دعوة لإنصاف الزعيم أحمدو ولد حرمة ولد ببانا

اثنين, 2015-07-06 02:03

بعد مضي تسعة وستين سنة على فوزه في أول انتخابات تشريعية في البلاد (نوفمبر 1946) وبعد مرور ستة وثلاثين سنة على وفاته (يوليو 1979) مازال الزعيم الوطني أحمدو ولد حرمة ولد ببانا يعاني من التجاهل إن لم نقل الظلم والإقصاء في وطنه الذي خدمه وضحى من أجله.

في الوقت الذي تمر فيه ذكرى وفاة هذا الزعيم الوطني وفي وقت يحتاج فيه الوطن إلى زعماء سياسيين يمتلكون خصال الزعيم أحمدو ولد حرمة ولد ببانا، أردت أن أقدم تعريفا مقتضبا به، مبرزا مواقفه وآملا من الطبقة السياسية إنصافه وتقديره التقدير المناسب حرصا على استقرار هذا البلد الذي تهدده العواصف والزوابع التي فككت أكثر من دولة.. وكما قيل فالدولة تستقيم على الكفر ولا تستقيم على الظلم.

ولد السيد / أحمدو ولد حرمة في سنة 1907 م (1325هـ) بمنطقة العقل بالجنوب الموريتاني، ونشأ يتيما، ولقد كان لليتامى دور مشهود في تاريخ الأمة فالمصطفى عليه الصلاة والسلام نشأ يتيما.. 

تربى أحمدو في أسرة كريمة المحتد عريقة في محيطها اشتهرت بالكشف والصلاح.

قرأ القرآن الكريم وأخذ قسطا من العلوم المحظرية قبل أن يتوجه بمبادرته الذاتية أو بسبب يتمه إلى المدرسة الفرنسية في بتلميت وكانت تسمى "مدرسة الأعيان" وذلك في وقت كان السكان –خاصة في محيطه- ينفرون من مدرسة المستعمر نفورا شديدا.. تخرج من هذه المدرسة سنة 1933 ودخل العمل على الفور كمعلم أولا ثم كمترجم.. ومارس العمل في كل من امبود، وانواكشوط، وأطار، وبير أم اكرين، اكجوجت، وانواذيبو، وخلف سمعة طيبة لاهتمامه بشؤون مواطنيه ولما يتحلى به من وطنية وشجاعة.

اصطدم بالقادة العسكريين والإداريين الفرنسيين عدة مرات بسبب أمور تتعلق بالأخلاق الإسلامية، لذلك انعقد له مجلس تأديب في دكار، ليطلع في تلك الأثناء على مقتضيات دستور الجمهورية الرابعة الذي يسمح للأفارقة بحق المواطنة والتصويت والتمثيل في المؤسسات السياسية، فبادر إلى ترشيح نفسه للانتخابات التشريعية التي جرت في الـ 10 نوفمبر 1946.. وقد فاز فيها على منافسه الرئيسي (ايفون رازاك) بأغلبية 63% من الأصوات المعبر عنها.

وتمكن خلال فترته النيابية من إلغاء بعض الإجراءات الاستعمارية المجحفة بالسكان مثل : العمل القسري، وضريبة الشخص، والضيافة الإجبارية للجنود والتسخير بكل أشكاله.

ووقف في البرلمان الفرنسي ضد تقسيم فلسطين وهدد فرنسا بأنها إذا لم تتخل عن مساعدة الصهاينة فسيعود إلى موريتانيا ويعلن منها الجهاد في سبيل الله.

ركز نشاطه السياسي على مساعدة السكان وبث روح الوعي من أجل الخروج من ربقة الاستعمار لذلك اعتبر الفرنسيون أنه ليس رجلهم المناسب وسعوا إلى التخلص منه.. وتشكل أول حزب سياسي في البلاد في فبراير 1948 هو "الاتحاد التقدمي الموريتاني" الذي اعتبر حينها تحالفا بين الوجهاء وخريجي المدارس الفرنسية ضد أحمدو ولد حرمة الذي أسس في يونيو 1950 "حزب التفاهم الموريتاني" 

 خاض الانتخابات التشريعية التي جرت في 17 يونيو 1951 ليخسرها بفارق طفيف (1125 صوتا) لصالح منافسه سيدي المختار انجاي.. وطعن أحمدو في هذه الانتخابات واعتبرها مزورة، وهو ما اعترف به الإداري الفرنسي غابرييل أفرال في كتابه "طبل الصحراء"، ولكن ذلك لم يمنع أحمدو من خوض الانتخابات التشريعية التي جرت في الـ 2 يناير 1956.. وفار فيها مرة أخرى سيدي المختار انجاي بنسبة 58%.

وأمام المضايقات التي تعرض لها والتي بلغت حد اغتيال بعض رفاقه وإحساسه بالتهديد، قرر الهجرة إلى حيث يجد من يدعمه في رحيل المستعمر من البلاد.. وفي الـ 27 يونيو 1956 أعلنت جريدة "لموند" وصول أحمدو ولد حرمة للقاهرة حيث أكد له الرئيس جمال عبد الناصر دعمه في الكفاح الذي يخوضه وفتح مكتب موريتانيا في نطاق لجنة تحرير المغرب العربي.

وبعد أشهر توجه إلى المملكة المغربية ليخوض منها الكفاح المسلح ولقي الترحيب والاحتضان من الملك المغربي محمد الخامس وكون جيش التحرير الخاص بموريتانيا وخاض عدة عمليات عسكرية لم تتوقف سنة 1960 لأنه اعتبر إعلان الاستقلال مجرد خدعة، فالاتفاقيات التي وقعت مع فرنسا تفرغ الاستقلال من محتواه.. حكم عليه بالإعدام مرتين أولاهما في سنة 1958 والثانية في سنة 1962.

وفي سنة 1965 حينما تأكد من خروج آخر جندي فرنسي من موريتانيا أعلن اعتزاله للسياسة وتفرغه للدعوة إلى الله حيث هاجر إلى السعودية التي بقي فيها من 1967 وإلى 1974 كمستشار لرئيس رابطة العالم الإسلامي، حيث كان يعد برنامجا إذاعيا باللغة الفرنسية موجها إلى إفريقيا، كما قام بعدة مهمات منها تعليم الرئيس الغابوني عمر بونغو مبادئ الإسلام.

عاد إلى موريتانيا سنة 1974 بعد أن صدر عفو عنه في فرنسا وكذلك في موريتانيا.

واستقر في انواكشوط مع أسرته الكريمة.

عرف السيد/ أحمدو ولد حرمة بتمسكه بشرع الله وشجاعته وبأخلاقه الفاضلة..

هذا الزعيم ظلمه المستعمر الفرنسي لأنه سعى إلى رفع الظلم عن مواطنيه، فشكل تحالفا من الوجهاء ضده وزور الانتخابات لصالح خصمه، ليحرمه من أن يكون أول رئيس لموريتانيا كما هو حال زملائه نواب افريقيا الغربية بالجمعية الوطنية الفرنسية في الأربعينيات مثل: هوفوت بونيي، وليبولد سدار سينغور وغيرهم.

واضطر للكفاح المسلح من أجل التعجيل برحيل المستعمر واجتمع تحت إمرته (7000) شاب موريتاني وقاموا بعدة عمليات عسكرية استهدفت الفرنسيين في موريتانيا 

و طبيعي أن يتخذ المستعمر موقفا عدائيا من الزعيم أحمدو ولد حرمة لكن من غير المنطقي أن تستمر أنظمة الحكم بعد الاستقلال في هذا الموقف، وهو ما تجلى في منعه 14 سنة من دخول بلاده وذلك في عهد الاستقلال وحرمانه من أية امتيازات في دولته باعتباره أول برلماني موريتاني وباعتباره زعيما وطنيا كافح من أجل التخلص من المستعمر فلا يوجد شارع في انواكشوط باسم أحمدو ولد حرمة ولا يوجد نص في كتاب مدرسي حول أحمدو ولد حرمة وقد امتنعت الإذاعة الوطنية من إعلان وفاته في سنة 1979 وصادرت التلفزة الموريتانية منذ أشهر فقط برنامجا عن حياة هذا الزعيم الوطني وتلك مجرد أمثلة.

والذين يدعمون الاتجاه المناهض للزعيم الوطني أحمدو ولد حرمة يتذرعون بأنه كان ضد استقلال البلاد لأنه دعم انضمام موريتانيا للمغرب أولا يدرك هؤلاء أن الزعماء الذين تشكلت منهم حكومة الاستقلال هم الذين دعموا في استفتاء 1958 بقاء موريتانيا مستعمرة فرنسية بدل استقلالها ؟! وشتان ما بين فرنسا والمغرب..

أولا يدرك هؤلاء أن أحمدو ولد حرمة كان يسعى أولا إلى رحيل المستعمر مهما كلف من التضحيات ثم إنه كان يدرك أننا لا نملك مقومات دولة بسبب إهمال الاستعمار لبلادنا لذلك من الأفضل الانضمام إلى المغرب التي كانت ولا تزال امتدادنا الحضاري ونحن امتدادها وتشكلت فيها دولة عريقة منذ قرون.

واليوم وفي ظل ما نشهده من تفكك وانهيار للدول في عالمنا العربي فإن كل غيور على مستقبل هذه البلاد يدرك أن من أهم ما نحتمي به من هذه الفتن هو أننا نسعى إلى قيام اتحاد بيننا مع المغرب (وليس غيره) على أن تنضم له السنغال ومالي.

ليس هناك ما يعرقل قيام مثل هذا الاتحاد عكسا لاتحاد المغرب العربي وهو بدون شك سيشكل درعا لنا من الفتن وسبيلا إلى حل مشاكلنا التنموية المختلفة.

ولله در الزعيم أحمدو ولد حرمة ولد ببانا فقد رأى ببصيرته الثاقبة وحسه السياسي المرهف وصلاحه وكشفه أن مصلحة هذه البلاد هي في اشتراكها في اتحاد مع المغرب وهو ما تدعمه حقائق التاريخ والجغرافيا.. 

يا ليتنا ننظر بواقعية إلى الأخطار المحدقة بنا ونتحرك بسرعة لدفعها ويا ليتنا نعيد الاعتبار إلى هذا الزعيم الوطني ونستلهم من مواقفه ما فيه الخير لبلادنا والعزة والكرامة لشعبنا.

 

محمد الحافظ ولد محم

يوليو 2015