الودع: "نبي" الموريتانيات غير المعصوم

خميس, 2015-08-20 01:32

 "كشف" عن حالات خيانة  زوجية.. وأدى إلى "خناقات".. ويلعب أحيانا دور شرطة التحقيق

تجلس فاطمة في زاوية من محلها التجاري؛ لبيع المستلزمات النسائية في قلب مقاطعة لكصر العتيقة، بالعاصمة الموريتانية نواكشوط، وقد تحلقت من حولها نساء، غالبيتهن من العوانس اللواتي تخطاهن قطار الزواج أو كاد، ورغم ذلك ما زلن يرابطن في محطات توقف القطار، منتظرات نزول فارس الأحلام، وبعضهن من المطلقات الباحثات عن فرصة أخرى.

فاطمة، المعروفة بصدق التوقعات الآتية من عالم الغيب بين نساء الحارة، تقلب "ودعها"، مشيرة بين الفينة والأخرى إلى إحداهن: "الصيدة ردي الاخبار.. انت لاهي اجوك الخطابة"، أو تهمس لأخرى: "يتخمم فيك اطفل ول الناس المعلومين".. و"نبوءات" أخرى على هذه الشاكلة.

"الودع" أصداف قواقع بحرية، تلعب دور السفير مع المغيبات، تجيد عديد النساء الموريتانيات، استنطاقه؛ مجيبا على مختلف التساؤلات في شتى الميادين، تارة تتراكب منه اثنتان فيكون الأمر متعلقا بزفاف، فترتفع الزغاريد، كاسرة الهدوء الذي يلف ليل الحي القديم، أو تتجه أربع منه في اتجاه إحدى النسوة، وحينها فإن "طية" رزمة أوراق نقدية ستكون من نصيبها قريبا، فتتعالى التعليقات "اخوديجة لا تنساين"، أو تسلك إحدى الودعات  سبيلا غير سبيل شقيقاتها، فتعلق فاطمة، وإصبعها في اتجاه إحداهن: "صد عنك باس اسويقيطُ الرقيقة من فوق والغليظة من تحت"، أو تعلق فاطمة بعد رمية أخرى "أنت مقفول راصك في امرده".

تعتبر "نبوءات" الودع؛ حقائق لا يرقى إليها الشك، عند عديد من نساء ورجال موريتانيا، بمختلف طبقاتهم الاجتماعية والاقتصادية، إليه يلجأ عند فشل الشرطة في تعقب عصابات اللصوص، فيلعب دور شرطي التحقيقات، وأحيانا يكون وسيلة اكتشاف خيوط خيانة زوجية مستعصية.

قبل أشهر اندلع نزاع عنيف في مقاطعة عرفات بين زوجين، تطور لعراك بالأيدي بينهما، مدعومين بذوي كل منهما، مما استدعى تدخل الشرطة.

بداية القصة اتهام موجه من أم الزوج وأخته، للزوجة بأنها على علاقة غير شرعية مع شاب، سردن مواصفاته، قائلتين إنها تلتقيه في الشارع وأحيانا عند إحدى صديقاتها المتمالئات معها على "الضحك على ذقن" الزوج المسكين، الذي اتضح أنه "آخر من يعلم"، كما في المسلسل المصري الشهير.

الزوج بعد "البلاغات" المتواترة له عن زوجته من طرف "المخابرات الأسرية"، المتمثلة في والدته وأخته، لم يجد بدا من مواجهة أم العيال بالتهمة، فنفتها جملة وتفصيلا؛ مؤكدة أنها لا تعدو عداء "لنسابات" التاريخي لزوجات ذويهن.

غير أن اتهامات الأم والأخت؛ لم تزل تصك طبلة أذن بطل القصة، فبحث عن حل يبرئ ساحة أم العيال، وهنا اقترحت سيادتها، اللجوء إلى "كزانة" شهيرة، في تكرار لسيناريو "الباحث عن حتفه بظلفه".

النهاية الدراماتيكية كانت بيد الكزانة، التي قالت إن السيدة التي "كميت" لها (خبئت) تخون زوجها مع رجل من مواصفاته كذا وكذا.. ولم تتخلف صفة من الصفات التي تحدثت عنها السيدتان، فبدأت المعركة، التي تخللها سباب وإمساك بشعر الزوجة، وتَدخـُل قريبات لها من أجل تعديل ميزان القوى.. ليصبح لزاما على الشرطة أن تتدخل، وتجلي الجميع إلى المفوضية القريبة.

تعترف فاطمة أن لـ"ودعها" علاقة بالشياطين، فهو "يكذب" في الاوقات التي يتجه فيها الناس إلى الله، (أوقات الصلوات)، لأن  الشياطين تفر من الأذان، و"يصدق" في الأوقات الأخرى، ومن أجل ذلك فإن الحمام هو سرير النوم المفضل للودع المدلل، لأنه يغيب فيه ذكر الله على حد تعبيرها.

ويقول علماء دين إنه لا يجوز اللجوء إلى "الكزانة"، باعتبارها "نوعا من تصديق الكهان"،مستشهدين بالحديث الشهير "من أتى عرافا فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوما".

"موريتانيا اليوم "