ملاحظات أوردتها التظاهرات "ج 1"/ للصحافي محمد حامدو كانتى

سبت, 2014-07-12 16:58

تناقضات كثيرة بادية للمتأمل - صدقا- في المشهد الموريتاني العام، فكل تظاهرة أو مسيرة أو حركة في هذا البلد، تحمل مجموعة من التناقضات تصب جميعها في اتجاه واحد، ومهما كانت قوة الواقف خلفها والذي يعتمد عليه المتظاهرون أو السائرون حين يهتفون احتجاجا.. ونود أن نلفت عناية فرسان الكواليس هؤلاء إلى أنه مهما بلغت قوتهم فإن هناك دائما نقطة ضعف للقوي، يقول نتشه، أيضا في ثقافتنا يؤتى الحذر من مأمنه..
 
مؤخرا سيرت مظاهرة يرى المشاركون فيها ومن تعاطف معهم أنها تنشد قضية عادلة تسعى للتذكير بما قالت إنها جريمة ارتكبت فيما مضى، وقد قضى الجاني والمجني عليه.. وقبيل تلك المسيرة سيرت أخرى ولا تختلف كثيرا عن لاحقتها هي أيضا تهدف إلى التذكير بجريمة إنسانية حصلت في الماضي القريب.. احتجاجات مضت وأخرى ستأتي لاحقا، مجتمعات أخرى بالمقابل تتحدث عن جرائم من هذا القبيل..
الحصيلة حتى الآن، جرحى ومعتقلون وحتى حالات وفاة إضافة إلى عدم الاستقرار، وبالطبع لا تتقدم عجلة التنمية قيد أنملة، وينشغل من يفترض فيهم قيادة البلاد في التنظير والجدل العقيم والتباهي بماض قضى، فيعيشون على الذكرى ويهينون وفي أخيلتهم يعيشون، وفي آخر المطاف لا يحصل الشعب على فائدة تذكر ولا تعمل الحكومات لتشكر رغم الثناء والحديث عن الإنجاز.. هراء..
إن تلك المسيرات تشترك في معظم الشعارات، كالوحدة الوطنية والعدالة الإجتماعية والمساواة وتحسين الظروف المعيشية، والتعليم والصحة وأشياء أخرى.. وهنا للمتأمل أن يتساءل، كيف يمكن لعرقية أو فئوية أن تسعى لتوحيد نوعها –المندمج أصلا في مجتمع مسلم- ثم تطلق عليه اسما فئويا مميزا، كالحراطين أو لمعلمين أو الفلان أو غير ذلك، ثم تحمل شعار إثارة النعرات من خلال التذكير بخطأ أو جرم ارتكبه سلف فئة ضد سلف أخرى، استعطافا، ثم تطلب شيئا خاصا لفئتها دون الفئات الأخرى، وعقب ذلك تؤكد حرصها حفاظا على الوحدة الوطنية.. وإني أتساءل بأية لغة يتحدث هؤلاء، والله إنها لهرطقة غير مفهومة.. لذلك سأبدي بعض الملاحظات..
الملاحظة الأولى: المجتمعات تدرس التاريخ لتتفادى بعض الأخطاء تأسيسا لبناء جديد أكثر متانة، فلا تعمد تعقلا إلى محاسبة الأموات، وكذلك لا يجوز في شرعنا أن نحاسب خلفا على جرم ارتكبه سلفه – ولاتزر وازرة وزر أخرى- في المقابل لا ينبغي الاعتقاد بأنه على خلف أن يرث وهنا أصاب سلفه، فتلك الأيام دول بين الناس، ثم إن أمر الحساب والعقاب في أشياء حصلت في الماضي وقضى أصحابها يعود إلى رب العباد..
 
الملاحظة الثانية: لا يمكن تحقيق المساواة من خلال دعوة عرقية أو فئوية، ولا اذكر أن التاريخ ذكر مرة أن فئة أو عرقا وحد مجتمعات وحقق مساواة، ليؤسس دولة أو حقق وحدة..
 
الملاحظة الثالثة: إن استعطاف الناس من خلال دعوة فئوية تنشد إثبات سوء فئة أخرى، أمر يستدعي الانتقام أو القصاص أو على الأقل خلق انطباع سيئ عن الفئة، ومن المعروف لدى الفيزيائيين أن كل فعل يستدعي ردة فعل، فلا أحد سيقبل أن يوصف بالسيئ ولن يتقبل بسهولة أن يتحمل مسؤولية وضع يقع فيه آخر، إذن ليست هذه الحالة سبيلا إلى تحقيق الوحدة الوطنية..
 
الملاحظة الرابعة: الأمر برمته يفترض الاحتكام إلى مجتمعات أو حكومات الدول الأخرى، وهذه منها العدوة ومنها في أحسن الأحوال خادمة مصالحها، إضافة إلى اختلاف العقائد والديانات والفهم و حتى البيئة الإجتماعية..
 
الملاحظة الخامسة: إن قانونا واضعوه بشر مهما بلغت قدراتهم الذهنية والمعرفية لا يمكن بل من المستحيل أن يحقق عدالة شاملة، أو صالحة لكل المجتمعات، لأنه وببساطة هناك عوامل هي التي صنعت وتؤثر على واضعي القانون كالعرق والبيئة والميول والعقيدة والمفاهيم والمصالح الخاصة طبعا، إذن تلك القوانين والمواثيق الدولية لن تفي بالغرض، نطرحها جانبا..
 
الملاحظة السادسة: إن المنظمات والتجمعات الفئوية والعرقية، لاتخدم في حقيقتها إلا مؤسسيها الطامعين في الشهرة أو دريهمات يكسبونها من الساسة المختلفون أصلا، حيث يمتطونها كلما دعت تصفية الحسابات إلى ذلك، ويحركونها كلما دعت ضرورات الصراع السياسي الطامح إلى السلطة، كما تمتطيها الحكومات كلما أرادت تلميع نفسها أو إبراز إنسانيتها.. ومن ابسط الأدلة على ذلك طلبات الدعم المادي المقدمة من المنظمات والتجمعات المذكورة إلى مختلف المؤسسات الوطنية والدولية على حد سواء.. الملاحظة السابعة: في شرعنا إذا ارتكب فلان جريمة في حق علان، تعقد جلسة القضاء ثم تثبت الجريمة فتطبق العقوبة، إذن يحصل فلان على جزاءه ويستعيد علان حقه، ثم ترفع الجلسة.
 
والسؤال المطروح هنا، هو: هل من المنطقي والمقبول أن يطالب ابن علان بمقاضاة ابن فلان بتهمة آثار جريمة فلان، وبعد ذلك يتحدث ابن علان عن مصالحة وطنية أو وحدة وطنية، هذا أمر دبر بليل ويحتاج إلى اجتهاد ذوي الأبصار..
 
الملاحظة الثامنة: نحن مجتمع مسلم، ومن المفترض أننا نعبد الله ونقيم أركان الإسلام الخمس ونعتمد في أسلوب تعايشنا على قوانين وضعها خالقنا وأبلغها وطبقها رسوله الحبيب عليه الصلاة والسلام، ومن خلفه بإحسان، ومن البداهة أن خالق البشر أدرى بمصالحه، فإذا كان الأمر هكذا فليس هناك إذن مجال للظلم ولا للغبن ولا للتمايز، فالناس عند رب الناس سواسية..فإن لم يكن هذا هو حال مجتمعنا فالعلة فينا، فإذا كان كذلك، فليس الحل في دعوة فئة منا تميز نفسها ثم تخرج إلى الشارع هاتفة ضد أختها، وإنما الحل في عودتنا جميعا دون استثناء إلى قوانين خالقنا فنضبط أسلوب تعايشنا من جديد تماما كما بين رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام، وليس الأمر صعبا على ما أظن..
 
يتبع
نواكشوط، الأربعاء، بتاريخ 30 من ابريل سنة 2014
للصحافي محمد حامدو كانتى