فرقة «أولاد لبلاد» الموريتانية تصدر أغنية «الفبركة» وتحرق صور الرئيس

جمعة, 2016-01-29 13:27

استمر أمس في موريتانيا الجدل الذي أثاره ويثيره فيديو أغنية «الفبركة»، التي أصدرتها للتو فرقة «أولاد لبلاد» الشبابية الموريتانية الناشطة في مجال موسيقى «الهيب هوب»، وزامنت أداءها الراقص مع حرق لصور الرئيس وأعلام موريتانيا.

وتنتقد الفرقة في الفيديو ما تعتبره مداومة النظام على ادعاء أن كل الفضائح التي يواجهها مفبركة من طرف خصومه.
ووصفت الأغنية الرئيس الموريتاني، محمد ولد عبد العزيز، بالفساد واتهمت أقاربه والمقربين منه بالتهام ثروة موريتانيا وتقاسمها «كما يتقاسم الجياع الكعكة»، وصورت الفرقة خريطة موريتانيا في شكل “كعكة” يتم تقسيمها.
وأثارت الأغنية، ذات الطابع السياسي المعارض، سخط الموالين للنظام الحاكم في موريتانيا، بينما رقص المعارضون على إيقاعها الساخر، وتحدث البعض عن تاثيرها على العلاقات الموريتانية – السنغالية باعتبار أن الأغنية سجلت في العاصمة السنغالية داكار، التي يقم فيها أعضاء الفرقة وينشطون بعد تعرضهم لملاحقات أمنية.
وقد تشابك عدد من كبار المدونين الموريتانيين حول مضامين هذه الأغنية والموقف من فن «الراب» نقدا وتحليلا.
وكتب المدون البارز والمفكر أبو العباس ابرهام، ضمن تدوينات له حول هذه القضية: «لا يعدم المرء اليوم جمهوراً عريضاً ينتقِدُ أغنيّة فرقة الراب «أولاد لبلاد» على طريقة إرسال رسائلِها السياسيّة وعلى لغتِها واستخدامها للشائعة ورمزيّة الإحراق ونقد سياسات الرئيس «العائلية».
«مرّةً أخرى، يضيف الكاتب، تعود نفس مشلكة النوع الفني (Genre)؛ فالراب هو مقامُ الإشاعة والشّطط اللفظي، ولا يصحُّ أن يُنتقدَ كما تُنتقَدُ مقالة أكاديميّة أو خطاب رسمي، ومن المُهم أن ينتقِدَ أخلاقيو المجال العام – وما أكثرَهم- الإشاعة، ولكنّها، من حيثُ هي طبيعة بشريّة، ستبقى، فمبلغَ طموحنا أن نُبعِدها من العمل الأكاديمي والمساءلة السيّاسيّة الرّسمية، أما أن نقضيّ عليها حتى في حوزتِها التّقليديّة، فهذا طوباوي».
وأضاف «إنّ ما يُنتقَدُ في التصوير الفني على «أولاد لبلاد» هو ما يقومُ به ساسةً النظام الموريتاني (التّلفيق، استدعاء المحاكمات، الفضائح المُختلِفة)، وهنا، للمفارقة، يخفُّ بعض النّقد، وكلّ الأحداث التي أشارت إليها الأغنيّة هي أحداث لم يكن النِّظام فيها صريحاً ففتِح فيها المجال للتخمين».
وفي تدوينة الأخرى أصل المفكر أبو العباس فن «الراب» مؤكدا أنه «المسمى «الخنكرة»، التي هي، حسب الكاتب، غناء يَروم الإضحاك والملاحة، بدون أن يتخلّى عن الاستجياش وإثارة العبرة، فهو وعظُ العصر، وهو فنٌّ خفيفٌ، والخنكرةُ هي الرّابْ في عصرِنا، والمُخنكِرُ يعرِفُ المجتمع أكثرَ من غيرِه، وتحديداً السُّلطان، وبالتّالي فلا يسقُطُ حقّه في النّقد، بل يُستمعُ له، إن لم يكن لرأيِه، فلإبداعه».
ولم ترق أغنية «الفبركة» للموالاة وهو ما عبر عنه سيدي ولد محي، مساعد مدير وكالة الأنباء الرسمية، في تدوينة أكد فيها «أنه مهما كان النزول لسفح السفالة والهبوط غير لائق ببعض الناس، فإن الأغلبية لن تتعامى هذه المرة عن تدنيس رمزية وطننا، أحرى إن كان هذا الفعل على أرض أجنبية، وفي غابة من الوحوش الكاسرة لا تريد الخير لهذا الوطن، فتعس مخطط هذا الفعل وبائعه ومشتريه وحامله».
وأضاف: «كيف لا تكون التعاسة مصير هذا العمل وهو يقدم جهارا نهارا على تمزيق علمنا الوطني وتشطيره إربا إربا، ثم تكون الخطوة الموالية هي السخرية من رموز دولة بكاملها وقذف رئيس جمهورية اختاره الموريتانيون طوعا، ورأوا فيه أملهم يتحقق واقعا ملموسا؟ 
«لا يمكننا الرقص تحت أي ظرف كان – يضيف الكاتب – على أنقاض صور محروقة لمواطن بسيط. فما بالك بصور رئيس دولة قدم ما قدم لوطنه وشعبه؟ هذا ليس فعل «أولاد لبلاد». هذا فعل خونة مأجورين يتاجرون ببضاعة مغشوشة». 
وانضم الصحافي محمد ولد اندح للجدل المثار، فتساءل عن «سر عودة فرقة «أولاد البلاد» في أغنيتهم الجديدة إلى أحداث مضت عليها سنوات، لتتخذها عنواناً لأغنيتها في هذا الوقت بالذات».
وقال: «هل احتاجت الفرقة كل هذا الوقت لتكتشف «الفبركة» التي تقول إنها صاحبت هذه الأحداث؟ أم أن موقف النظام من الفرقة هو الذي جعلها تصمت في ذلك الوقت، لوجود علاقة طيبة معه، وتتكلم اليوم بعد توتر هذه العلاقة؟».
«لم تراعِ الفرقة هذه المرة الذوق العام» – يضيف ولد اندح – «وبدت غير ملمة بانتقاء أسلوب أكثر لباقة واحتراماً في تناول الموضوع، وهذا أمر مستغرب من واحدة من أنجح الفرق الفنية المعاصرة في موريتانيا».
وانتقد المدون البارز حبيب الله ولد أحمد حرق «أولاد لبلاد» للعلم الموريتاني وأضاف: «تقديم الفرقة لصورة العلم الموريتاني على شكل كعكة تتعاورها السكاكين كان مشهدا فاضحا وصادما وغير وطني فى أغنية «فبركة» التى يبدو أن مموليها حشدوا لها ما يكفى من الموارد المالية والتقنية.
«إنه ليس علم محمد ولد عبد العزيز ولا أولاد لبلاد ولا المعارضة في الداخل ولا الخارج، يقول ولد أحمد، إنه علم مات من أجله خيرة الموريتانيين.. لتكن مشكلتكم، أيها الفنانون، مع عزيز ونظام حكمه لا مع العلم الوطني لأن استهدافه استهداف لكل الموريتانيين».
وتحت عنوان «قبعتي لأولاد لبلاد»، كتب الصحافي الموريتاني الشهير حنفي دهاه: « كان الفيديو كليب الأخير لفرقة “أولاد لبلاد” رائعاً.. رائعا في معناه ومبناه.. صادقا في نقده للديكتاتور الأرعن.. موفقا في قضيته التي عالجها بجرأة راكبي الأمواج».
وأضاف: «موسيقى الراب أو rhyming أو spitting هو نمط من ثقافة الهيب هوب يقع في المنطقة الرمادية ما بين الشعر والنثر.. ما بين الطرب والهزج.. وقد ابتكره مشردو برونكسي للراقص به فوق جمر المعاناة، والضحك بأسنان كالحة على شر البلية».
«أرفع قبعتي، يضيف الكاتب، لهؤلاء الرائعين.. الصانعين من خيوط الثريا أغنية خلود.. الرافضين أن يركعوا على أقدام ينكب عليها المتملقون.. الصارخين بوجع الفقراء المتضورين جوعا في أحياء الصفيح.. قبعتي قليل في حق هؤلاء العظام».
وفي مقال آخر حول نفس القضية يؤكد الصحافي محمد الامين ولد محمودي: «أن لغة الرب ليست بالضرورة لغة الرب، وليست بالضرورة لغة الأنبياء، انها لغة فصلت على مقاس الأغلبية الساحقة من أبنائنا الذين لم يعرفوا طريق المدارس ولم يعرف آباؤهم السبورة للأسف».
«أغلب من يسمعون هذه الأغاني ويتفاعلون معها» – يضيف الصحافي ولد محمودي – «هم مجموعة «دينكات» التي تعني في إحصائياتها أبناء المستعبدين، والمستعبدين السابقين بدرجة أكبر، فهؤلاء يستعيضون بمثل هذه الأغاني و»إسفافها ، وغضبها، وسبها» عن واقعهم المقيت الذي لم تتحدث عنه أخلاق وعاظ الفيس والسياسة والعرق».
وخاطب ولد محمودي في آخر مقاله «أولاد لبلاد» قائلا: «غنوا كما شئتم واصرخوا كما تريدون، واختاروا طريقة ردكم على الظلم، صبرا فموعدنا يوم رحيله من القصر».
وتأسست فرقة أولاد لبلاد الشبابية لموسيقى الهيب هوب سنة 2000 ووضعت أمامها تحقيق أهداف بينها تغيير العقليات التي لم تعد تصلح لروح العصر، وحث الشباب على الإبداع من أجل موريتانيا جديدة منفتحة على كل الأفكار، وحرة من جميع القيود.
وبعد أن تمكنت الفرقة من إسماع صوتها الشبابي التحرري داخل الوطن، أعلنت مؤخرا أنها بصدد حمل هذا الصوت إلى الخارج عبر تمثيل موريتانيا في المنتديات الموسيقية العالمية.
وكانت الفرقة قد تعرضت لمضايقات من طرف المصالح الأمنية الموريتانية بعد أغنيتها الشهيرة «كيم» التي تعني «إرحل».

عبدالله مولود نواكشوط ـ «القدس العربي»