مصر ترفع أسعار مصادر الطاقة بنسب كبيرة لتقليص الدعم الذي يستهلك 20 من الموازنة العامة

اثنين, 2014-07-07 02:43

خفضت مصر أمس الأول بشكل كبير دعم المواد البترولية للمواطنين والصناعة في محاولة منها لإصلاح منظومة الدعم، الذي يلتهم 20 في المئة من الموازنة العامة للدولة. ويأتي هذا ضمن حزمة إجراءات تقشفية تعمل عليها الحكومة.
ورفعت حكومة رئيس الوزراء إبراهيم محلب أسعار الغاز الطبيعي لصناعتي الإسمنت والحديد والصلب بين 30 و75 في المئة، وأسعار البنزين والسولار والغاز الطبيعي للسيارات بنسب تتراوح بين 40 و175 في المئة.
وكانت مصر بدأت منذ فترة في تهيئة المناخ العام لزيادة أسعار الوقود التي تمثل خطوة محفوفة بالمخاطر السياسية. ودعت حكومات متعاقبة إلى اصلاح الدعم، لكن أيا منها لم يجرؤ على فرض زيادات كبيرة في الأسعار خوفا من رد فعل الشارع.
وزادت أسعار الغاز الطبيعي لصناعة الإسمنت وفقا للجريدة الرسمية إلى «8 دولارات لكل مليون وحدة حرارية لصناعة الإسمنت و7 دولارات لصناعة الحديد والصلب والألومنيوم والنحاس والسيراميك والزجاج.»
وتعمل مصر على التخلص من دعم الطاقة بشكل تام خلال ثلاث إلى خمس سنوات.
وقال محمد السويدي رئيس اتحاد الصناعات المصرية في إتصال هاتفي «رفع الدعم عن القطاع الصناعي كان سيتم سواء حاليا او مستقبلا.. لازم كلنا نتحمل لأن الحكومة عانت كثيرا الفترة الماضية .. هذا أصبح واقعا الان.. لابد ان نرى من الدولة قرارات بعد زيادة الأسعار مثل وقف الإستيراد العشوائي للسلع والمنتجات وكذلك لابد من تنظيم الأسواق.»
وشهد الإقتصاد المصري تدهورا كبيرا منذ إنتفاضة يناير/كانون الثاني 2011 التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك. وتضررت السياحة والإستثمار جراء القلاقل السياسية في أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان.
ورفعت الحكومة أسعار الغاز الطبيعي للصناعات الغذائية والأدوية والطوب إلى خمسة دولارات لكل مليون وحدة حرارية، ولصناعة الأسمدة والبتروكيماويات إلى 4.5 دولار كما رفعت الأسعار لمحطات الكهرباء إلى ثلاثة دولارات.
وذكرت وسائل اعلام محلية ان الرئيس عبد الفتاح السيسي استدعى ظهر أمس حكومة محلب لعقد اجتماع عاجل من أجل بحث تأثير قرار رفع أسعار المواد البترولية على المواطن.
وكانت مصر قد رفعت أسعار الطاقة للمصانع كثيفة الإستهلاك أكثر من مرة خلال السنوات القليلة الماضية، حتى بلغت الأسعار في فبراير/شباط 2013 نحو 1500 جنيه لطن المازوت وستة دولارات لكل مليون وحدة حرارية من الغاز الطبيعي لمصانع الإسمنت والطوب، ونحو أربعة دولارات لكل مليون وحدة حرارية من الغاز لمصانع الحديد والصلب.
كان وزير الصناعة السابق حاتم صالح قال في ابريل/نيسان 2013 «الغاز الطبيعي يكلفنا دولارين لكل مليون وحدة حرارية والمازوت يكلفنا 3200 جنيه للطن. لدينا 100 مصنع يستهلك 70 في المئة من الطاقة الموجهة للصناعة و100 ألف مصنع يستهلك 30 في المئة فقط من نفس الطاقة.»
وقال السويدي «شركات الإسمنت ليس لديها مشكلة في زيادة الأسعار لكن الأهم لها هو الحصول على الغاز بالفعل لانها كانت تتوقف لفترات كبيرة بسبب عدم توفر الغاز لها.»
ويسعى عدد من شركات الأسمنت العاملة في مصر للتحول إلى استخدام الفحم كمصدر بديل للطاقة خلال هذا العام.
وزادت أسعار المازوت لمصانع الإسمنت اعتبار من أمس الأول بنحو 50 في المئة لتبلغ 2250 جنيها للطن من 1500 جنيها.
وجاء في الجريدة الرسمية أن أسعار المازوت الجديدة زادت إلى نحو «1400 جنيها للطن للصناعات الغذائية و2300 جنيها للكهرباء و1950 جنيها للطوب وباقي الصناعات.»
وعلقت عالية المهدي، اُستاذة الإقتصاد في جامعة القاهرة، على زيادة أسعار الوقود قائلة «أنا مع زيادة الأسعار إلى السعر العالمي لكن مع وجود إستراتيجية واضحة لحماية الفقراء تطبق في نفس وقت زيادة الأسعار. مع كل مرحلة لزيادة الأسعار سنشهد موجة من ارتفاع السلع والخدمات ولذا كان الافضل التحرر مرة واحدة.»
وترى المهدي أن رفع أسعار الغاز الطبيعي للصناعات بأسعار متفاوتة «تشوه سعري». وقالت «لابد أن تكون الزيادة بالتساوي للجميع وأن نعلم هل هناك زيادات اُخرى أم لا. بالتأكيد الزيادة ستؤثر على تكاليف الإنتاج للقطاع الصناعي وعلى الربحية وأسعار البيع. قد يلجأ بعض المستثمرين للذهاب للصناعات الأقل استخدما للطاقة.»
وأنفقت الحكومة المصرية التي تعاني ضائقة مالية نحو 144 مليار جنيه (20 مليار دولار) أو ما يوازي 20 في المئة من الموازنة على دعم الطاقة في السنة المالية 2013-2014 التي انتهت في 30 يونيو/حزيران.
ورفعت حكومة ابراهيم محلب سعر الغاز الطبيعي للسيارات إلى 1.10 جنيه للمتر المكعب من 0.40 جنيه حاليا، أي بزيادة 175 في المئة، وسعر البنزين 92 اوكتين بنحو 40 في المئة ليبلغ 2.60 جنيه للتر وسعر بنزين 80 بنحو 78 في المئة ليبلغ 1.60 جنيه للتر، وسعر السولار بنحو 63 في المئة ليصل إلى 1.80 جنيه للتر.
وزاد سعر البنزين 95 أوكتين للسيارات الفاخرة التي تمثل نسبة محدودة من العربات في مصر إلى 6.25 جنيه للتر بارتفاع سبعة في المئة.
وقالت المهدي ان المواطن يجب ان يعرف الحد الذي ستصله الأسعار مستقبلا لأن «ارتفاعات الأسعار ستنعكس على المواطن. كل الطبقات ستتأثر حتى الطبقة الغنية.»
وتساءلت قائلة كيف يمكن للمواطن البسيط المسكين ان يشد الحزام أكثر، وتوقعت ان جزءا من الطبقة الوسطى «القريبة من الفقيرة في مصر ستتحول للطبقة الفقيرة .. وأي مواطن دخله ثابت سيتضرر من إرتفاعات الأسعار.»
واسعار الطاقة المدعومة في مصر كانت من بين أدنى الأسعار في العالم، ولا تشجع على كبح الإستهلاك رغم أزمة في امدادات الوقود في البلاد تتسبب في انقطاع الكهرباء يوميا.
وتخطط مصر لإنفاق حوالي 127 مليار جنيه توازي حوالي 16 في المئة من ميزانيتها على دعم المنتجات البترولية والكهرباء في السنة المالية 2014-2015.
وقال أنغوس بلير رئيس معهد «سيغنت» للدراسات الإقتصادية «زيادة أسعار الوقود كانت متوقعة وعلى الرغم من أنه من المرجح حدوث بعض التبعات التضخمية فإن زيادة الاسعار (إلى مستوى) سعر السوق ضرورية.»
ويتوقع وزير التخطيط أشرف العربي أن تؤدي زيادة أسعار الوقود إلى ارتفاع التضخم إلى خانة العشرات.
وبلغ معدل تضخم أسعار المستهلكين في المدن 8.2 في المئة على أساس سنوي وفقا لأرقام حكومية نشرت في مايو/أيار.
ويقول مسؤولون وخبراء إقتصاديين إن زيادة أسعار الوقود لن تطال الفقراء بشكل مباشر لأنهم لا يملكون سيارات. لكن الزيادة تؤثر بشكل واضح وسريع على أسعار المواصلات العامة الحكومية وتعريفة الميكروباص الذي يعتبر وسيلة النقل الأساسية لقطاعات عريضة من الشعب المصري.
كما تنعكس زيادة أسعار الوقود على أسعار جميع السلع والأغذية والمشروبات، باستثناء الخبز المدعم الذي لم ترتفع أسعار الطاقة الموجهة له.
من جهة ثانية رفعت مصر ضريبة المبيعات على السجائر المحلية والأجنبية والخمور بين 40 و120 في المئة في إطار إجراءات لزيادة الإيرادات ومحاولة إصلاح الاقتصاد المنهك.
وتفرض مصر ضريبة متغيرة 50 في المئة على علبة السجائر وضريبة ثابتة كانت تبلغ 125 قرشا للعلبة قبل التعديلات الجديدة.
وأبقت التعديلات الجديدة على نسبة الخمسين في المئة دون تغيير، بينما وزعت الضريبة الثابتة على ثلاث شرائح الأولى 175 قرشا لعلبة السجائر التي لا يزيد سعرها على تسعة جنيهات، والثانية 225 قرشا للسجائر التي يدور سعرها بين تسعة جنيهات و15 جنيها، و275 قرشا للسجائر التي يبلغ سعرها أكثر من 15 جنيها.
وقال مصدر في مصلحة الضرائب مشترطا عدم نشر اسمه إن «الحكومة رفعت الضريبة على الخمور بنسبة 100 في المئة».
وقالت الجريدة الرسمية في عددها الأخير ان الضريبة على البيرة ستبلغ «200 في المئة بحد أدنى 400 جنيه للهيكتولتر».
وأوضح المصدر أن «الضريبة على البيرة الكحولية كانت 100 في المئة بحد أدنى 200 جنيه.»
وأظهرت الجريدة الرسمية أن الضريبة على «نبيذ العنب الطازج والمشروبات الروحية 150 في المئة بحد أدنى 15 جنيها عن اللتر السائل».
وقال المصدر إن «الضريبة على النبيذ والمشروبات الروحية كانت 100 في المئة بحد أدنى 7.5 جنيه عن اللتر».
ويعيش نحو 25 مليونا من سكان مصر تحت خط الفقر ولا تواجه دخول المصريين زيادات الأسعار المحتملة في جميع السلع والخدمات.

محلب يبرر: هذه الإجراءات 
ستوفر 51 مليار جنيه سنويا

من جهته سعى رئيس الوزراء المصري ابراهيم محلب لتبرير خفض الدعم عن الوقود والغاز الطبيعي قائلا انه اجراء ضروري لإصلاح الإقتصاد الذي تضرر بسبب الإضطرابات المستمرة منذ اكثر من ثلاث سنوات.
وأظهر الاجراء – الذي اتخذ خلال شهر رمضان حيث عادة ما يرتفع التضخم بسبب زيادة استهلاك المواد الغذائية- عزم الحكومة على خفض الدعم الذي يلتهم ما يصل إلى خمس الميزانية السنوية.
وقال رئيس الوزراء في مؤتمر صحافي أمس الأول ان القرار اتخذ «بعد دراسات دقيقة». وأضاف «ازاي أنا اُحقق عدالة اجتماعية وبأي منطق وأنا أدعم الغني على حساب الفقير؟.»
وذكر محلب ان أخطر ملف هو دعم الطاقة، وأنه خلال عشر سنوات دعمت الحكومة المحروقات بـ687 مليار جنيه، وإذا استمر الوضع فإن الدين كان سيتواصل ويزيد وهو ما تطلب فتح كافة الملفات .
واشار إلى أن رئيس الجمهورية طلب منهم فتح كافة الملفات، وأن الحكومة الحالية هى حكومة حرب، قائلا «هل سنترك لأولادنا بلد ديونها تتراكم وفقرها بيزيد بنسبة فقر 26.3٪ وبطالة 13.6٪، ولابد أن نواجه علشان شعبنا، ولا نخشى من الصوت العإلى ونعمل وأمامنا شيئان الله والوطن».
وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي المنتخب حديثا عين الشهر الماضي حكومة محلب التي فرضت ايضا ضريبة 10 في المئة على أرباح البورصة وزادت أسعار الكهرباء.
وتأتي اجراءات التقشف الإقتصادي في اطار محاولات مصر تقليص العجز في الميزانية إلى 10 في المئة من اجمالي الناتج المحلي في السنة المالية المقبلة من عجز متوقع بنسبة 12 في المئة في السنة الحالية
ورحب بعض المحللين بهذه الاجراءات.
وقال سيمون وليامز، كبير المحللين الإقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط في بنك «إتش.إس بي.سي» انها خطوة اُولى إيجابية للغاية وبيان واضح للنوايا. وأضاف «هذه الاجراءات يتم التحدث عنها منذ نحو عشر سنوات.»
وتابع وليامز «لن تحل (الاجراءات) بمفردها العجز في الميزانية لكن من المشجع ان نرى نظاما جديدا يضعها موضع التنفيذ في نهاية المطاف.» 
و ذكر رئيس الوزراء، إنه يتحدث بصدق ومن قلبه وأنه منذ أكثر من 40 عامًا هناك ملفات دعم الطاقة التى لم يقترب منها أحد، وأن كل عام كان يزيد العجز والمديونية وزاد معهم الفقر.
ولفت إلى أن أى حكومة بضمير وطنى بعد ثورتين كان لزاما أن تفتح هذه الملفات وأمس صدرت قرارات بتحريك أسعار الوقود والكهرباء.
واستطرد أن الحكومة من أول يوم عملت على تخفيض سعر السلع الغذائية وركزت على الجمعيات التعاونية لتعود لدورها بقوة لإحداث وفرة فى السلع الغذائية التى بالفعل شهدت انخفاضا في الاسعار .