هواجس أمنية تنذر بقطيعة محتملة بين النظام الأردني والإخوان

اثنين, 2014-07-07 17:30

 فتور شديد يحث الخطى صوب قطيعة محتملة “وبينونة كبرى” بين النظام الأردني وجماعة الإخوان المسلمين.

ووصل التوتر الحاصل بين الطرفين إلى أعلى تجلياته في أعقاب ما رشح مؤخرا عن لقاء جمع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بقيادات عشائرية في محافظة الكرك الأردنية (جنوب) مطلع حزيران (يونيو) الماضي، حيث نشرت وسائل إعلام محلية وعربية قبل أيام تسريبات على لسان شهود عيان حضروا اللقاء.

وأشارت تلك التسريبات إلى أن العاهل الأردني اتهم آنذاك جماعة الإخوان المسلمين بإحداث الفتنة بين الأردنيين من أصل فلسطيني والسكان الأصليين، والأخطر من ذلك ماجاء ضمن التسريبات التي (لم ينفها أو يؤكد صحتها الديوان الملكي الهاشمي) بشأن (محور الخلاف) حيث تحدثت وسائل إعلام محلية بأن العاهل الأردني وصف، خلال اللقاء المذكور، حزب جبهة العمل الإسلامي (الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين) بأنه الحاضنة الشرعية لكافة الجماعات التكفيرية في الأردن.

وتتهامس قيادات الصف الأول في جماعة الإخوان (الأردن) وتقر في صالوناتها المغلقة، بأن جزءا مما تصفه بـ”الانشقاقات” التي حصلت مؤخرا داخل صفوف الجماعة كمبادرة زمزم، واجتماع إصلاح الجماعة في اربد (شمال) مطلع حزيران (يونيو) الماضي، ما هو إلا حالة فرز إقليمي، بين القيادات شرق الأردنية، والقيادات من أصول فلسطينية، وهو بالضبط المعنى الفعلي لما يصطلح على تسميته مجازا بـ”الحمائم (شرق الأردنيين)، والصقور (الأردنيون من أصول فلسطينية)”.

ففي الوقت الذي يذهب فيه بعض قادة الجماعة (من ذوي الأصول الفلسطينية) إلى وضع قضية فلسطين على رأس أولويات التنظيم، يتجه قادة آخرون (شرق أردنيين) إلى الرغبة في الالتفات نحو الداخل، وتقديم المصلحة الوطنية فوق أي اعتبارات خارجية، وهو ما وصفه مراقبون لاحقا بأنه أشبه بنعرات إقليمية تثيرها الجماعة وتكرسها بين أتباعها وتجيش لها داخل المجتمع الأردني من شتى الأصول والمنابت، وبما قد يطال الوحدة الوطنية وينال منها.

وبالعودة إلى تصاعد الفتور بين الجماعة والنظام الأردني، فبالإمكان رصد ذلك بوضوح، منذ اللحظة التي صدر فيها حزب جبهة العمل الإسلامي بيانا ينتقد إقرار البرلمان الأردني أواخر أبريل/ نيسان الماضي قانون منع الارهاب، جراء شعوره (أي الحزب) بأنه المستهدف الرئيس من وراء هذا التشريع.

وانتقد الحزب، في بيان له، التوسع في حالات التجريم والتشدد في العقوبات وبروز الدوافع السياسية أكثر من الجوانب الجنائية العقابية ضمن نصوص القانون، والأخطر من ذلك اتهام الحزب الضمني للدولة بأنها مخترقة في أكثر مؤسساتها حساسية من قبل الموساد الإسرائيلي، حين أكد بالنص على “أهمية مكافحة جرائم التجسس (الاسرائيلي) بالذات على الأردن وأكثر المؤسسات حساسية، وغياب الاستدراكات اللازمة لحمايةً الحالات النضالية الشعبية والمشروعة دولياً ووطنياً”، مدرجا (البيان) حركة حماس على سبيل المثال.

مصدر سياسي رفيع، قال لوكالة الأناضول، مفضلا عدم ذكر اسمه، إن الدولة “لم يرق لها على الإطلاق ما فعلته الجماعة عقب ذلك من استعراض للعضلات الحزبية والشعبية خلال انتخابات نقابة المعلمين” التي أجريت أواخر مارس/ آذار الماضي.

وزاد المصدر “على الرغم من أن الأردن لم يضع الإخوان على لائحة الإرهاب الدولي كما فعل حلفاؤه في المنطقة (مصر والسعودية)، وعلى الرغم من أنها (أي الدولة) لم تتدخل – بشهادة الإخوان أنفسهم – في انتخابات المعلمين أو تسعى للتأثير على نتائجها، إلا أن الجماعة مارست استفزازا متعمدا عبر قيامها بتسييس هذه الانتخابات المهنية، وإظهار نتائجها أمام الرأي العام عبر الإعلام الإخواني المحلي والدولي (لم يسمه) وكأنها هي ذات النتائج التي ستتمخض عن أي انتخابات يمكن أن تنعقد على مستوى السلطة”.

والمتتبع لمسار التأزيم التدريجي بين الجماعة والنظام يلحظ أن الدولة أغلقت مؤخرا أبواب قاعاتها الرسمية أمام المؤتمر العام لحزب جبهة العمل الإسلامي، حيث رفض كل من مركز الحسين الثقافي (أمانة عمان) والمركز الثقافي الملكي (وزارة الثقافة) فتح أبوابه للحزب الذي اتهم الحكومة كذلك أنها أمرت القطاع الخاص من فنادق وغيرها بعدم فتح قاعاتها للحزب ما دعاه في الحادي والعشرين من يونيو/ حزيران الماضي إلى اقامة المؤتمر داخل “صيوان” على قارعة الطريق ضمن خطوة وصفها رسميون بأنها دعائية.

وبحسب المعطيات المطروحة فإن كل ما تقدم لايعدو كونه مجرد ردود فعل غير مباشرة على السبب الفعلي في الخلاف المتصاعد، ألا وهو الهاجس الأمني الأردني والذي بدأ يتجلى في أعقاب تعاظم شأن الحركات الجهادية السلفية في المنطقة، لاسيما عقب ظهور داعش في سوريا والعراق، ووصولها (أي داعش) إلى مناطق متاخمة للحدود الأردنية مع البلدين المذكورين.

وزاد من حدة الهاجس الأردني الذي برز بوضوح ضمن التسريب المشار إليه على لسان العاهل الأردني، تصريحات منسوبة للقيادي في الحركة الإسلامية الأردنية مراد العضايلة، والذي لعب مؤخرا على الوتر الحساس، حين أرسل رسائل ضمنية للنظام وتساءل عقب منع حزب الجبهة من استخدام القاعات الحكومية لعقد مؤتمره العام: “هل يفضل النظام داعش علينا؟!”. وزاد قائلا، ضمن تصريحات صحفية، “إن خدمة التيارات المتشددة سلوك حكومي مقصود لأنها تيارات تسهل مواجهتها في الداخل والخارج ويسهل استهدافها في الوقت الذي تصعب فيه عملية استهداف مؤسسات مدنية مرخصة تعمل لصالح الإصلاح مثل جبهة العمل الإسلامي”.

ويرى المصدر الحكومي، الرفيع الذي سبقت الإشارة إليه، “أن جلالة الملك حين يعتبر حزب العمل الإسلامي حاضنة لكل الجماعات التكفيرية في الأردن، فإنه لايغيب عن ذهنه قطعا، التعزية التي قدمها قياديو الجماعة بزعيم تنظيم القاعدة الأسبق في بلاد الرافدين أبي مصعب الزرقاوي، رغم عفوه (أي الملك) عنهم”.

وكان العاهل الاأردني الملك عبد الله الثاني قد أصدر في الثلاثين من سبتمبر/ أيلول 2006 عفوا خاصا عن النائبين الإسلاميين علي أبوالسكر، ومحمد أبوفارس، بعد أن حكم عليهما بالسجن على خلفية تقديمهما التعازي بـ”الزرقاوي” الذي قتل بغارة أمريكية في العراق، والمتهم بالتخطيط لتفجيرات فنادق في عمان العام 2005، والتي أودت بحياة 53 شخصا وأصابت العشرات.وهنا يقر الرئيس السابق لمجلس شورى حزب جبهة العمل الإسلامي والنائب السابق على أبوالسكر بتوجس النظام من تعاظم نفوذ (داعش) وخشيته من تحالف هذه الجماعات مع الإخوان، بما قد يوفر حاضنة حزبية وشعبية لهذا الخطر القادم من الشمال والشرق.

ويرى أبو السكر أن أطرافا (لم يسمها) تسعى لإذكاء هذه الافتراضات.

وأضاف أبوالسكر، لوكالة الأناضول، أن “تعاظم وجود بعض الحركات الإسلامية في دول الجوار صنع نوعا من التخوف لدى النظام السياسي، وقد استخدم واقع هذه الحركات للتأليب على الحركة الإسلامية في الأردن أمام النظام، وهذا هو الذي يؤدي حاليا إلى نوع من الفتور في العلاقة، رغم أن الواقع العملي للعلاقة بين النظام والحركة الإسلامية على مدى عقود وليس سنوات، يؤكد توازن الحركة الإسلامية واعتدالها، وأنها ليس لديها تطرف، ولاتتطلع الى افتعال صدامات مع النظام السياسي أو مكونات المجتمع بشكل عام”.

ووصف هذه العلاقة بأنها أقرب إلى الفتور منها إلى القطيعة أو المواجهة.

وعلى الرغم من وجود آراء تؤمن باستراتيجية العلاقة بين النظام الأردني والإخوان والتي بلغت ذروتها عام 1957 حين تصدى الإخوان المسلمون عسكراً ومدنيين لمتمردين (قوميين ويساريين) من الجيش كانوا يستعدون لمغادرة معسكرات الزرقاء باتجاه القصور الملكية في عمّان لتنفيذ انقلاب عسكري ضد الملك الراحل الحسين بن طلال.

يرى مراقبون أن ماجرى آنذاك كان أشبه بـ”زواج متعة”، جراء التقاء مصالح مرحلية، وقد فعل الإخوان ما فعلوه من واقع كرههم الأيديولوجي للتيارات اليسارية والقومية، وليس حبا في النظام الأردني، وإنهم (أي الإخوان) لن يتوانوا عن اقتناص أي فرصة تاريخية كرياح الربيع العربي لقلب الموازين، والصعود إلى السلطة دون تردد.

جدير بالذكر أن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أمر بتشكيل لجنة لدراسة فكر الإخوان المسلمين في المنطقة، والتوثق من مدى سلمية طرحهم، بهدف بلورة موقف رسمي باتجاه التنظيم العالمي، لاسيما في أعقاب اتهامات وجهتها السلطات المصرية الحالية للتنظيم، بأنه يقف وراء سلسلة من الهجمات الإرهابية التي ضربت البلاد مؤخرا.

القدس العربي