موريتانيا: جدل بين الإخوان وخصومهم بعد هجوم «الشنقيطي» على «الشيخ بيه»

أحد, 2015-10-04 01:44

إنتقد تقديمه «السلم على الحقوق» وأكد أن خطابه في نيويورك «بلاهة سياسية»

أثارت تغريدات وجه فيها الدكتور محمد مختار الشنقيطي، وهو باحث موريتاني محسوب على الإخوان يعمل أستاذا في كلية قطر للدراسات الإسلامية، في الدوحة أمس انتقادات لاذعة لمضامين الخطاب الذي ألقاه العلامة الموريتاني الشهير الشيخ عبد الله بن بيه الثلاثاء الأخير أمام زعماء العالم في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، جدلا كبيرا بين أنصار الشنقيطي حركيو الإخوان المسلمين وأنصار الشيخ الذين هم في الغالب معادون فكريا للإخوان.

فقد أشعل الشنقيطي، وهو باحث مهتم بالفقه السياسي والتاريخ السياسي والعلاقات بين العالم الإسلامي والغرب، دهاليز شبكات التواصل بتعليقاته المنتقدة بالتحديد لفقرة في خطاب الشيخ بيه يقول الشيخ بيه فيها «علينا أن نتعاون لأن السفينة تغرق والبيت يحترق، نحن اليوم نحاول إنقاذ السفينة كما أشار إليه الحديث النبوي ونحن نحاول إطفاء الحريق الذي اشتعل في البيت فنحن إطفائيون إنقاذيون، ليست لدينا سفينة نوح، فعلينا أن نتضامن جميعاً وأن تتكامل أدوارنا طبقاً لمستوياتنا ووظائفنا.
رجال الدين وظيفتهم إطفاء الحريق في القلوب والنفوس، الإطفائي لا يسأل عن لم؟ وإنما يسأل عن كيف؟، لذا أعلنا في منتدى تعزيز السلم عن تقديم كيف على لماذا، و معنى ذلك أن قضية السلم لها الأولوية على قضية الحقوق؛ هنا أختلف مع كانت الذي يرى الأسبقية للعدالة وأؤيد توماس هوبز الذي يرى تقديم السلم».
على هذه الفقرة علق مختار الشنقيطي بقوله «سنترك الطغاة جانبا، ونتحدث عن الغلاة»: انشغال بالعرَض عن المرض!!»، وأضاف في تغريدة أخرى معلقا على فقرة أخرى من الخطاب «المسلمون يتعرضون للإبادة كل يوم، والشيخ بن بيه مشغول بإقناع العالم أن الإسلام «لا يمارس الإبادة»!. بلاهة سياسية».
وواصل الذي يتابعه الآلاف عبر العالم قائلا في الهجوم ذاته «لا تقدِّر الفقيه بعلمه الشرعي بل بموقفه الشرعي.. خصوصا حين يقدمه (بايدن) في «قمة الأمم المتحدة لمكافحة التطرف».
هذه التغريدات أثارت غضب الكثيرين الذين هاجموا الشنقيطي عبر تدوينات وتغريدات لم تتوقف لحد ظهر يوم أمس.
وقد علق سيدي محمد ابه وهو إعلامي مناصر للعقيد معمر القذافي ومعاد للإخوان قائلا «الشنقيطي يهاجم ولد بيه، بعد أن أباح هو نفسه دم القذافي وشمت في موت البوطي، ودعا الشعوب الإسلامية في دول «الربيع» لمزيد من الاقتتال… هذا الأشر يستحق الركل على القفا فمثله لا يفهم لغة أخرى».
ومع أن مختار الشنقيطي المحسوب على الإخوان لم يدخل في المعركة بعد نشر تغريداته فقد تولى عنه الصحافي الكاتب والقيادي الإخواني البارز أحمدو الوديعة إكمال المهمة حيث دافع عنه وواصل بطريقته الخاصة الهجوم على الشيخ بيه ومقارعة مهاجمي الشنقيطي. 
‏وحدد الفرق بين مدرستي بيه والشنقيطي فكتب «يعجبني في الشيخ عبدالله بن بيه والدكتور محمد المختار الشنقيطي انسجام قناعتهما العلمية مع ممارساتهما العملية: فالشيخ بن بيه ينظر فقهيا ومقاصديا لموالاة الحاكم أيا يكن وقد عض على ذلك بالنواجذ منذ منذ نعومة أظافره أيام حزب الشعب وحتى اليوم، والدكتور الشنقيطي ينظر في فقهه السياسي ومقالاته الفكرية للثورة على الاستبداد ومقارعة الطغيان وعلى هذا النهج عرفناه منذ أيام ولد الطايع حتى الآن.
إنها خصلة مهمة يجتمع فيها الشيخ والدكتور يستحقان بها احتراما على احترامهم، أليس كذلك…؟».
وهوجم الشيخ عبد الله كذلك ضمن هذا الجدل من طرف المدون سالم أبو الشيخ ابيه «ماعرفناه في الاثنين (الشيخ بيه والشنقيطي) أن ابن بيه ليس مناصرا للطغاة فحسب، بل مشاركا في قتل المسلمين بمسايرته للطغاة وسكوته على سفكهم لدماء المسلمين وأحيانا يبرر.. اتركونا من علماء السلاطين فقد سمعنا ورأينا الشيخ بيه يناصر الطغاة ويعين على قتل المسلمين».
لكن أحمد الوديعة عاد ليهاجم الشيخ بيه قائلا «‏اختزال رسالة الاسلام في إطفاء حرائق أغلبها ناجم عن ظلم قوى الاستكبار العالمي وممثلياتها المحلية أمر في غاية الغرابة وخصوصا حين يصدر عن شخصية بعلم وفقه وفهم الشيخ عبدالله بن بيه».
رد المدون محمد السالك محمد على الوديعة بقوله»..واختزال الاسلام في توسيع دائرة الحرائق لن يفيد ولن يستفيد منه إلا أعداء الأمة، فلم الشمل اليوم أفضل من التفرج على أمة تدمر تحت شعار «نحن أو الدمار». 
ورد المدون سيدينا ولد الهادي قائلا «ما الذي يستطيع ولد بيه أن يُقدمه غير النصح للأمة وللمسلمين والمطالبة بوقف هذا النزيف، وفي المقابل ما الذي فعله علماء الثورة غير التحريض على القتل والتوراي خلف القصور والفراش الوثير».
وتابع الصحافي الوديعة هجومه قائلا «قدم الشيخ عبدالله بن بيه نفسه والمنتدى الذي يقود بأنهم جماعة إطفاء حرائق، ومع أن صاحب الفضيلة عارف بما يجري لدينا هنا فلا بأس أن نجدد له العلم بأن لدينا هنا الكثير من الحرائق التي لم تحظ يوما بزخة واحدة من مياه الإطفاء رغم علم الشيخ بها ومعايشته لها عن قرب، لدينا حريق عبودية مشتعل حرق ويحرق أعدادا كبيرة من المجتمع وحرق ويحرق التعايش والسكينة بين الناس، فليس من الممكن تصور سلم بين جلاد وضحية».
«يبدو أني سأضطر، يضيف الكاتب، لوقف هذا البلاغ فجهاز الإطفاء الإماراتي يشترط لتقديم الخدمة أن لا تكون فيها شبهة استبداد، فحديث الاستبداد مطروح جانبا وإن لا تروم تحقيق العدل فحكاية العدل مؤجلة وبلاغ العبودية مزعج للاستبداد متشوق للحرية والعدل، إنها شكوى مرفوضة من حيث الشكل أصلا».
وتابع يقول منتقدا مدرسة الشيخ بيه «‏في القدس حريق يا سادة الإطفاء، كان يستحق منكم على الأقل تسجيل العلم به أمام محفل السلام العالمي فأنتم رسل سلام والقدس مدينة السلام».
وقال في تدوينة أخرى «‏نحتاج أن يفهمنا الشيخ بن بيه وجماعة السلم الإماراتية معهم كيف يمكن لهم إطفاء الحرائق مع وضع الحديث عن الاستبداد جانبا وتحييد العدل عن سلم الأولويات والسير في ركاب مشعلي الحرائق متعددي الجنسيات. ساعدونا على الفهم يا جماعة الإطفاء».
ورد المدون المختار اباه بقوة عن الشيخ عبد الله بيه قائلا «بيه أعلم بمقاصد الشرع ومصالح الأمة، وهذه المقولة لا أعتقد أنها من الأحاجي أو الألغاز فالرجل يتكلم عن موضوع يراه أولوية الساعة».
ووجه المدون الموريتانيا البارز محمد الأمين الفاضل انتقادات للشنقيطي، وذلك في مداخلة قال فيها «أن يقول الشيخ عبد الله بن بيه بأن السلم أولى من الحقوق أو أن يقول بأنه علينا أن نترك الطغاة، ونتحدث عن الغلاة ، فهذا كلام يمكن نقاشه، وكان على المفكر أن يكتب ويبين لنا أن السلم لا يمكن أن يتوفر في ظل غياب الحقوق وفي ظل غياب العدالة، وبأن الطغاة هم من صنع الغلاة ولولا الطغاة لما كان الغلاة.. ولو أن الشنقيطي فعل ذلك لكان رده نافعا ولحقق المراد، أما أن يرد المفكر بتغريدات مسيئة فإن ذلك لن يضر الشيخ عبد الله بن بيه بقدر ما سيضر أستاذ الأخلاق».
وخاطب الفاضل أنصار الشنقيطي قائلا «على أولئك الذين يدافعون عن الشنقيطي أن يعلموا بأن نصح الشنقيطي أولى من الدفاع عنه في مثل هذه الأوقات التي يسيء فيها إلى كبار العلماء.. وعليهم أن يقولوا له بأنه لا يليق بالأستاذ المفكر أن يكتب بلغة المراهقين». 
يذكر أن الشيخ عبد الله ولد بيه البالغ من العمر ثمانين عاما يتبنى مدرسة تقوم على «تجديد الخطاب الإسلامي» بقوة من داخل الفكر الإسلامي، باعتبارها ضرورة علمية وموضوعية ملحة.
ويتبنى الشيخ عبدالله بن بية رئيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة رؤية تقوم على واجب البدء بالإنقاذ باعتباره يتقدم الكليات الخمس في مقاصد الشريعة.
وينطلق الشيخ عبدالله بن بيه بمفهومه إلى ضرورة التجديد في الخطاب الإسلامي بشكل ضاغط وعاجل من مستويات بينها المستوى الأخلاقي والمستوى الديني، حيث يرى الشيخ ابن بيه أن ما يجري من سفك للدماء واستباحة للحرمات بدثار إسلامي، هو ليس مما يأباه الدين وتجرمه الشريعة الإسلامية فحسب، بل هو خارج عن نطاق العقل والفطرة السليمة.
ومن أسس هذا التجديد المستوى المعرفي حيث يرى الشيخ عبدالله بن بيه أنه لا يليق بالمجتمعات الإسلامية أن تكون متخلفة عن الركب الحضاري الإنساني على كل المستويات المعرفية والتنموية، لا بل يحتم ديننا علينا النهوض بمجتمعاتنا إلى ذرى الرفاهية والكرامة الإنسانية.
ويقوم هذا التجديد كذلك على مستوى إنساني حيث يرى الشيخ عبد الله أن مقاصد الشريعة الإسلامية، تحتم على المجتمعات المسلمة أن تكون فاعلة ـ بالمعنى الإيجابي ـ في المجتمعات الإنسانية، لا أن تكون منغلقة على نفسها، أو بمعزل عمّا يجري حولها من انفتاح وتحولات ثقافية عاصفة، لا بل يفترض أن تكون في قلب الحداثة الإنسانية على كل المستويات.

 

نواكشوط ـ «القدس العربي»