فرنسا تسعى لتقصير ولاية الرئيس السنغالي

اثنين, 2014-07-07 16:17

حين طرحت باريس، في 23 حزيران (يونيو) الماضي، ملف كريم واد، نجل الرئيس السنغالي السابق عبدالله واد، والمحتجز إحتياطيًا في دكار بانتظار محاكمته أمام محكمة خاصة بالاثراء غير المشروع في اليوم الأخير من تموز (يوليو) الجاري، كانت توجه صفعة مكينة للرئيس السنغالي الحالي ماكي سال، بتبرئتها ساحة كريم واد من تهم الاختلاس والاثراء غير المشروع، في القضايا المرفوعة امام القضاء الفرنسي.

للتقرب من غالبيته

لن تكون مسألة تقصير ولاية الرئيس السنغالي لعبة مجدية، بحسب المراقبين، في عملية شد الحبال بين السلطات الفرنسية وبين السياسيين السنغاليين على جبهة كريم واد، خصوصًا أن كل انتخابات جرت في البلاد، منذ انتخاب ماكي سال رئيسًا، لم تساعد هذا الأخير في التقرب ثانية من غالبية شعبية أوصلته إلى سدة الرئاسة.

ويعتمد المراقبون في صياغة رأيهم هذا على واقع أن فرنسا محكومة بتعاون وثيق مع السنغال، خصوصًا في المسائل القضائية، بحسب الشراكة الثنائية التي وقعها البلدان في أيلول (سبتمبر) 2013. والسلطات الفرنسية لا تترك فرصة سانحة من دون تأكيد دعمها للجهود التي تبذلها السنغال في مجال الحوكمة.

إلى ذلك، لفرنسا دورها المستدام في ملف كريم واد. ولم تأت صفعة 23 حزيران (يونيو) من فراغ، وهذا ما أدهش داكار. فالمحاكم الفرنسية قضت بوقف محاكمة واد في تهم الاثراء غير المشروع، المنصوص عليها بالشكوى التي تقدمت بها السنغال في أواخر تشرين الثاني (نوفمبر) 2012 ضد واد.

وهنا، تجدر الإشارة إلى أن شكوى السنغال سابقة على الشراكة الثنائية الموقعة في أيلول (سبتمبر) 2013. وقرار 23 حزيران (يونيو) القضائي، بالرغم من وجهه السلبي الظاهر ومن إعلانه انتفاء الدليل في التهم الموجهة لواد، أثلج صدر داكار قليلًا، لأن فرنسا لم تتوسل الأقنية الدبلوماسية لإبلاغ السلطات السنغالية بحيثيات القرار، وهذا حسبته داكار نقطة في صالحها.

نصف مدة

يرد المراقبون هذا الأسى العاطفي بين باريس وداكار إلى أن القضاء الفرنسي اتخذ قراره بتبرئة ساحة كريم واد بعد مقابلة للرئيس السنغالي ماكي سال على أثير إحدى الاذاعات الفرنسية، تطرق فيها إلى مسألة تقصير الولاية الرئاسية، من خلال مشروع تعديل دستوري، كان وعد به خلال حملته الانتخابية في العام 2011، ولم ينفذه.

ملف كريم واد يصدّع آمال ماكي سال بولاية رئاسية ثانية

فالمقابلة الاذاعية، ثم القرار القضائي الفرنسي، وما بعدهما من جدال بيزنطي بين باريس ودكار، أتت كلها في مرحلة حرجة، عشية الانتخابات المحلية التي حصلت في 29 حزيران (يونيو) الماضي. بدت كل هذه العوامل وكأنها مفاعيل تنشط لإلزام ماكي سال بنصف مدة رئاسية، أي لمنعه من الاستمرار حتى العام 2017، خصوصًا أنه نسي أو تناسى أن المرشح مطالب بالوفاء بتعهداته، ما أن ينتخبه الشعب رئيسًا.

وليس استجوابًا هذا الذي يخضع له ماكي سال، بل هو توصيف بالوقائع، انطلاقًا من واقعية سنغالية باردة. فالأنظار الرئاسية موجهة اليوم إلى العام 2019، بدلًا من العام 2017، أي أن تجري انتخابات رئاسية في العام الحالي، وفق تعديل دستوري يقصّر الولاية الرئاسية لخمسة أعوام. كما أن حساسية الحالة الاجتماعية والسياسية اليوم ليست مؤاتية لماكي سال، الذي تقاس قوته بشكل عكسي مع تآكل الاحتمالات الاقتصادية امام الشعب السنغالي.

صفعتان

في جولة أفق على نتائج استطلاعات الرأي الشعبية، منذ جلوس ماكي سال في سدة الرئاسة السنغالية، يظهر أن الناخبين يبدون حماسًا متراجعًا، ولدتها خيبات أمل متراكمة. وقد أتى التحذير الشعبي الأول في تموز (يوليو) 2012، حين امتنع 55 بالمئة من الناخبين في الانتخابات التشريعة عن التصويت له، ومنعوا عنه غالبية مطلقة، فكان عليه حينها أن يعالج الأسباب، كي لا يصل إلى خسارة بنسبة 70 بالمئة في انتخابات حزيران (يونيو) 2014.

فماكي سال مطالب اليوم بالعودة إلى قواعده الشعبية، والوقوف على المشاكل التي تعاني منها هذه القاعدة، ليكون قادرًا على تلبية حاجاتها، كأن يمنحها مثلًا السلة الغذائية التي تطالب بها، والذي تمنع المشكلات الاجتماعية والسياسية إقرارها منذ عامين تقريبًا.

وهكذا، أتت صفعة 29 حزيران (يونيو) الداخلية، لتضاف إلى صفعة 23 حزيران (يونيو) الفرنسية، فتحشر ماكي سال في زاوية ضيقة جدًا، ولتوقظ في حلفائه الفرنسيين والأميركيين تساؤلات عن صوابية قرارات اتخذوها بين العامين 2008 و2012، حيال المرشح الأنسب لرئاسة السنغال.

فشلت فأقيلت

ومن تداعيات الصفعة الداخلية كانت إقالة ماكي سال لرئيسة وزرائه أميناتا توريه الجمعة، بحجة فشلها في الفوز بمقعد في الانتخابات المحلية الأخيرة. وكانت توريه، التي عينت رئيسة للوزراء في أيلول (سبتمبر) الماضي، تحاول هزيمة رئيس بلدية دكار خليفة سال، الاشتراكي الذي يتمتع بشعبية كبيرة، من دون أي صلة قرابة بينه وبين ماكي سال.

ونقلت تقارير صحفية عن مصدر مقرب من الرئاسة السنغالية قوله: "أقيلت. لم تعد رئيسة للوزراء"، في تدبير يفتح الباب أمام ماكي سال لمحاولة تسريع عملية إصلاح كان بدأها وتوقف عنها، وتوفير المزيد من الفرص الوظيفية قبل الانتخابات، المقرر أن تجرى في العام 2017.

وعيّن ماكى سال محمد ديون رئيسًا للوزراء، وهو كان وزيرًا مسؤولًا عن تنفيذ خطة التنمية السنغالية، التى بلغ حجمها 7,98 مليار دولار فى الحكومة السابقة، فأعلن هذا الأخير فجر الاثنين تشكيل حكومة جديدة تضم ثلاثة وثلاثين وزيرًا.

تحد من المشاكل

تتميز الحكومة السنغالية الجديدة بدخول منصور فاى، شقيق زوجة الرئيس ماكي سال، وزيرًا للمياه. وكان فاي قد فاز في الانتخابات الأخيرة بمنصب عمدة بلدية سينلوي بشمال السنغال.

وخرج من الحكومة الجديدة اتييرنوه الحسن، وزير البنى التحتية والنقل البري، وبابا أديوف، وزير المياه والصرف الصحي، وعلي حيدرا، وزير الصيد والشؤون البحرية، وعبد اللطيف كوليبالي، وزير حسن التسيير، ومور أنغوم، وزير البيئة، والشيخ بمب وزير الاقتصاد الرقمي. ودخل ثمانية وزراء جدد إل الحكومة، كما عادت إليها مريم صار في وزارة المرأة والاسرة والطفولة.

وفي تقييم أولي، قال مراقبون إن حكومة ديون التي تشكلت في غضون ساعات قليلة  قد تحد من المشاكل التى يعانيها السنغال، المستقر سياسيًا والمنتكس إقتصاديًا.

ايلاف