محللون: جهود تقليص الدعم والإجراءات المرافقة ضرورية لكنها غير كافية ولن تقيم الإقتصاد من عثرته

ثلاثاء, 2014-07-08 14:45

يجمع محللون على أن الخطوات التي اتخذتها الحكومة المصرية لخفض العجز في الميزانية، وإصلاح منظومة الدعم التي تحمي الفقراء، كانت ضرورية لدعم الإقتصاد الذي تعرض لهزات قوية منذ انتفاضة 2011، لكنهم يرون أنها لا تكفي بمفردها لإقالة الإقتصاد من عثرته.
ويبدو أن إعلان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن تبرعه بنصف ممتلكاته وراتبه للدولة كان ساعة الصفر للحكومة، لإستغلال شعبيته الواسعة لدى قطاع عريض من الشعب خاصة الفقراء، للبدء في تنفيذ عدد من إجراءات الإصلاح لم تجرؤ حكومات عديدة سابقة على تطبيقها.
فتوالت في غضون أيام قليلة سلسلة من القرارات التي رفعت هذا الاُسبوع أسعار الطاقة على المواطنين والقطاع الصناعي، وزادت ضريبة المبيعات على السجائر المحلية والأجنبية والخمور، وفرضت ضريبة على أرباح البورصة والتوزيعات النقدية ووحدت الحد الأقصى للأجور لجميع العاملين بالدولة عند 42 ألف جنيه.
ورغم حالة السخط التي تجتاح الطبقة الوسطى والفقيرة من زيادات الأسعار رحب عدد من المحللين بخطوات الحكومة لتقليص دعم الطاقة.
وقال سيمون وليامز كبير المحللين الإقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط في بنك «إتش.إس.بي.سي» انها خطوة أولى ايجابية للغاية «وبيان واضح للنوايا. هذه الإجراءات يتم التحدث عنها منذ نحو عشر سنوات.»
وأضاف وليامز «لن تحل (الإجراءات) بمفردها العجز في الميزانية لكن من المشجع أن نرى نظاما جديدا يضعها موضع التنفيذ في نهاية المطاف.»
ورغم أن الحكومات المتعاقبة تحدثت عن ضرورة إصلاح منظومة الدعم، خاصة دعم الطاقة الذي يلتهم 20 في المئة من الموازنة العامة، فإن أيا منها لم يجرؤ على زيادة الأسعار خوفا من رد فعل الشارع.
غير أن السيسي دفع الحكومة لإتخاذ هذه القرارات برفض التصديق على موازنة الدولة للسنة المالية التي بدأت في أول يوليو/تموز وإصراره على ضرورة خفض نسبة العجز.
وعدلت الحكومة الميزانية بخفض العجز إلى عشرة في المئة، بدلا من 12 في المئة، بسلسلة من قرارات خفض الدعم وتعديلات ضريبية أدت إلى زيادة الأسعار.
وقال نادر إبراهيم من شركة «آرشر» للإستشارات «الإجراءات كلها تقشفية وصائبة جدا وكنا في حاجة لها من فترة، ولكن كان من الأفضل أن تتم تدريجيا وليس مرة واحدة. لا شك أن الإجراءات ستخفض عجز الموازنة والمصروفات، وستزيد من التدفقات النقدية، ولكنها في نفس الوقت ستزيد أسعار السلع والخدمات وستزيد من التضخم والبطالة.»
وبلغ معدل تضخم أسعار المستهلكين في المدن 8.2 في المئة على أساس سنوي وفقا لأرقام حكومية في مايو/أيار.
وتنعكس أسعار الوقود على جميع مناحي الحياة تقريبا في مصر، حيث يعيش نحو 25 مليون نسمة تحت خط الفقر. وتتوقع الحكومة أن تؤدي زيادة أسعار الوقود إلى ارتفاع التضخم فوق حاجز العشرة في المئة.
وقال السيسي أمس الأول ان قرار الحكومة زيادة أسعار الوقود هو «خطوة مهمة تأخرت لأكثر من 50 عاما» وان الهدف منه تحقيق الإستقرار والتنمية.
وقال وائل زيادة رئيس قطاع البحوث في المجموعة المالية «هيرميس» أكبر بنك إستثمار في الشرق الأوسط «الإجراءات خطوة إيجابية ستضيف للإقتصاد. ما يحدث الآن هو إعادة إصلاح المنظومة التمويلية للدولة بالكامل.»
لكن عددا من المحللين أشار إلى ضرورة إستكمال هذه الإجراءات بوضع خطط لحماية الفقراء من الآثار السلبية المحتملة لزيادات الأسعار، ورسم خطة شاملة تحقق للإقتصاد الإستفادة من هذه القرارات في الأجل الطويل.
وقال زيادة «لابد من الإنتباه أن الإسراع في الإصلاح بدون غطاء لشبكة أمان اجتماعي سيسبب في تآكل في رأس المال السياسي للحكومة. المواطن قد يشعر بالإصلاحات التي تتم الآن بين عام إلى عام ونصف.»
وقال فخري الفقي، مساعد المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي سابقا «الإقتصاد المصري سيستفيد من الإجراءات في حالة وضع الحكومة لبرنامج وطني شامل لإصلاح الإقتصاد خلال العشر سنوات المقبلة، بحيث يتم وضع الإجراءات اللازمة لتعافي الإقتصاد خلال أول 4 سنوات من البرنامج للوصول لمعدل نمو بين 4-5 في المئة. وأن يكون ثاني أربع سنوات لتسريع وتيرة النمو الإقتصادي بين 8-10 في المئة سنويا، وآخر عامين لتجهيز الإقتصاد للإنطلاق بقوة تجاه النمو الإقتصادي.»
وقال وزير المالية المصري، هاني قدري دميان، الاُسبوع الماضي ان بلاده تستهدف نمو إقتصادها المتداعي بين أربعة و5.8 في المئة خلال الثلاث سنوات المقبلة مع إبقاء نسبة العجز عند عشرة في المئة.
وقال أشرف الشرقاوي، رئيس الرقابة المالية الأسبق في مصر «الإجراءات جيدة جدا في حالة إعادة تخطيط الموارد للصحة والتعليم حتى يشعر الناس بطفرة في العلاج والأدوية. لازم يكون فيه أمل وتفاؤل بالمستقبل وأن يكون هناك خطة واضحة للإقتصاد.»
ورفعت الحكومة الإنفاق على الصحة في الموازنة الحالية بنحو 22.7 في المئة، ليصل إلى 51.653 مليار جنيه. كما رفعت الإنفاق على التعليم 13.3 في المئة إلى 105.349 مليار جنيه والإنفاق على البحث العلمي 17.5 في المئة إلى 2.200 مليار جنيه.
وقال إبراهيم «لابد للحكومة أن تتوسع سريعا في المشروعات الإستثمارية للحد من زيادة البطالة المتوقعة. حتى الآن الحكومة تبرر فقط الإجراءات ولم تكشف عن خطط مستقبلية لاستغلال وفورات أسعار الطاقة.»
وترى علياء المهدي اُستاذة الإقتصاد في جامعة القاهرة أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة سيكون لها «تأثير إيجابي على الإقتصاد على المدى الطويل، لأن الميزانية لن تكون محملة بأعباء الدعم، ولكن على الأجل القصير سيكون له تأثير سلبي على الدخول وعلى الفقراء وعلى تحول جزء من الطبقة الوسطى القريبة من الفقيرة في مصر إلى الطبقة الفقيرة.»
وأنفقت الحكومة المصرية، التي تعاني ضائقة مالية، 144 مليار جنيه (20 مليار دولار) أو حوالي خُمس ميزانيتها على دعم الطاقة في السنة المالية المنتهية في الثلاثين من يونيو/حزيران.
وأكد رئيس الوزراء إبراهيم محلب يوم السبت الماضي أن رفع أسعار المواد البترولية والكهرباء سيوفر للدولة نحو 51 مليار جنيه (7.13 مليار دولار)، على أن يتم توجيه الوفورات إلى قطاع الصحة والتعليم والضمان الاجتماعي.
ولم يفسر محلب كيف يتقلص عجز الميزانية، إذا وجهت الحكومة الوفورات إلى دعم قطاعات اُخرى.
ويعرب بعض الإقتصاديين عن قلقهم من ألا تمتلك الحكومة المصرية دراسات وخطة واضحة لمستقبل البلاد خلال السنوات المقبلة. وبرهنوا على ذلك بتخفيض الحكومة للموازنة الحالية بنحو 52 مليار جنيه خلال يومين بعد رفض السيسي التوقيع على الموازنة الأولى.
وستكشف الأيام ما إن كانت الحكومة ستنجح في الإستفادة من القرارات الأخيرة في تطوير الأداء الإقتصادي، أم أن هذه القرارات ستؤدي إلى تآكل الشعبية الواسعة التي يحظى بها السيسي.