورة معظم أبنية مجمع باب العزيزية في طرابلس إلى ركام، وحصونه في مناطق أخرى إلى سوق للحيوانات.. ومكب للنفايات.

البيت الذي قصفته طائرات أميركية في العام 1986 اختفى تماماً وبقيت أجزاء فقط من أرضيته الخضراء. أمامه آثار السراديب والأنفاق التي تقول روايات سكان العاصمة الليبية، إنها كانت تصله بالمطارات والثكنات ووسط المدينة.

وحتى نصب القبضة الذهبية التي تسحق طائرة أميركية أمام بيت الصمود الذي ظل يحمل آثار الغارات عليه، أزيل من مكانه ونقل إلى مدينة مصراتة الواقعة شرق طرابلس التي تعرضت لحصار طويل أثناء الثورة. وقال مدير العلاقات العامة والإعلام في وزارة السياحة في الحكومة التي تدير طرابلس، عادل محمد فارينة، لوكالة فرانس برس: «كان هذا الموقع رمزاً لحقبة القذافي واليوم دمر هذا الرمز.

تم هدمه وسوي بالأرض». وأضاف: «لم يكن معقولاً أن يتحول هذا المنزل إلى متحف، لأنه لا يمكن أن نقيم متحفاً لحقبة سوداء كهذه. قد نذكرها بفقرة بسيطة في بعض المراجع والكتب، لكن أن يبقى كما هو، فلا».

باب العزيزية

وليس معلوماً التاريخ المحدد لتدمير هذا المنزل الذي كان يستقبل القذافي ضيوفه فيه. لكن السلطات أمرت في أغسطس 2012 ببدء هدم أبنية المجمع معلنة نيتها تحويل حصن باب العزيزية الواقع في جنوب العاصمة والمقام على مساحة نحو ستة كليومترات مربعة، إلى متنزه. وتعطل المشروع بعدما تدفق عشرات اللاجئين إلى المجمع واحتلوا ما تبقى من أبنيته.

ويدخل السكان عبر بوابة صغيرة إلى جانب المدخل الرئيسي السابق للمجمع، ويركن بعضهم سياراتهم أمام المواقع التي يقيمون فيها.. وهناك آخرون ينشرون ملابسهم المبللة على نوافذ هذه المواقع وشرفاتها.

وكتبت على جدران ما تبقى من الأبنية أسماء كتائب الثوار وأسماء مقاتلين قتلوا خلال مواجهتهم قوات القذافي، إلى جانب شعارات مناهضة له بينها: «أين أنت يا مؤلف كتاب الافتراء»، في إشارة إلى «الكتاب الأخضر».

وفي العام 1969 عقب الانقلاب الذي حمله إلى السلطة، أقام القذافي في منطقة باب العزيزية، وبدأ يتوسع في حصنه. وقد قام بهدم منازل مجاورة لمقر إقامته وألغى طرقاً كانت تمر بالقرب منه.

ثلاثة أسوار

وأحيط المجمع الذي كان يضم معسكرات وخيم استقبال ومقرات سياسية ومنازل للقذافي، بثلاثة أسوار إسمنتية أولها سور رئيسي على الطريق العام طلي بالأخضر وامتد على مسافة نحو 7300 متر، ولم تكن تبرز منه سوى أبراج المراقبة. وقد استبدل اليوم بسور حديدي أبيض.

ويقول حسن الذي يعمل سائقاً في طرابلس: «كان الناس يخافون حتى من مجر النظر إلى السور خشية أن يجري اعتقالهم، كما كانوا يتجنبون السير على الرصيف الموازي له».

ولم يطل التدمير أو التخريب بيت القذافي في طرابلس فقط، بل إن منازل الرجل الذي حكم ليبيا أربعة عقود بيد من حديد، قبل أن يقتل في الثورة، واجهت المصير نفسه في أماكن أخرى، وبينها مقره في سبها جنوباً، ومنزله قرب مدينة شحات الأثرية شرقاً والذي لايزال يحافظ على بعض معالمه.

وفي بنغازي، على بعد نحو ألف كيلومتر شرق طرابلس، أقامت مجموعة من التجار سوقاً للحيوانات في مقر القذافي الذي كان يعرف باسم «كتيبة الفضيل بوعمر»، ويمتد على نحو عشرة هكتارات.

وتنتشر في السوق أقفاص الطيور والحمام، وتعرض في صفوف يقف خلفها تجارها وأمامها الفضوليون والمشترون الذين يتنافسون في الحصول على الطيور والقطط والكلاب بأسعار تتخطى أحياناً مئات الدولارات. وكما حدث في مجمع باب العزيزية، استقرت عائلات لاجئة في بعض المقار داخل المعسكر الذي يعود إلى فترة الاحتلال الإيطالي.

رسالة قوية

ويقول محمد سليمان (43 عاماً) أمام مجموعة من الأطفال وسيارة متهالكة: «كنا نحلم بحياة أفضل عقب سقوط سلطان القذافي، لكن ها نحن نعيش على أنقاضه».

وأضاف: «هذه رسالة قوية نوجهها إلى حكام ليبيا الجدد. لو منح القذافي الليبيين حرية وكرامة ومستوى معيشة لائقاً لما سقط عرشه وصرنا نحن هنا». وأعيد في المجمع افتتاح شارع كان مقفلاً منذ الثمانينات، ليربط بين شمال المدينة وجنوبها كأطول شارع في بنغازي على امتداد نحو 50 كلم، ويحمل اسم الزعيم المصري الراحل جمال عبدالناصر.

البيت الشخصي

بيت القذافي الشخصي داخل المجمع احتلته في أوائل العام 2012 جماعة «أنصار الشريعة» الموالية لتنظيم القاعدة، وجعلت منه مقراً رئيساً لها، إذ إنه يقع داخل سور محاط بأبنية سكنية لا واجهة خلفية أو نوافذ لها.

 لكن هذا البيت تم هدمه وتسويته بالأرض في الحملة الثانية التي أطلقها في 15 أكتوبر الماضي الفريق أول ركن خليفة حفتر لاستعادة مدينة بنغازي من أيدي جماعات متشددة، وقد أزيل تماماً، وباتت أطرافه مكبات للنفايات التي يتم حرقها يومياً. ويقول علي المصراتي، وهو يمر بالقرب من المقر: «هذا المكان لا يليق به إلا أن يكون مكباً للنفايات لما حمله خلال فترة قاتمة السواد من ذكريات أليمة».

 

البيان