طعـن في نتائج تصويت المؤتمر البرلماني

أربعاء, 2017-02-08 21:43

* محمد سيدي عبد الرحمن ابراهيم

يتركز اهتمام الموريتانيين، هذه الأيام، على التعديل الدستوري وسبل تمريره ويتدارس الكثيرون دور البرلمان في العملية المزمعة وفي هذا الصدد أفصحت السلطات التنفيذية مؤخرا عن نيتها اللجوء لمؤتمر برلماني بعد أن أنتج تصويت 2012 أثره وأصدر رئيس الجمهورية نتائجه وتم نشرها في الجريدة الرسمية باعتبارها ترتيبا دستوريا.. وبغض النظر عما يثار من عدم ملاءمة التعديلات المحتملة لتخلف الإجماع وغياب عنصر الإستعجال (على النحو الذي بينت في مقالات سابقة) خاصة مع إثارة الدفع بعدم شرعية البرلمان القائم بسبب انتهاء مدة أعضاء إحدى غرفتيه (كما يتمسك به بعض الفرقاء السياسيين).. تثير هذه المعالجة طعنا في نتائج تصويت المؤتمر البرلماني التي اعتبرها رئيس الجمهورية ومساعدوه نهائية وصدر بناء عليها القانون الدستوري رقم 2012-015 بتاريخ 20 مارس 2012 المتعلق بمراجعة دستور 20 يوليو 1991. وقد دفعتني للإهتمام بالموضوع جملة أسباب منها ما يتردد من سعي حكومي لإعادة كرة تعديل الدستور ثانية (1) بغض النظر عن المأخذ الذي تفصله هذه المعالجة بالأرقام (2) وتجنب الوقوف عند تناقض إمكانية التعديل بثلاثة أخماس البرلمان مع وجوب المصادقة التمهيدية عليه بأغلبية الثلثين (3) وتجنب الموريتانيين عناء مطالعة المقاصد والرأي المعتمد في الدول التي تشاركنا المقتضيات (4) والمصالح التي يحققها كون الدستور جامدا (5) وعدم حرص الكثيرين منا على تكريس المكاسب المؤسسية التي أحرزها بلدنا (6) وهي مواضيع تستحق اهتمام المختصين علنا نفلح في تمرير إجراءات دستورية محدودة العيوب.
1.
يبدو أن الجدل حسم لصالح القائلين بمرور التعديل الدستوري على غرفتي البرلمان وساد الإجماع على وجوب حصول مشروع التعديل على موافقة ثلثي أعضاء الجمعية الوطنية وثلثي أعضاء مجلس الشيوخ قبل أن يتأتى عرضه على الإستفتاء الشعبي ولكن ما يتردد من إنشاد السهولة وتخفيض فاتورة التكلفة عن طريق تمرير التعديلات الدستورية المزمعة بواسطة مؤتمر برلماني يناقض ذلك المقتضى ويطرح إشكالا جوهريا يتعين التنبيه إليه على النحو الذي تظهره الحسابات التالية.
فبموجب الجدول المرفق بالقانون النظامي رقم 2012-029 الصادر بتاريخ 12 ابريل 2012 المتعلق بانتخاب النواب في الجمعية الوطنية (المنشور في الجريدة الرسمية عـــ1262ــــــــــــــدد بتاريخ 30 ابريل 2012) يبلغ عدد أعضاء الجمعية الوطنية 146 نائبا وبموجب المادة الأولى من القانون النظامي رقم 2012-030 (الصادر بنفس التاريخ والمنشور في نفس العدد من الجريدة الرسمية) يتكون مجلس الشيوخ من 57 عضوا. أي أن مجموع أعضاء البرلمان الموريتاني حاليا هـو 203 (146 نائبا + 57 شيخا).
وبذلك وطبقا للمادة 99 جديدة من دستور الجمهورية الإسلامية الموريتانية يجب أن تحصل كل مبادرة تعديل دستورية على موافقة الثلثين أي 98 نائبا + 38 شيخا = 136 برلمانيا على الأقل ليكون مشروع التعديلات قابلا لأن يعرض على الإستفتاء الشعبي. والمفارقة أنه في سنة 2012 وبالإستناد لظاهر المادة 101 من الدستور، اكتفى رئيس الجمهورية بتصويت 122 صوتا (ثلاثة أخماس البرلمان) لاستنتاج أن التعديل الدستوري قد صودق عليه ولذلك أصدره بالتوقيع المؤذن بنشره لا بإجازة عرضه على الإستفتاء كما يجب وهـو ما يعتبر غير منسجم مع المنطق فكيف يكون 122 صوتا أقـوى أثرا من 136 صوتا في ظل اتحاد الهيئة الناخبة (النواب والشيوخ)؟ وكيف نقبل في ظل نظام ديمقراطي يأخذ بمبدأ مساواة الأصوات أن تكون النسبة المطلوبة للتصويت النهائي على تعديل دستوري ما أقل من النسبة المطلوبة لاجتيازه مرحلة تمهيدية؟
2.
وتقريبا للصورة بالأرقام نحسب نسبة ثلثي أعضاء الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ كالتالي:
146 X 3/2 + 57 X 3/2 = (146 + 57) X 3/2 = 203 X 3/2 = 135,33 ولتعذر تجزئة الصوت نكمل ما بعد الفاصلة صوتا بحيث تكون نسبة الثلثين في الهيئتين 136 صوتا.
وبحساب نسبة ثلاثة أخماس المؤتمر البرلماني الذي يجمع النواب والشيوخ نجد ما يلي:
203 X 5/3 = 121,8 أصوات ولتعذر تجزئة الصوت نكمل ما بعد الفاصلة صوتا بحيث تكون نسبة الثلاثة أخماس في أعضاء الهيئتين مجتمعين 122 صوتا.
ويتبين أن نسبة ثلاثة أخماس أقل من الثلثين بالمتراجحة التالية:
5/3 < 3/2 = 203 X 5/3 < 203 X 3/2 = 122 < 136.
3.
وبالنظر إلى تعذر التوفيق بين الألفاظ المستعملة في المادة 101 من الدستور وبين مقتضيات المادة 99 جديدة من ذات الدستور واعتبارا لما تثيره المقارنة من شك يجيز التصرف في مدلول أحد البندين المتنافرين وفي ظل التباس مقصد المشرع (الشعب) لا مناص من التأويل قياسا على ما أوردته المادة 374 وما بعدها من قانون العقود والإلتزامات بشأن الإتفاقيات والعقود.
إن نص المادة 101 من الدستور هو: “لا يقدم مشروع المراجعة للإستفتاء إذا قرر رئيس الجمهورية أن يعرضه على البرلمان مجتمعا في مؤتمر. وفي هذه الحالة لا يصادق على مشروع المراجعة ما لم يحصل على أغلبية ثلاثة أخماس (5/3) الأصوات المعـبر عنها.”
ويبدو أن المشرفين على إعداد دستور 20 يوليو 1991 قد اقتبسوا محتوى المادة 101 المذكور من المادة 89 من دستور الجمهورية الفرنسية دون انتباه المستوردين لكونها تتناقض مع ما تقرره المادة 99 من الدستور الموريتاني (التي تقرر مصادقة برلمانية تمهيدية لا يوجد مثلها في الدستور الفرنسي) وقد كان من الأجدر مواءمة عبارة “لا يقدم مشروع المراجعة للإستفتاء” مع المقتضيات الدستورية الأخرى كأن يستعاض عنها بعبارة “لا يقدم مشروع المراجعة لتصويت الغرفتين متفرقتين إذا قرر رئيس الجمهورية أن يعرضه على البرلمان مجتمعا في مؤتمر..” ويكون الهدف حينئذ هو تمكين رئيس الجمهورية من وسيلة دستورية يواجه بها الممانعة البرلمانية المحتملة للغرفة التي لا يمكنه حلها بتخويله استدعاء الغرفتين ليصوتا تحت سقف واحد مع اشتراط نسبة أقل لأن الثلاثة أخماس أقل عدديا من الثلثين..
وهكذا يكون التأويل المقبول عقلا وقانونا هو أن لرئيس الجمهورية أن يقرر عـرض مشروع المراجعة على البرلمان مجتمعا في مؤتمر وأن يمرره بأغلبية ثلاثة أخماس (وهي أقل من الثلثين) وهو ما يتيح عمليا تجاوز مجلس الشيوخ لإمكان حصول التعديل على مصادقة 122 صوتا من أصوات نواب الجمعية الوطنية فقط (دون اعتبار لأعضاء مجلس الشيوخ الذين يقترح الرئيس الإستغناء عن خدمتهم التشريعية) ولكن نتيجة التصويت يتعين أن لا تتعدى اجتياز مشروع التعديل الدستوري للمرحلة التمهيدية إلى المرحلة النهائية وهي الإستفتاء الشعبي عملا بمبدأ كرسته المادة 100 من الدستور: “تعتبر مراجعة الدستور نهائية إذا نالت الأغلبية البسيطة من الأصوات المعبر عنها في الإستفتاء” وبمفهوم المخالفة فإن أية مسطرة مراجعة لا تمر بالإستفتاء تكون غير مكتملة ولذلك يجب أن يكون توقيع رئيس الجمهورية بإصدار أي ترتيب دستوري مقيدا بمصادقة الشعب عليه باستفتاء.
وكي لا نخل بالمنطق الحسابي وبمبادئ الديمقراطية وفي انتظار تعديل المادة 101 من الدستور يتعين تأويلها على نحو مخالف لما تم به العمل في سنة 2012، حينما صدر القانون الدستوري رقم 2012-015 المتعلق بمراجعة دستور 20 يوليو 1991 إثر تصويت مؤتمر برلماني يتعين أن تترتب على مصادقته اجتياز المرحلة التمهيدية إلي مرحلة الإستفتاء ليس إلا.
4.
وللمقارنة نلاحظ أن مسطرة التعديل الدستوري في موريتانيا تتقاطع مع المسطرة المغربية في وجوب مصادقة ثلثي البرلمان إذ تنص الفقرتان الثالثة والرابعة من الفصل 174 من دستور المملكة الصادر سنة 2011 على أن “للملك، بعد استشارة المحكمة الدستورية، أن يعرض بظهير على البرلمان، مشروع مراجعة بعض مقتضيات الدستور. ويصادق البرلمان، المنعقد بدعوة من الملك، في اجتماع مشترك لمجلسيه، على مشروع هذه المراجعة، بأغلبية ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم.”.. ومع أن الدستور المغربي لم يذكر بعد هذا النص وجوب الإستفتاء الشعبي المذكور في مستهل المادة إلا أن الإتجاه الفقهي الغالب في المغرب هو وجوب لجوء الملك، بعد المصادقة البرلمانية، للإستفتاء الشعبي بالإستناد إلى الفقرة الثانية من ذات الفصل “تكون المراجعة نهائية بعد إقرارها بالإستفتاء”.
5.
إن الدستور الموريتاني تمشيا مع مصلحة مجتمعه الحديث العهد بالدولة، يصنف ضمن الدساتير الجامدة Constitutions rigides التي لا يمكن تعديلها أو تنقيحها إلا باتباع إجراءات خاصة أكثر شدة وتعقيدا من إجراءات تعديل القوانين العادية وكما يقول الأستاذ أحمد الخطيب، في كتابه الوسيط في النظم السياسية والقانون الدستوري، فإن: “السبب الذي يدعو المشرع الدستوري إلى تشديد إجراءات تعديل الدستور ليوصف بأنه جامد، هو رغبة المشرع في إكساب الدستور وما يحويه من أحكام صفة الثبات والإستقرار، وعدم تركها لأهواء الأغلبية الحزبية في البرلمان. هذه الخصوصية والشدة والتعقيد في إجراءات تعديل الدستور تتلاءم وطبيعة القواعد الدستورية باعتبارها أعلى مرتبة من القوانين العادية. هذه القواعد هي التي تقرر نظام الحكم في الدولة وتبين السلطات العامة فيها واختصاصاتها وعلاقتها ببعض وبالأفراد. بحيث لا تتساوى في كيفية تعديلها مع إجراءات تعديل القوانين العادية. وبالتالي يتحقق لها طابع السمو الشكلي والتمتع بنوع من الحصانة إزاء السلطة التشريعية التي لا يجوز لها بعد ذلك الإعتداء عليها بتعديلها أو إلغائها.”
6.
وسعيا لقياس المكاسب المدنية ومدى المسافة التي قطعها التشريع الدستوري في بلدنا، أختم هذه المعالجة بالتذكير بفقرة كتبتها منذ أكثر من عشر سنوات وضمنتها معالجة تحت عنوان “المخالفات الدستورية للعسكر” (نشرت في العدد 151، من يومية الأخبار، الصادر بتاريخ 30 يونيو 2006): “ما ذا يضير “طهاة الدستور” لو أنضجوا طبختهم وقدموا للشعب التعديلات الجديدة والمواد القديمة في مشروع دستور متكامل يعرض على الإستفتاء ويصدر برمته مولودا على الفطرة قبل أن يتخذ تسمية مغايرة لدستور العشرين يوليو 1991 رمزا للتحول والتطور حتى تكون تسمية الجمهورية الثالثة – المحببة إلى البعض – في محلها”.
وخاتمة القول أن المصلحة الوطنية تقتضي احترام القانون وتكاتف الجهود لتطوير التشريع الوطني وصيانة المكاسب الدستورية مع ما يقتضيه ذلك من مواجهة دعوات هتك حرمة الدستور من أجل مصالح آنية وضيقة والتنسيق المستقبلي لتجنب الثغرات بوضع نظام دستوري إجماعي يكفل تطور الدولة ويصمن مصالح كافة مواطنيها.
*محام موريتاني
[email protected]