وجع الحرمان‬ \\ محمد فاضل جميلي

سبت, 2015-05-09 08:20

رغم أنين الوجع المتواصل منذ أيام رفض الضمير إلا أن تكون " وخزته " قاسية هذه المرة و هو يشاهد ذاك " الطيف " الذي يتراءى من بعيد . يزداد منسوب الوجع كلما اتضحت ملامحه و تتجمد دموع عجز و قهر أربكها الاستماع لمفردات تلك القصة الموغلة في " الألم " درجة الحرارة تصل حد الغليان ، و الأرض قاحلة مليئة بالمطبات ، و مظاهر البؤس و الحرمان تحاصرك في محيط بلدية " كلير " لتستنفد مخزون صبرك و تحملك قبل الانهيار ، و حين تخرج هاربا من عجزك محاصرا بنظرات قهر و حرمان استوطنت مقل ضعاف لاحول لهم ولا قوة تجد في طريقك ذاك " الطيف " الذي كان قشة " الوجع " التى قسمت ظهر تجلدك . امرأة في المنتصف بين بلدية " كلير " و إحدى قراها تسير خلف حمار (تصر على أن تظهر أنها تتحكم فيه رغم إدراكها أنه هو من يتحكم فيها فلو تمرد لما استطاعت مقاومته ) في وقت لا يجرأ فيه أحد أن يتحدى أشعة الشمس القاتلة ، و كل ما تحمله هو " ازكيبة من الكمح ونص ليتر من دلوير " ، بتلك المفردات أردت أن أصف زاد تلك المسكينة بعيدا عن لغة أخرى يمكن أن تدارى حجم الوجع . تسألها عن سبب وجودها في ذاك التوقيت بالذات و تعرض عليها المساعدة كي توصلها إلى وجهتها بسرعة فتقول لك بطيبوبة تضاعف وجعك و بنبرة قهر لن تستطيع ابتلاعها بسهولة : ( منذ أسبوع و أنا أقطع 10 كيلوميترات ذهابا و إيابا بحثا عن " ازكيبة من الكمح وليتر من دلوير " لأسد به رمق الأطفال ، فأجد دكاكين " أمل " خاوية على عروشها إلا من عامل يمطرنى بالإساءة و يتفنن في طرق الإهانة ، فأتزود بجرعات قهر توصلنى متعبة إلى حيث يحاصرنى أنين جوع الأطفال . اليوم واصلت رحلة البحث كالعادة بعد صلاة الصبح و توجهت مباشرة دون انتظار لف الدولة أو دوران مسؤليها إلى أحد التجار الذي لم يخب ظنى ب " جشعه " فهو ابن وطنه ، و باعنى هذا الزاد بضعف ثمنه . أحس بنشوة الآن لأن البسمة سترتسم على وجوه الأطفال عند عودتى لكن ينغصها إحساس خوف و قهر لأنى على يقين أن هذا الزاد لن يسد الرمق إلا ليومين أو ثلاثة ، ثم أبدأ رحلة شتاء " الوعود الزائفة " و صيف " الإهانة و الحرمان " من جديد . صدقنى أنا متعبة و المسافة طويلة و أشعة الشمس حارقة لكنى لن أستطيع مرافقتكم لتوصلنى لأنى لا أستطيع إطلاق سراح " الحمار " فهو الذي سأجلب عليه الماء من مسافة لاتقل عن 15 كيلومترا ) .