الورقة التي ألقيت من طرف الكتابة السياسية لحزب الصواب

اثنين, 2017-02-20 08:07

بسم الله الرحمن الرحيم

الورقة التي ألقيت من طرف الكتابة السياسية لحزب الصواب في التجمع المنظم من طرفه  يوم 19/02/2019

 

أيها السادة :

إذا كانت قيم الشعوب وأهدافها وطرق ملاءمتها بين تلك القيم والأهداف تختلف باختلاف مرجعياتها الثقافية ولحظاتها التاريخية فإن نبذ الظلم ومواجهة قوى الاستعمار والاستكبار في العالم قد شكل مشتركا إنسانيا أجمعت عليه شرائع السماء وقوانين الأرض ، فبقدر اهتمامها بحرية الإنسان وكرامته حازت تلك الشرائع والقوانين هيبتها واكتسبت شرعيتها التاريخية والاجتماعية ، ذلك لأن الحق الذي تهدي إليه يؤسس لقبوله الفردي والجماعي من خلال تلازمه بالعدل وسعي أصحابه للاختلاف عن طريق الظلم المؤدي أبدا إلي خراب الدول وتفكك أوصالها ، وإذا كانت كثرة التداول قد أفقدت عبارة " العدل أساس الملك " الكثير من شحنتها الدلالية ومن محفزاتها العاطفية إلا أن ما توحي به تلك العبارة من معنى سيء يفوق الحصر خصوصا  عندما يتذكر الإنسان وهو يقرأها شعارا لتظاهرة سياسية أو ثقافية أو ضمن برنامج سياسي ذلك المستوى العميق من التناقض الذي  تمارسه  دول  تدعي مساندة المظلومين في العالم وتمارس الظلم والقهر في أبشع صوره ضمن حوزتها الترابية ، ثم تعتدي على حقوق وحريات جيرانها فتسلبهم أرضهم وحريتهم بل وحياتهم كذلك : ذلك النموذج الصارخ من التناقض هو ما تقدمه لنا إيران اليوم في منطقة الأحواز العربية التي احتلتها بالقوة منذ  ابريل 1925 فمارست فيها كل صنوف القهر والقمع والتهجير والقتل ، كما استخدمت جميع الأساليب لمحو خصوصية الأحوازيين وطمس هويتهم الثقافية والحضارية النابعة من انتمائهم الأصيل لأمتهم العربية ، فما تزال إيران - رغم ما عرفه العالم  في كثير من مناطقه من تقدم في مجال حماية الحريات الفردية والجماعية – تحرم الأحوازيين من أبسط حقوقهم المتمثلة في الاعتراف بخصوصيتهم الثقافية والاجتماعية ، متجاهلة بذلك كل القوانين والأعراف الدولية مستغلة وضع الترهل  الذي يعيشه العرب وحالة الازدواجية والرضوخ للمصالح التي تميز سياسة الدول الكبري الفاعلة على المسرح الدولي .

أيها السادة الكرام :

إن هذه التظاهرة السياسية التي يقيمها اليوم حزب الصواب تأتي في سياق انسجام الحزب الدائم مع مبادئه  ومرجعياته الفكرية المتمثلة في دعم القضايا العادلة ، وفي مؤازرة ومناصرة الأشقاء العرب والوقوف إلى جانبهم في وجه مختلف المحن والتحديات التي يواجهونها ، فقد آمنا في حزب الصواب أن الانتماء الأصيل لأمة العرب ولمشروعها الحضاري يفرض حتما مناجزة الظلم ومواجهة قوى القهر والاستكبار إقليميا ودوليا ، وفي تقديرنا أن الخطوة الأولى على هذا الطريق تبدأ بحشد الرأي العام الوطني  لتذكيره بقضاياه الكبرى التي  تسعى قوى الظلم إلى إبعاده عنها من خلال محاولة الإيحاء الكاذب بانفصال الوطني عن القومي وهو المسعى الذي ان تم لتلك القوى فسينتهي لا محالة إلى تشتيت الوطني من خلال ترويج منطق الجهة والعرق ، كما تروج الطائفة والمذهب في جهات أخرى من وطننا العربي ، فلكل تلك الاعتبارات فإن مناصرتنا اليوم   لقضية أهلنا في الأحواز تتم من نفس المنظور والمنطق اللذين نناصر من خلالهما قضايانا العادلة في فلسطين وثغور الشمال المغربي المحتلة من طرف اسبانيا ، ولواء الأسكندرونه في جانب  تركيا ، والأوكادين من طرف الحبشة ، والجزر العربية في الخليج العربي التي تخضع لسيطرة الدولة نفسها التي تحل الأحواز... فمؤازرة هؤلاء واجب وطني وقومي وإنساني ، وهي كذلك  فاتحة لمسعى استراتيجي نأمل من خلاله أن يتمكن الرأي العام العربي من دفع قادته في ما تبقى له من كيانات مستقرة إلى انتهاج سياسة وفاق عربية تعيد صياغة مشروع الأمن القومي العربي وفق متغيرات المنطقة والعالم بما يصون الحقوق العربية الثابتة ، ويعيد لأمة العرب ألقها الحضاري ومساهمتها الفاعلة في توفير السلم والأمن في العالم  ، وفي هذا الإطار فإننا في حزب الصواب ندعو  كافة القوى  الجادة والمؤمنة بثوابت الأمة والحريصة على مصالحها في منطقة المغرب العربي إلى تأسيس جبهة مغاربية لمناصرة قضية الأحوازيين وكسر الحصار الإعلامي الذي تمارسه إيران والذي مازال يحول دون تحول هذه القضية العادلة إلى قضية رأي عام عربي وهو ما يتيح لإيران الانفراد بها والاستمرار في ممارسة سياساتها القمعية التسلطية ضد أشقاء  مدنيين أبرياء .

أيها السادة :

إذا كانت قضية الأحوازيين العادلة لم تنل حتى الآن من اهتمامنا الوطني والقومي ما يتناسب مع حجم المأساة التي يتسبب فيها الاحتلال الإيراني البغيض وذلك لاعتبارات كثيرة يخضع  فيها الموضوعي للذاتي غالبا ، فإننا نأمل اليوم أن يكون هذا الحشد الجماهيري والإعلامي بداية ايجابية لزيادة الاهتمام بهذه القضية والدفع بها إلى الواجهة ضمن سلسلة  قضايا مناصرة الأشقاء و مساندة الشعوب المظلومة ومبدأ تصفية الاستعمار،  وقيم ومثل حركات التحرر العالمية، خصوصا أنه قد تمزق ذلك القناع  الذي أخفت به إيران كثيرا وجهها الحقيقي ، فلم يعد خافيا على أي متابع لممارسات إيران ذلك الطموح التوسعي  المنافي لمبادئ الأخوة الإسلامية والذي تسبب في قتل وتهجير الملايين من العرب والمسلمين في العراق ، بعد احتلاله وتدميره بالتعاون مع الامبريالية العالمية، والعمل التآمري الدؤوب لزعزعة أمن واستقرر مملكة البحرين الشقيقة، و التوسع وبسط مزيد من النفوذ والسيطرة والتحكم في جنوب الجزيرة العربية وبلاد الشام، ،  فالذين انخدعوا طويلا بشعارات الثورة الإسلامية باتوا الآن في مقدمة من يجاهرون بأن الإسلام بريء من ممارسات نظام طهران الصفوي ، وسيكتشف المنخدعون الجدد بالدور الإيراني المزعوم في محاربة التطرف والإرهاب  أن إيران القرن الواحد والعشرين أسوأ كثيرا في مشروعها التوسعي المبني على تفتيت العرب من إيران القرن المنصرم ، وأن شعار مناصرة الطوائف الشيعية في العالم العربي  ليس إلا عنوانا لإخفاء النزوع الإمبراطوري الفارسي تماما كما كان شعار الإسلام الثوري الذي تناغم معه الكثيرون خلال العقدين الأخيرين من القرن المنصرم ليكتشفوا لاحقا زيف الشعار وتهافت أسسه ، فالتحدي الذي تمثله اليوم عدوة العرب الشرقية – وقد مثلته في الماضي – لا يمكن رفعه إلا من خلال تأهيل قوة عربية إقليمية بحجم إيران ، واعية بالضرورة الحضارية التي أنجبتها ، ومستعدة لتجاهل الإملاءات الخارجية التي قد تدفعها للتراخي عن مصالحة ومساندة القوى الشعبية الحية التي تمتلك رؤى فكرية وسياسية قادرة على إنتاج البديل المعرفي الناضج للمشروع الفارسي الذي يجسد مرحلة جديدة في صراع حضاري تمتد  جذوره بعيدا في تاريخ العرب والفرس ، فمنطق إيران التدميري  الذي يستغل التعدد الديني و المذهبي والعرقي الذي تغتني به تجربة العرب الحضارية لا تمكن مجابهته إلا بمشروع حضاري قومي إنساني يسمو على التعدد سموا إيجابيا عندما يصهره في بوتقة واحدة يجمع  فيها الدين بين بعده الحضاري ومراميه الإنسانية ، ودور العرب الرسالي الذي تستلهم فيه العروبة دلالتها الحضارية .

أيها السادة :

إن الاقتتال الطائفي الذي يراد له اليوم أن يكون واجهة العرب إلى العالم يحقق لقوى الاستكبار والظلم الإقليمية والدولية هدفين حيويين ، فهو من جهة أولى  يشتت الجهد العربي ويستنزف طاقة العرب ومقدراتهم في صراعات داخلية لا أمل في تجاوزها نظرا للأدوار الخارجية ،  ومن جهة ثانية يشوه صورة الوعي العربي بالحرية ، ويخلق حالة من التردد النفسي اتجاهها فيساهم في سيادة ثقافة الاستبداد والانغلاق التي تخدم نفوذ تلك القوى ووكلائها في المنطقة فتتراجع فرص التنمية والنهوض التي لا يمكن أن تتحقق إلا في أجواء الحرية ، وإذا كان رواد مشاريع النهوض السياسي والثقافي في الوطن العربي  قد تفطنوا إلى خطورة الاصطفاف الطائفي فحذروا منه وحاربوه ، فالأولى بالنخب الحالية التى اكتوت بناره أن تؤسس لميثاق شرف يواجه هذا المد الطائفي ويحاربه على مستوى الوعي والتفكير ، فالطائفية هي سلاح العدو  الذي لا يكلفهم ثمنا .