من أجل عبور آمن!!!

أربعاء, 2015-04-08 13:48

بقلم: عبد الفتاح ولد اعبيدن المدير الناشر ورئيس تحرير صحيفة "الأقصى"

لم يعد في حساب المتابعين العارفين بالشأن المحلي تقريبا، أدنى شك من أن حكم العسكر عموما أوشك على الإنتهاء، وربما دون أي فرصة للتحايل مرة أخرى على الشأن العام المحلي الوطني، المرهق من كثرة التحمل والإصر الثقيل المتنوع، معنويا وماديا باختصار وإيجاز شديد، ليس هذا مقام تفصيله!، لكن السؤال المطروح، كيف نتجاوز المرحلة الانتقالية المقبلة، دون تجديد الفرصة مرة أخرى للعسكر، ودون أن تتحول فرصة التغيير السلمي الناجع النافع، إلى محطة غوص في الوحل، وأشد أنواعه المعروفة بالحسانية "لمغاس"!.

أجل، إن هذا المقام يستحق التفكير والتأمل الطويل الهادئ الرصين، ولابد له في هذا المقام، من الإيجاز أيضا عسى أن تختلط الأوراق والمفاهيم وندخل في الدروب الضيقة:

1-      يمنع بتاتا التماهي مع دعوات بعض القصر السفهاء للتوقف عند أي نمط من أنماط تصفية الحسابات أو الإقصاء، فلا الوقت يسمح، ولا طبيعة المسير الحساس الهش، ولا أمر "العزل السياسي" برشيد بداهة، دون جدل مشروع –طبعا-، وقد أكدت التجربة ذلك ميدانيا في مصر مثلا، رغم أن التطبيق كان محدودا، ولم يمنع من ترشح شفيق الضابط العسكري السامي.

فقليل العداوة، عبر هذا "العزل السياسي" قد يضر الأمة أو التجربة كلها، خارج حدودها الأصلية.

والربيع العربي ليس المراد منه، تحكم "الإسلاميين"، وإنما تحكم المواطنين المسلمين وغير المسلمين أحيانا، من سكان الوطن العربي، في شأنهم العام، دون ضغط داخلي أو خارجي، ودون خطر حاضر أو لاحق، لعل هذا التحول، يفضي إلى تنمية مستديمة، قد يحكم في ظلها "كافر عربي" إن اقتضت ضرورة الأغلبية، مثل الحالة اللبنانية، لأن المحكوم هو الممثل للرعية، بتحوله جزئيا وتمثيليا إلى حاكم للأغلبية، التي قد ينتمي إليها في الحالة الأعم، بسبب أن الحكم اختصارا للأغلب. وأما ديار المسلمين العرب، فقد لا يحكمها إلا مسلم، على نفس النهج والقياس، وهل منع المسلمين في مكة، عند الهجرة الأولى من مكة إلى الحبشة، أن الحاكم مسيحي كافر، لم يسلم بعد، وإنما لأنه عادل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالتوجه إلى دولته المجاورة.

فالشرط الأولى في إقامة الدول بالمعنى الشامل الدولي، هو العدالة وليس الدين، وقد تستقيم على الكفر –أي الدولة- ولا تستقيم على الظلم!.

وأما دول المسلمين، مثل الحالة عندنا، فلها خصوصية الدخول الشامل، ولو تدريجيا، حسب الضرورة أحيانا، إذعانا للمنهج الإسلامي الجامع "  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً""، وقيل عند بعض المفسرين السلم هنا هو "الإسلام"، فلا يجوز عند أغلبهم أن يحكم الأغلبية المسلمة إلا مسلم، وقد يكون حقا مشروعا للغير على خلاف الديانة بأن لا يحكم غير المسلمين في شؤونهم الخاصة إلا على معطياتهم التشريعية والدينية الخاصة، وللحسم في هذا الخلاف قد يرجع إلى مراجعة أعنى وأجدر بالتبيين والحسم لمن أراد التفصيل.

إن لله في خلقه شؤون وأحكام، تختلف بإختلاف الزمان والمكان والظرف السوسيولوجي والاجتماعي وغيره، فلا داعي للمزايدة الزائدة بالشعار الإسلامي، فالمطلوب أن يكون الإقتراع عندنا عادلا فحسب، ولا يشترط غلبة أيديولوجية على أخرى داخل المساحة   الإسلامية الواحدة، التي تتفق في الديانة وقد تختلف في التفاصيل، دون خروج عن الملة، وكما قال الشيخ العلامة الشيخ ماء العينين المجاهد المعروف "لا عقاب إلا في المجمعات"، والإجماع هنا طبعا، إجماع ملة المسلمين وقد يتجاوز السنة والجماعة إلى مذهب الزيدية أو الإمامية الإثنى عشرية، من غير غلاة الشيعة!

ونحن الموريتانيون جميعا مسلمون ولو بالإسم، والحكم بالظاهر لا بالباطن، ونحن طبعا ملزمون بأن يوافق عملنا السياسي الوطني المحلي، الطابع الإسلامي الصرف، ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، أما إن رفعت جماعة الشعار الإسلامي، مزايدة، أو مستغلة أو مخلصة، وهو الأرجح من باب إحسان النية لكل المسلمين، فلا يعني هذا البتة أن هذه الجماعة المخصوصة بإسم الإسلاميين أفضل من غيرها، بمجرد رفع الشعار، وقد يكون ذلك خداع "غير إسلامي" طبعا، يضلل الناخب بالدرجة الأولى، أحيانا، وليس غالبا.

والمرجعية الحاسمة لصندوق الإقتراع، فهو المعبر الجماعي عن إختيار المسلمين الناخبين، بغض النظر عن يافطاتهم المتنوعة المرفوعة، المشروعة أو المشبوهة.

فلو نجح "كادح" وهو مسلم، أو بعثي وهو مسلم، وغيره من المسميات والشعارات النضالية، ولم تكن محصلة أغلبية الإقتراع، أو   الرتبة الأولى "للإسلاميين" مثلا، فلا يعني هذا، أن الحكم القائم، بعد الفرز الشفاف المفترض، ليس إسلاميا، وإنما هو حكم إسلامي شرعا وواقعا، ولا عبرة باختلاف الأسماء الأديلوجية من بعد ذلك البتة، ما أصر المعنيون على صلتهم الوثيقة بالإسلام، وأما التفتيش عن القلوب والأعمال ومصيرها النهائي الباطني قبل الأخروي، فليس من إختصاص الخلق كله، إلا في حالات مخصوصة، مثل الإتهام بالردة مثلا، ولكل قاعدة شذوذ وهذا الشذوذ ليس هو باب بحثنا طبعا.

وبصراحة التجربة التونسية، رائدة في هذا المجال حتى الآن!، رغم كل المآخذ والنواقص الطبيعية.

2-إن دور المؤسسة الأمنية في سياق الحدث الإنتقالي المرتقب، المدني الصرف، أقول إن هذا الدور ينبغي أن يكون دستوريا قانونيا، لصالح الدولة والمجتمع، على أساس العقيدة العسكرية الصحيحة، وليس خدمة لنظام سياسي مؤقت متبدل، حسب أحوال الأمة والدولة والبديهي رغم سلبيات المؤسسة العسكرية وأخطائها، منذ 10 يوليو1978 وإلى اليوم، أن جيلا واسعا جديد من هؤلاء: "اصنادره" يتابعون ويسايرون الوعي السياسي، ولو بتدرج، مع كافة أطياف الرأي العام الوطني المحلي.

فلا غرابة أن يقوم جيشنا مع كافة المؤسسات الأمنية المعنية دستوريا وقانونيا وأخلاقيا، أثناء عملية التحول الراجح المنتظر، بدور مناسب للمرحلة الحرجة الحساسة هذه، بعيدا عن خدمة نظام حاضر أو قادم، وإنما خدمة لدولة الجمهورية الإسلامية الموريتانية وشعبها وقيمها وتاريخها العريق التليد، في السلمية والمسؤولية، حتى قبل قيام الدولة الوطنية الحديثة المرتعشة!.

3-كما أن النخبة، سواء عرفت بالموالاة أو المناوءة للأنظمة المتعاقبة، ولو إختارت الحياد، مدعوة للتعاون والتقارب والتفاهم، من اجل عبور آمن سلسل، بعيدا عن جو التنافس السلبي العقيم المدمر، لا قدر الله.

وفي هذا المضمار، قد يكون من أكثر تحديات ومخاطر هذا التحول المرتقب بقوة، تنافس السياسيين المدنيين على "الكعكة" السلطوية والمالية، المعنوية والمادية عموما، حين يلوح فجر التحول عن دائرة الاستبداد العسكري بالحكم، وإن لم نحذر حذرا متعمدا واعيا شديدا حازما، من هذا التناحر على مقاعد وكراسي الحكم والنفوذ، فلربما يتضح مع مرور الوقت أن الحكم العسكري الانقلابي، رغم كل شوائبه، خير من حرب أهلية وفتنة هوجاء، كما يحدث الآن في بعض الدول العربية، على سبيل المثال لا الحصر، النموذج المصري والليبي تحديدا، وإن كان السبب، ليس فشل المدنيين بالدرجة الأولى، بصورة مباشرة، وإنما حرص الدولة الإنقلابية العسكرية العميقة على العودة للحكم المباشر، بأي ثمن دون حساب، للعواقب والمخاطر، للأسف البالغ، وهو ما فتح الطريق واسعا للفتن المدلهمة للوطن العربي وعلى رأسها سوريا، وقد حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا، في أحاديث الفتن الكثيرة، وكان بعض الصحابة يسأل عن غير هذا، وكان حذيفة، أمين الأمة يقول أنه رضي الله عنه شديد الحرص على السؤال عن أمر الفتن، مخافة أن يقع فيها.

وكان الإمام بداه رحمه الله يسأن عن جديد السياسة في الوطن ويقول: "هل مازالت سوريا سالمة"، أي من الفتنة، إشارة إلى أن القمطرة السورية ولو "بحجة ثورية"، هي العلامة الكبرى للفتن المدلهمة العظمى في أوطان العرب المسلمين بشكل خاص!.

اللهم سلمنا من الفتن كلها ما ظهر منها وما بطن، وسلم بلادنا وسائر المسلمين، اللهم آمين.

إن المدنيين، إن لم يبتعدوا عن الرياء السياسي، وخداع الأمة والأنانية الزائدة القاتلة، لأمل التحول السلمي، فسيثبتون أن لا أمل للعرب جميعا، والموريتانيين خصوصا، في القدرة على حكم أنفسهم، ذاتيا ومدنيا وشورويا وسلميا، بعيدا عن العصا وحكم الضغط والقسر والعنف والإلزام، المباشر أو غير المباشر بصراحة، للأسف البالغ أيضا!!!.

4-إن فتح الملفات، بأي أسلوب أو مستوى، أثناء مرحلة التحول، يعني تفجير وتفخيخ الفرصة الذهبية، التي قد تتحول إلى واقع مبشر قريبا بإذن الله، ولا أمل في عافية في الحكم بوجه خاص، وواقع المجتمع والدولة عموما، دون حرص الجميع على التعقل وهضم جزء من الذات والحقوق الخاصة على الأقل، إن لم نتمكن من الوصول إلى خلق الإيثار، الذي كان من أهم أسباب نجاح الدولة المدنية، أي في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال تعالى في الأنصار الذين مثلوا يومها، أغلب ساكنة عاصمة الدولة الإسلامية البكر: "وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ".

5-إن فردا واحدا، ولو كان حليفا عسكريا قويا، وفي مركز نفوذ مهم، نعني محمد ولد الغزواني، ويعينه معينه البوساتي ذي الخصائص المسالمة الحكيمة المعروفة تاريخيا، وهو الصموت الذكي، لا يكفي لتحويل كل المخاطر عن صاحبه الإنقلابي عزيز، ولو قال الأمير الحكيم، يوما ونعني هنا بكار ولد أسويد أحمد: "إن كان صبرهم على الحرب، سيكون مثل صبرهم على العافية فلا أستطيع الدخول معهم في حرب مباشرة".

غير أن ذكاء عزيز وعافية غزواني، وحرصه على الوفاء لصديقه، دون أن يقفز للواجهة، حتى في أعسر أوقات عزيز وأسهل الظروف للانقلابات، مثلا إبان الحادثة الغامضة يوم 13 أكتوبر2012!.

هذا كله بإذن الله، ستعصف به حالة الاحتقان المتزايدة.

وقد يتمكن الغضب الشعبي على وجه راجح، والمعزز بتذمر العسكري، لدى الشرائح المهمشة من المؤسسات الأمنية والعسكرية المختلفة، هذا التذمر والاحتقان ذي الطابع السلمي، أو بعبارة أخرى، هذا المد الظاهر غالبا الخفي أحيانا أخرى، الإحتجاجي المتفاقم.

أقول لاشك سيرمي بالعنيد المتجاهل له، عبر زياراته الفلكلورية المتواصلة، المهلكة ربما.

أجل هذا الإحتقان، سيرميه خارج الحلبة، قريبا بإذن الله، راجين من الله أن لا يكون فاتنا أو مفتونا.

لكن هذا التوقع والتحليل، لا يعني الرغبة، في أي نوع من القصاص، في الوقت الراهن على الأقل، لأن الله بسننه في الكون والتاريخ ويوم القيامة، كفيل بعدم المساواة بين الظالم والضحية، "ولا يظلم ربك أحدا"، "َمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ".

يوما في الإمارات سألني أحدهم، عن نظام سيدي ولد الشيخ عبد الله القائم وقتها، في شهر دجمبر2007، ضمن تحقيق في دبي.

فقلت له ينتهي قريبا، على يد عزيز عبر إنقلاب، وفي نفس اللعبة كان غزواني مهددا بالإقالة، بل كان خارج العاصمة.

فلا ينجي حذر من قدر.

إن نظام ولد عبد العزيز وغزواني انتهى، ولم يبقى إلا الإعلان الأكيد اليقيني بإذن الله، لكننا نرفض تصفية الحسابات، ولا نقبل أن يسكب نصف كوب ماء، لأي مواطن موريتاني أو غير موريتاني مقيم فوق أديمها، أو من القمة أو القاعدة، كما تعود الإعلام  الرسمي الإطلاق أو الاصطلاح الشائع.

6-يقول الإمام الراحل الحبر بداه ولد البصيري رحمه الله وتغمده برحمته في الفردوس الأعلى: "لكل قوم سفهاء"، وهو ربما مثل عربي قديم، اعتاد تكراره من حين لآخر.

فأول ما يحذر في هذا الظرف قبل وبعد التغيير المأمول، الواضح جدا في الأفق القريب الوشيك بإذن الله، هو الحذر من رأي وإملاءات السفهاء والأنانيين والحاملين للحقد الدفين والعقد العفنة، حتى لو حمل بعضهم شعار "المظلوميات" الخاصة أو العامة، أو حتى شعار "الإسلام" أو "السلفية الجهادية" أو "الكدحة"، أو دعاوي الاعتدال وموالاة الأنظمة المتعاقبة، المدنية والعسكرية، دون تمييز أو قصد، إلا للمصلحة الخاصة الضيقة.

وليكن هدفنا وغايتنا جميعا، حتى نفلح عبر النية الحسنة المبيتة بالخير لا بالشر، ولو لم يقع هذا كله.

أجل أن يكون الهدف وحده هو إرضاء الله، ولنجتهد في تنقيته وتخليص باستمرار من الشوائب القديمة أو الطارئة، عن طريق الأتباع الصحيح الصارم المتوازن الخالص لمحجته صلى الله عليه وسلم، خدمة جادة ومتوازنة أيضا، لجميع مواطني موريتانيا المسلمين، دون تمييز سلبي، تمهيدا -بإذن الله- للدولة الإسلامية الواحدة، والخلافة الإسلامية الجامعة، ولو دون تجاوز للخصوصيات القطرية، في ظل وحدة فدرالية، تضم شمل الأمة الإسلامية كلها في نطاق أوسع من الإطار العربي الضيق، وتعطي كل ذي حق حقه، ولو كان من أهل الذمة، خلاف الانتماء الإسلامي أو العربي العرقي العزيز.

وسبعة يظلهم الله تحت ظله، يوم لا ظل إلا ظله، وأولهم فضلا ومقاما وأرفعهم منزلة، وأعوصهم وأصعبهم مهمة ومهنة "الإمام العادل".

إن الحكم الرشيد من أعقد مهام الدولة المدنية الحديثة، فلا تتعجلوا الطابع الإسلامي، جملة واحدة، ونحن في مستوى قريب، من العهد المكي سبحان الله.

تقديرا من الله، ووفقا ومصداقا للحديث النبوي الشريف الصحيح. من قول الصادق المصدوق المعصوم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم: "بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ فطوبى للغرباء".

 فقالوا يا رسول الله من الغرباء؟، فقال صلى الله عليه وسلم: "الذين يصلحون ما أفسد الناس" رواه الترمذي.

وباختصار عزيز لم يعد في الحكم تقريبا، فهو أعلم الناس بأنه هو الحلقة الأضعف في اللعبة الراهنة، وما علمتم تفاصيل أسباب تأخير زيارة ازويرات، لتنكشف أمامكم بدقة ملامح التحول في القرار الهش أصلا، رغم ما يظهر "الرجل المريض المهزوز" عافاه الله، من قوة زائفة، لا تخدع إلا ذوي النفوس المريضة، بالطمع والخوف الزائد من السلطان الغشوم.

ولعل الجن ظلت تخدم سليمان عليه السلام بقداسة حتى بعد موته، ولم ينتبه بعضهم، حسب بعض المصادر: "وقد يكون هذا من ما روي من الإسرائيليات، التي يختلط فيها الصحيح بالباطل المزور المفبرك، في جو ووقت من تاريخ اليهود شابه التحريف والأغراض البشرية الدنيا، المتلونة بالمصالح والغايات القصيرة".

نعم لم ينتبه بعض الجن، وبعض خدامهم إلا بعد أن أكلت الأرضة منسأته أو عصاه!!!، وسقط البدن الذي خرجت منه الروح، منذ أمد بعيد.

يا سبحان الله، أظن أن معاوية سقط منذ المحاولة الإنقلابية الأولى، التي كشف عنها وقتها الرائد أيوب ولد الجد سنة 2000، قبل خمس سنوات من سقوطه الفعلي، وعزيز سقط من "العين" منذ أن تجرأ عليه سيدي ولد الشيخ عبد الله بصورة غير محسوبة فأقاله. ومنذ ذلك الوقت وهو يعمل في جو خال من الثقة التامة، لدى أقرب مقربيه، خصوصا من العسكريين.

وإنما "الأرضة" من المتزلفين العميان، لا يعلمون ولا يدركون لشدة نفاقهم.

أما في هذه الأيام، فهو ربما يحاول تحقيق أهداف سحرية هائلة، في الوقت الضائع الضيق، وقد يكون هذا مستحيلا.

 فالله قادر على أن يدخل الجمل من سم الخياط، أو "عين لبره" بالحسانية، ولكن إرادته أرادت غالبا، ولكل حالة عامة حالة أو حالات خاصة، أن لا يدخل الجمل من عين الإبرة!.

فقد ضاع الوقت يا عزيز، ويا أنصار ومافيا عزيز على الأصح، كما خرج غيركم ومافياه الجديدة القديمة المتجددة.

أم أنكم ستلبسون لبوس الربيع الموريتاني الخاص، على غرار بعض زملائكم "اتوانس".

هذا هو الأرجح للأسف البالغ، وقد يكون المستفيد الأكبر من اللعبة القديمة الحديثة، على الترتيب: العسكر عموما، "الإسلاميون التواصليون"، "اسماسيد"، كمجموعة اقتصادية متماسكة أساسا، عتيدة استعصت شيئا ما، على التذويب والتفتيث الكامل، وجماعة اهل الشرق في الوسط السياسي المتنوع، بسبب الكثرة أساسا.

فللكثرة شأن معروف، ولكم في الصين مثل، ما شاء الله على "أهل الشرك"، فقد كاد هذا العملاق الصيني أن يصبح في وقت وشيك عملاق الاقتصاد العالمي، إن لم يتمكن من حكم العالم كله.

ثم لا تنسوا "احراطين بيرام" ومسعود و"احراطين الميثاق".

فكلهم، لهم وزن متوسط محدود، في التحول القادم الآمن بإذن الله.

فلا تستعجلوا الأمر قبل حلول أوانه.

"لوقت ما يصل إلين يدخل" كما يقال في الفقه عندنا، بالحسانية الطريفة الحاذقة.

وقد لا تفصلنا عن المسار الإنتقالي كله، سنة كاملة.

لأن الانتخابات قد تشترط الجهات الإجماعية المتغلبة، والمدنية أساسيا إجراءها في وقت قياسي، قد لا يتجاوز السنة، على غرار التجربة البوركينابية أو غيرها، من التجارب الانتخابية الخاطفة، حتى لا يفتح المجال لتحولات أخرى غير مأمونة، وغير خادمة بجدية وحكمة للشأن العمومي الخالص، المحفوف بالتقلبات من كل نوع وحدب وصوب، اللهم سلم سلم...