ثلاث قصص من الواقع / عبد الرحمن ولد ودادي

أحد, 2014-07-06 16:04

علم القرآن و معلم المدرسة :

منذ ثلاث سنوات ذهبت لزيارة جدي ـ اطال الله عمره ـ ووجدت خالاتي يتحلقن حوله و أخذنا نتبادل اطراف الحديث. كانت احداهن في غاية العصبية و التوتر و كان الاخريات يتضاحكن و يمازحنها و يقلن لها بأن قصة اللحم لا تستحق كل هذا الغضب ..

تحرك في الفضول و سألت عن القصة، فتلفتت الى خالتي قائلة : منذ اشهر اكتشفت ان اللحم الذي اشتريه و اوزعه على ايام الشهر يختفي في اقل من اسبوعين و داخلني الشك في ان طباختي تقوم بسرقته فقمت بطردها من العمل.

اليوم و بالصدفة قبضت على ابني الصغير و هو يخبئ تحت ثيابه كيسا مجمدا من اللحم ... امسكته و سألته عن حاجته بالكيس ، اخذ يسرد لي أكاذيب غير مقنعة فضربته ضربا مبرحا ليعترف. مسح الطفل دموعه و بدأ في سرد الحقيقة و شرح أن معلم القرآن يفرضه على ان يسرق له كيسا من اللحم بين الفترة و الاخرى مهددا اياه بالضرب و إجباره على مضاعفة حصته من حفظ القرآن. استرسلت الخالة :

ما يؤلمني ليس اللحم ..... بل ظلمي العاملة المسكينة و كيف ادفع مالي لرجل كبير في السن و ابن اسرة محترمة من قبائل الزوايا ليعلم ابني كتاب الله فإذا به يدربه على فنون اللصوصية و الادهى و الامر ان ابنتي جائتني من ايام باكية تريد مني ان اتدخل عند معلمها في المدرسة ليرجع لها الفي اوقية استلفها منها في بداية السنة على ان يعيدها في اسبوع و أخذ في مماطلتها لأشهر عديدة. رجل العمل الخيري و العلامة :

كان لي احد المعارف يعمل في المجال الخيري و طبعا كمعظم المتخصصين في هذا المجال كان يستحوذ على معظم ما يحصل عليه و ينفقها في رفاهيته و فخيم الملابس و العطور. شاء الله ان يصاب ابنه بمرض عضال فداخله الخوف من أن يكون السبب راجعا الى استحواذه على اموال الفقراء و المساكين و كفالات الأيتام فقرر ان يتوجه الى احد العلماء ليستفتيه. طبعا وقع اختياره على اكبر فقهاء البلاط و اكثرهم شهرة و توجه اليه في منزله و روى له القصة كاملة. سأله العلامة عن مقدار ما يختلسه من أموال العمل الخيري ، فقال له حوالي السبعين في المائة. و ضع العلامة يده على كتفه و قال : لا اثم عليك و اطمأن فما تقوم به حلال لا شبهة فيه و حاول ان لا يتجاوز ما تستحوذ عليه التسعين في المائة و اخذ يبرر له فتواه بفزلكات فقهية مدعمة بالكثير من أقوال السلف الصالح و الحديث و القرآن. التاجر : منذ سنوات وقت في ضائقة مالية و احتجت لأن أبيع سيارتي فاتصلت بأحد المعارف و دلني على تاجر في السوق المركزي . سارعت بالتوجه له و جدته رجلا اربعينيا طويل اللحية و على جبهته آثار السجود و يلبس ثيابا قصيرة ، توجه معي الى السيارة وعاينها بدقة و اخذ يجادلني لأكثر من ساعة لنتفق بعدها على سعر أقل بكثير من فيمتها و قال لي ان اعود في الغد لنتم البيعة . قلت له انني اريد ان يتم الصفقة لأنني أحتاج المبلغ فورا. رجع لمحله و جاءني حاملا كيسا من النقود و ركبنا في السيارة متجهين الى موثق العقود ، في الطريق سألني عن سبب استعجالي على بيع السيارة . شرحت له السبب الطارئ و مدى فداحة المشكلة التي اضطرتني للبيع بهذا السعر . عند موثق العقود التفت الي و قال انه لن يدفع الا نصف المبلغ الذي اتفقنا عليه. استشطت غضبا بعد معرفتي لمحاولته ابتزازي بعد ان عرف مدى حاجتي المستعجلة و اخذت اسبه و اشتمه فأخرج مسبحته و أخذ يستغفر بصوت مرتفع و يبتسم . رفع السعر قليلا و قال انه آخر ما يستطيع دفعه فدلفت خارجا و توجهت للسيارة ... تبعني و امسك بثيابي و عرض علي السعر الأول الذي اتفقنا عليه فرفضت و قلت له انه اذا دفع لي مال الدنيا فإنني لست مستعدا للتعامل معه . أخذ ينصحني بالوضوء لإزالة الغضب ويروي لي حديثا نبويا لم اعد أتذكره. في النهاية ترجاني ان ارجعه للسوق فرفضت فطلبني مئتي اوقية لأخذ سيارة و أخذ يحلف بالأيمان المغلظة انه لا يحمل اجرة الطريق فذكرته بالكيس الممتلئ بالنقود في يده اليمنى و انطلقت. **** هذه مجرد قطرة من بحر الانحطاط القيمي و الاخلاقي الذي عايشته مع معلم قرآن و معلم مدرسة متخصص في العمل الخيري و رجل دين و تاجر ... لن احدثكم عن الصحافة و الشباب و السياسيين . لا شك ان هذه الارضية هي ما سمحت لرئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية بان يقف و يقول في مدينة النعمة في مهرجان حملته بدون خجل و لا مورابة : انا اسرق و ارتشي و لكنني بنيت موريتانيا . صدق رسول الله : كما تكونوا يؤمر عليكم