ابن بيه: إيقاع التطرف أسرع من تحركات العلماء

ثلاثاء, 2015-08-11 10:08

وصف الشيخ عبدالله بن بيه ما يجتاح الدول الإسلامية من عمليات قتل وتفجير بـ"الجنون المفرط"، مرجعاً ذلك إلى تراكمات تاريخية وذاكرة انتقائية حادة باتت تختزل التاريخ والدين بإخراج الأحاديث النبوية والآيات القرآنية من سياقها.

واعترف ابن بيه، رئيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات الإسلامية ومركزه أبوظبي، خلال حوار خاص مع "العربية.نت" في منزله بمدينة جدة غرب السعودية، بأن دور العلماء ورجال الدين لم يتمكن حتى اليوم من مواكبة تدفق الجانب الآخر الذي يسعى إلى التطرف وإشعال الحروب قائلاً: "لا يعني ذلك سلبية العلماء"، وإنما إيقاع التطرف أسرع من تحرك العلماء.

من جهة أخرى، انتقد الدور الذي لعبه الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي في إشعال الفتن الطائفية وأعمال العنف التي تقوم بها الجماعات المتطرفة، معتبراً "تويتر" إحدى أعظم "البلايا والرزايا" التي وقعت بالدول الإسلامية والعربية والتي يجب أن "تتوقف".

ورفض ابن بيه الجمع بين موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" وبين مفهوم "الحرية" قائلاً "الحرية لمن؟ للموتى أم للأحياء؟ لا بد ألا نفكر بهذه المسألة. الناس يموتون، يجب ألا نفكر بأي شيء يؤدي إلى موت الناس".

وبشأن الاختلافات بين العلماء أنفسهم في عدد من القضايا والرؤى التأصيلية لمسائل شرعية قال ابن بيه "حتى اليوم ليس هناك خطاب موحد لكل علماء المسلمين، إلا أن هناك توجهاً في اعتماد منهج السلم مهما كانت الاختلافات والمظالم، والتي يجب أن توضع جانباً لدفع العامة نحو السلام".

كما اعترف بالانتقائية الحاصلة من بعض العلماء في مواجهة أيدولوجيا التطرف، وذلك عبر استنكار أفعال تنظيم "داعش" دون التطرق للجماعات الأخرى كجبهة "النصرة" فرع تنظيم القاعدة في سوريا، مضيفاً "نحن لا نتعامل مع اليافطات والعناوين، وإنما مع الأعمال، وذلك بمدى سلوكه سبيل السلام ورفع سيفه عن الناس".

وأوضح أن "هناك مشكلة في المفاهيم المتعلقة بالجهاد والخلافة والحكم ومفهوم الدولة الوطنية، فالكثير من هذه المنظمات لها نزعتها الماضوية واجترار التاريخ في ظروف مختلفة بهدف إلغاء الشرعية عن الدولة الوطنية".

وشدد على أن محاربة الناس من أجل مسمى "الخلافة" أمر "غير صائب"، مضيفا أن مسألة الخلافة لا تعد من العقائد، وإنما من الفروع الفقهية. وقال ابن بيه إن "حرق المنطقة مع وجود دول وحكومات مستقرة تقوم بما يساهم في صلاح الناس دينهم وآخرتهم ليس من الحق".

وأكد عدم إمكانية قيام خلافة بالطريقة ذاتها التي تتبعها الجماعات المتطرفة والأحزاب الدينية، وقال "لا يمكن إقامة خلافة بالطريقة التي يتصورونها وليس مطلوباً ذلك"، معتبراً منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية إضافة إلى مجلس التعاون الخليجي جميعها صوراً إسلامية صحيحة لتعاون المسلمين بغض النظر عن نوع الحكم إن كان ملكياً أو دستورياً .

وطالب الشيخ عبدالله بن بيه العلماء جميعاً بالاتفاق على كلمة واحدة وهي "ترك السلاح" والتوجه إلى البناء، معتبراً كافة أعمال العنف التي من بينها ما يطال مصر "أعمال عنف غير جائزة وغير مجدية وعبثية، وستؤخر النهوض بالأوطان، ولن ترد حقاً لمن يدعي أن له الحق"، مضيفاً أن كل من يحرض على الاختلالات الأمنية خارج عن "المنهج الصحيح".

وبخصوص أسباب استقالته من اتحاد علماء المسلمين، وسط موجة الثورات العربية، والذي تشارك رئاسته حينها مع د. يوسف القرضاوي، قال عبدالله بن بيه: "قلت في ذلك الوقت إنني أرغب بالتوجه للمصالحات، وفضلت أن أسكت، وأرغب أن أبقى كذلك صامتاً"، مضيفاً "أختلف مع بعض العلماء أحياناً، وهذا لا يعد مشكلة، إلا أنه يجب ألا تصل المسائل إلى القدح في جوانب دينية أو تبادل الشتائم".

ولم يشأ ابن بيه التعليق على امتداحه للداعية القرضاوي في حديث سابق ووصفه بكونه "جبل على ذروته نافذة ضوء" قائلاً: "أنا لن أحاكم أي شخص، ولست مستعدا للكلام عن هذا"، مكتفياً بالقول "من أخطأ عليه أن يرجع إلى الصواب".

واعتبر أن "اقتحام العلماء للمعارك السياسية أدى إلى التأثير على مصداقيتهم"، مضيفاً أن الشباب بالعادة هم من يبحثون ويرغبون بمثل هذه المعارك والصراخ الذي ينعكس في نهاية المطاف على مصداقية العلماء أنفسهم.

وبشأن محاولة أصحاب تيارات الإسلام السياسي ترويج أنفسهم كبديل معتدل بغرض تحقيق مكاسب سياسية، قال ابن بيه: "هذه مشكلة. يجب ألا يكون العلماء بديلا. يجب أن تقتصر مطالبهم على الاتحاد والتعاون مع كافة الطبقات والفئات المجتمعية".

في الوقت ذاته انتقد ابن بيه مسألة عدم الانتماء للأوطان قائلاً: "لا يمكن أن تكون في وطن وتدين بالولاء لوطن آخر، لا يمكن أن تدار مجموعات في دولة من طرف وشخصيات خارجية، وعلى علماء السنة والشيعة إدراك ذلك".

من جهة أخرى، أفاد عبدالله بن بيه أن زيارته إلى واشنطن في 2013 والتي كانت قبيل تقدمه باستقالته من اتحاد علماء المسلمين ولقائه بمسؤولين أميركيين ومستشارين للرئيس باراك أوباما إنما جاءت بعد إلقائه محاضرة في جامعة جورج تاون، وكذلك تقديراً لتاريخه السياسي كوزير سابق ورئيس أسبق لأحد الأحزاب بموريتانيا وعضو في مجامع فقهية متعددة.

وفيما يتعلق بإحاطة الرئيس أوباما من قبل مستشارين منتمين لفكر وجماعة الإخوان المسلمين قال ابن بيه: "أنا أعرف هؤلاء المستشارين وهم أصدقائي، ولا أحسب أنهم من أي حزب، فكما أنني لست حزبيا فلا أنقب عنهم، وألتقي معهم في جوانب".

بدأ ابن بيه حياته معلماً في إحدى المدارس بشرق موريتانيا، ثم سافر بعد ذلك في بعثة إلى تونس لتكوين أول دفعة من القضاة، وحصل على المركز الأول بين المبتعثين.

بعد عودته، تنقل في عدة مناصب، منها رئيس لمصلحة الشريعة في وزارة العدل، ثم نائبا لرئيس محكمة الاستئناف، ثم نائبا لرئيس المحكمة العليا ورئيسا لقسم الشريعة الإسلامية بهذه المحكمة.

ثم عين مفوضا ساميا للشؤون الدينية برئاسة الجمهورية، حيث اقترح إنشاء وزارة للشؤون الإسلامية، وكان أول وزير لها، ثم وزيرا للتعليم الأساسي والشؤون الدينية، ثم أصبح وزيرا للعدل والتشريع وحافظا للخواتم، ثم تولى منصب وزير المصادر البشرية برتبة نائب رئيس الوزراء، ثم وزيرا للتوجيه الوطني والمنظمات الحزبية والتي كانت تضم وزارات الإعلام والثقافة والشباب والرياضة والبريد والبرق والشؤون الإسلامية، وأمينا دائما لحزب الشعب الموريتاني الحاكم الذي كان عضواً في مكتبه السياسي ولجنته الدائمة من عام 1970-1978.