باب الحارة:المسلسل الذي روّج فكرة الزعيم الذي لا يقهر

أحد, 2015-06-07 09:05

"باب الحارة"، الذي تناول الحياة بسطحيتها وقشورها في دمشق، هو أهم نموذج لشكل منالأعمال الدراميةالمدروسة، والمقصود فيها تسطيح كل جوانب الثقافة، وتحويلها إلى ثقافة استهلاكية هشة، بعيدة عن حقيقة إشكاليات هذه المجتمعات، مما يجعلها مرآة لأنظمة الحكم فيها. 

فمنذ الجزء الأول له، قبل تسع سنوات، قدم هذا العمل الأحداث بحبكة شديدة الذكاء، وبتوزيع متقن للشخصيات والأدوار، وبقدرات تمثيلية لا يمكن لأحد إغفالها، وباستعراض عضلات إخراجي، وموسيقى تصويرية قوية ومنتقاة جيداً، وبإنتاج ضخم هو أيضاً استعراض عضلات إنتاجي. كما أنه، وكمعظم الأعمال التي تقدم وكأنها في سن الشيخوخة، قد اتكأ على التاريخ، وحاول الاستفادة من عكاز الوطنية والمقاومة والبطل الأسطوري، لكنه جاء عكازاً قديماً ومنخوراً يخون صاحبه دائماً. 

مع المشاهد الأولى من المسلسل، بدأ تكريس الزعيم الواحد ومطلقية سلطته وصحة قراره، وبعد نظره الذي لا يمكن أن يخيب، وقدرته على التحليل والتحريم، وقد تميزت به شخصية العقيد. وأمّا الأخطر فقد كان مفهوم توريث هذه السلطة. وقد استمر هذا التكريس طيلة الأجزاء الستة مع تغيير الممثلين، حيث بقيت فيه شخصية الزعيم هي المحور الأساسي للأحداث الدرامية بكل تفاصيل حياتها اليومية والعائلية، لتقدم شخصية خالية من الأخطاء، مثلها مثل شخصية الزعيم الدكتاتور، أو الملك الذي يجب أن يطاع طاعة عمياء. وذلك أيضاً من خلال تكريس بساطة باقي الشخصيات في المجتمع، وسطحية إشكالياتها، ومعالجتها لهذه الإشكاليات باعتمادها دائماً على رأي الزعيم في حلها. 

أمّا المقتل الثاني والأخطر فقد كان الشكل الذي قدمت به المرأة السورية في المسلسل، والذي تمحور ضمن أحد النموذجين: فإمّا هي امرأة مقهورة بسيطة تطيع سلطة الرجل في كل شيء، ومنتهى أحلامها إرضاؤه الأعمى، وقبول كل أوامره، وتمحور كل ذاتها حول أنوثتها فقط، وكيفية استغلال هذه الأنوثة للفوز برضا السلطة الذكورية المطلقة. أو هي امرأة منافقة كاذبة تدخل من بيت لبيت لتخربه، وتستخدم أنوثتها فقط للدهاء والثرثرة الفارغة، وكأنها كائن مغيب عن كل ما حولها. وفي كلا النموذجين كانت امرأة حبيسة مستلبة في عقلها، ومختزلة في حضورها ووعيها. وكان الأوجع هو متابعة عدد كبير من نساء وطننا لهذا العمل باهتمام وإعجاب، هما نتيجة تدني الوعي الذي أوصلتنا إليه سلطات لعبت طيلة وجودها على تجهيل هذه الشعوب، وقمع الأصوات الناهضة فيها. 

لقد أغفل هذا العمل، وبشكل مقصود، أية نهضة كانت للمرأة في تلك الفترة من تاريخ سورية، وكيف كانت مشاركتها في الحياة السياسية، وكم صالون أدبي نسائي كان في دمشق! وكيف كانت بدايات الوعي الثوري وبذور الفكر الحر في المجتمع الشامي. وأغفل حضور المرأة المتعلمة والمتمردة على واقعها نهائيا. 

يأتي الآن الجزء السابع هذه السنة بترويج إعلامي كبير وبوعود بمفاجآت تخص الزعيم، وبكادر تمثيلي مناسب تماماً لتكريس الزعيم الأحادي الذي لا يقهر. إذ إن كل الكادر هو من الموالين وبشكل مطلق للزعيم الأوحد القاتل في سورية، والذين أعلنوا هذا الولاء النذل منذ بدايات الأحداث. وليغب كل الفنانين الذي دعموا الثورة ورفضوا الظلم ليصبحوا محرومين من أية مشاركة أو دعم مادي ومشردين في أنحاء العالم، يحاولون بجهود متواضعة إنتاج أعمال تحاكي حقيقة ما يجري في سورية. 

فأية مسافة هي بين قلم حمرة مثلاً، وبين باب الحارة؟ أية مسافة هي بين الثقافة الحقيقية الحرة والجريئة، والتي تواجه حقيقة مشكلات الوعي العربي، وبين التي تكرس أسباب إشكالياتها؟ ولا ندري إن كان هذا العمل سيتناول شخصية حافظ الأسد، ويجعلها الشخصية الأمثل في تاريخ سورية، ليكمل بذلك مشواره وليقفل على الوعي العربي كل الأبواب الباقية.