ماذا وراء دعوات تعديل الدستور في موريتانيا ؟

سبت, 2015-06-13 00:14

ينشغل الموريتانيون هذه الأيام على جميع المستويات بقضية تمكين الرئيس الموريتاني محمد ولد عبدالعزيز من الترشح لولاية ثالثة وهو الترشح الذي تمنعه المادة 29 من الدستور الموريتاني.

وفيما نفى الرئيس الموريتاني وكبار معاونيه هذا التوجه في تصريحات عدة ، طالب نشطاء سياسيون في صف الموالاة الرئيس ولد عبدالعزيز بالترشح لولاية ثالثة وذلك في مداخلات لهم أمامه خلال جولاته الداخلية المتواصلة منذ شهر.

وفي هذا الإطارأعلن ناشط يدعى أحمدو ولد إياهي أمس عن اطلاق مبادرة سياسية لجمع مليون توقيع لولاية جديدة للرئيس محمد ولد عبدالعزيز، حتى يبقى في السلطة، وذلك من أجل تحقيق ما وصفته المبادرة هدف «اكمال المسار».. وفق تعبيرها.

وأكد ولد إياهي – في تصريحات للصحافة الوطنية- أنه ماض في جمع التواقيع، معتبرا أن الشعب الموريتاني بحاجة إلى أن يكمل الرئيس ولد عبدالعزيز مأموريات رئاسية عدة لاتمام محاور «مشروعه التنموي الطموح»..على حد قوله.

ويقول إن «الدستور ليس قرآنا ولا حديثا»، مضيفا أن الهدف الأسمى من وضع الدساتير هو الحفاظ على مصالح الشعب والوطن، وعليه فإن الدستور يمكن تغييره بطرق شرعية شتى، خاصة إذا كانت مصلحة البلاد والعباد تقتضي بقاء رئيس الجمهورية محمد ولد عبدالعزيز في السلطة حتى يلبي طموح كل الموريتانيين في استكمال مشروعه الوطني الرامي إلى بناء دولة قوية قادرة على مسايرة نظراتها في العالم، ونشر العدل والمساواة بين المواطنين ووضعهم في ظروف معيشية لائقة.

وعندها سيكون من السهل جدا أن يتم إخراج الموريتانيين في مسيرات شعبية ضخمة تطالب بتمزيق الدستور الموريتاني، وبرمي المادة 29 من هذا الدستور، وبالقسم الذي جاء فيها، في مكب القمامة بتفيريت.

وإذا كان لي أن أوجه نصيحة لجيوش المطبلين والمصفقين في شرق البلاد وفي غربها، في شمالها وفي جنوبها، فستكون هذه: يا أيها المطبلون خذوا حذركم، إن تصفيقكم وتطبيلكم يسجل الآن بالصوت والصورة، ولذلك فإنكم ستجدون أنفسكم في حرج شديد، وستتمنون في وقت قد ترونه بعيدا، وقد نراه قريبا، لو أنكم لم تصفقوا ولم تطبلوا لهذا النظام.

ولكي أعطيكم صورة دقيقة عن خطورة الموقف الحرج الذي ستجدون فيه أنفسكم غدا، فإني سأذكركم الآن بشيء قليل مما كنتم تقولون بالأمس. لقد كان مولاي الحسن ولد الإمام أشريف المعروف بـ«لمشعشع» هو أول من أطلق في العام 2015، ومن ولاية الحوض الغربي، مبادرة مطالبة بولاية ثالثة، وقبل ذلك بعقدين من الزمن، وتحديدا في شهر مايو من العام 1995، وحسب ما جاء في الصفحة الشخصية للصحافي ماموني مختار، والذي كان في ذلك الوقت يراسل الوكالة الموريتانية للأنباء من ولاية كوركول، فقد قال لمشعشع في اجتماع عقد بمنزل والي «كوركول» حينها، وتم تخصيصه للتحضير لزيارة رئيس الحزب الجمهوري الديمقراطي الاجتماعي: «صحيح أنني لست من سكان كوركول، أنا رجل من الشمال، ومعاوية هو من كلفني شخصيا بتمثيله في جميع مناطق الضفة بما فيها ولاية كوركل، وقبل معاوية لم تطأ قدماي أراضي الضفة، وبعد معاوية لن تروني هنا، وربما لن تروني في موريتانيا، لأنها لن تكون مهمة عندي بعد معاوية».

لقد رأيناك يا أيها «المبادر».. لقد رأيناك بعد عشر سنوات من بعد سقوط معاوية وأنت تطلق مبادرة تطالب من خلالها بولاية ثالثة لمن كان قد انقلب على معاوية!!

بعد «المشعشع» جاء الدور على السيد عبدالله السالم ولد أحمدوا، والذي كان فيدرالي حزب الشعب، وفيدرالي الحزب الجمهوري، وهو الآن مستشار رئيس حزب الاتحاد من أجل الجمهورية. لقد قال السيد عبدالله السالم ولد احمدوا حرفيا، وفي الاجتماع المذكور سابقا، وحسب مراسل الوكالة الموريتانية للأنباء في كوركول في ذلك الوقت: «إن معاوية نعمة أنعم الله بها على موريتانيا لانتشالها من الانهيار الذي كان يهددها قبل 12/12/1984 ومن واجب كل فرد من الشعب الموريتاني أن يدعو له بعد صلاته بطول العمر ودوام الصحة، حتى تتحقق سياساته لتنمية موريتانيا وتعزيز استقلالها». يمكنكم الآن أن تسألوا السيد ولد أحمدوا إن كان قد دعا لمعاوية بعد أدائه لصلاة الظهر في يوم الأربعاء الموافق ليوم الثالث من أغسطس من العام 2005 أم أنه كان قد انشغل عن الدعاء بالمشاركة في المسيرات المؤيدة للانقلاب على معاوية؟

أما المبادرة الثالثة، فقد جاءت أيضا من ولاية اترارزة، وكان صاحبها هو أحمدو ولد الياهي. ولقد حدثني معالي السفير والوزير السابق محمد فال ولد بلال، عن صاحب هذه المبادرة، والذي كان قد التقى به ولأول مرة في داكار في حفل غنائي، حيث كان السيد أحمدو ولد الياهي يغني حينها في بعض الحفلات الغنائية.

بعد ذلك اللقاء طلب معالي الوزير السابق من السيد أحمدو ولد الياهي أن يعود معه إلى أرض الوطن، وقد اكتتبه بعد العودة كسائق في وزارة الدولة للتوجيه الوطني، والتي كان السيد محمد فال ولد بلال يعمل بها في ذلك الوقت. بعد انقلاب 1978 تمت إقالة السيد محمد فال ولد بلال من وظيفته، وتم سجنه بعد ذلك، وانقطعت عنه أخبار أحمدو ولد الياهي إلى أن فوجئ به ذات يوم يزوره في مكتبه في الحزب الجمهوري الديمقراطي الاجتماعي في عهد معاوية. وقد أخبره في تلك الزيارة بأنه قد أصبح يمتلك وكالة لتأجير السيارات، وبأنه يريد من الحزب أن يتعاقد مع وكالته كلما كان الحزب بحاجة لإيجار سيارات.

قال رئيس مبادرة مليون توقيع من أجل ولاية ثالثة للرئيس أحمد ولد اياهى إن مصلحة موريتانيا فوق مصلحة الرئيس، وأضاف ولد اياهى أثناء مصافحته للرئيس في واد الناقة السيد الرئيس ما قلته لكم في آخر لقاء بكم في القصر ما زلت  عليه ولا يعنينا رفضك للترشح، نحن نفرضه عليك لأننا نريد مصلحتنا، وكما أنك تسهر على مصالح البلد فنحن أيضا سيادة الرئيس نسهر على مصالحه ومصلحة الوطن في ترشحك من جديد، الرئيس ابتسم  في وجه الرجل وفقا لمصادر 28 نوفمبر/تشرين الثاني بعد قوله «ما قادين فيك السيد الرئيس نحن ندار لا مصلحتنا ومصلحتنا في الولاية الثالثة». صاحب المبادرة الرابعة، كان السالم المين ولد عابد، والذي شاهدتموه على شاشة الموريتانية وهو يدعو من كيدي ماغا إلى تمزيق الدستور والرئيس يبتسم له، وبالطبع فلا يخفى عليكم ما في تلك اللقطة من إهانة للدستور. لقد مزق الدستور شر تمزيق بتلك الابتسامة.

لقد أتيح لي أن أتعرف على السالم المين في العام 2000، ولقد كنتُ أسمع منه ثناء على معاوية يفوق ما سمعت منه يوم أمس من ثناء على ولد عبدالعزيز.

هؤلاء هم الأربعة الذين سارعوا إلى مطالبة الرئيس ولد عبدالعزيز بالترشح لولاية ثالثة. إنهم نفس الأربعة الذين كانوا يتسابقون في الأمس ويتنافسون في التصفيق والتطبيل لمعاوية ولحزبه الحاكم.

وتلكم لقطات من سير هؤلاء المبادرين الأربعة الذين يقودون اليوم موجة عارمة من التصفيق والتطبيل تكاد أن تجرف كل شيء في هذا البلد، وبما في ذلك القسم الذي جاء في المادة التاسعة والعشرين من الدستور الموريتاني.

لن نقبل بأي حال من الأحوال ولاية ثالثة ولو كانت من عمر بن عبدالعزيز، يجب أن تكون هناك خطوط حمراء لا نتخطاها. يجب ان نعود أنفسنا على النظام والتقيد بالقوانين لأن هذا فعلا هو ما نعاني منه: التسيب في كل شيء.

ولم تتحدث المعارضة الموريتانية بعد عن هذه القضية المشغلة للرأي العام سوى أن رئيس حزب اتحاد قوى التقدم والقيادي بمنتدى المعارضة محمد ولد مولود استبعد في تصريح صحافي أمس «أن يقدم الرئيس الحالي محمد ولد عبدالعزيز على تعديل الدستور من أجل تأمين ولاية ثالثة»، لكنه تدارك ليقول «مع ذلك يظل كل شيء واردا».

وأكد ولد مولود «أن المعارضة لن تظل جامدة تتفرج على المشهد دون أي موقف».

وقد حفل مواقع التواصل الاجتماعي بتدوينات وتغريدات تندد بالدعوة لتعديل الدستور من أجل الولاية الثالثة التي عصف التعديل بها ببلدان عديدة حسب تعبيرل مدونين كثر.

*القدس العربي