إنما الصدقات لمكطع لحجار!

سبت, 2017-05-13 16:33

محمد ولد الطالب ويس

حاولت أن أرسمك جميلا، جمال آلهات الخيال لتفيق وتستفيق وتقف؛ لكن الحروف بدت وكأن حسناوات الدنيا رشفن رحيقها، ورمينها عصفا مأكولا، حاملة كل دمامة الأشرم،!!! كلما نظمتُ منها سبحة لأستغفرَكَ بها، وأحمدَك، وأتوبَ إليك، محاولا صيد رضاك، تقطعت وتناثرت حباتها شعاليل، وعادت إلي عَقَاعِقَ وطيرا أبابيل!! وأنا أتطير وأتشاءم من العقاعق.

إن من صاد عَقْعَقاً لمشومُ @@@ فكيف من صاد عقعقان وبومُ؟؟!

مال هذه الدنيا، تخرجُ فيها صائدَ ظباء فإذا بك تصيد كركدن!! أظباؤك يا وطني باعت رشاقتها، وأصبحت بتلك البطون!!

هزُلْتَ يا مسقط الرأس، وموطن الأنس، وتربة الرمس، حتى امتلك رقبتك كل فلس، وسامك على رؤوس الأشهاد كل مفلسِ جنٍّ وإنس!!. كنت ذات يوم نصا جميلا من ذوات السنابل وفواصل الفول بلون اليُمْنِ رسمتك على تلك الصفحة السخية سواعد العظماء يُمِدُّها عرق الجبين، تقرؤك عصائب الطير من السماء و قوافل البشر من الأرض، فتنبت في النفوس الشهامة والنبل والعظمة والتواضع والإخاء والمحبة،؛ كيف تاهت السحب في السماء، ولم يعد منظرك يغريها ويَسْلِبَهَا دُرَرَ الدموع، لِتُسمع الضفادعُ أنشودتَها الخالدة ـ التي لقنتها الأرض إياها ذات صفاء ـ للمولدين والعابرين والخلف المضيعين، ( باق، باق، مولانا هو الرزاق)...!.

 لقد اختطفوك فعلا لَمَّا لم يعد لصوت الضفادع صدى في النفوس وأجدبت، وبلغت السنابل سن اليأس، اختطفوك وجروك على قفاك ليذبحوك قربانا عند أقدام هبل واللات،!

 كم أسمعوك ـ وأنت بين أنياب الدهر ـ بيت الطغرائي:

أعلل النفس بالآمال أرقبها @@@ ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل!

لولا فسحة الأمل.

 فسحة الأمل.

 الأمل.

 الأمل!!! مستخدمين الطريقة الكلية في اصطياد الانتباه وترسيخ الأمل!، كيف تاه الأمل وأصبح هناك في كف راهب ورضا صنم؟؟!!.

 فلا تغترَّ بالوجه الآخر للمرآة وإن رأيت فيه بعض تجاعيد وجهك، واقرأ إن شئت في نفس القصيدة:

غاض الوفاء وفاض الغدر وانفرجت @@@ مسافة الخلف بين القول والعمل!

وكرر بنفس الطريقة: غاض الوفاء!!! فلا وفاء ولا أمل، إنهما مجرد راهبان نهمان يغسلان بمأساتك الصنم الكبير.!

أظن أنه آن الأوان ليستيقظ المارد ويهز الأرض تحت الأقدام المخضرة من أرغفة آمون العظيم، ويقطف رؤوسا قد أينعت وحان قطافها، وإني لأرى الأفق يحمل هزة ستتهاوى بعدها كل بنايات الأحلاف الهشة والتي عجزت خلال السنوات الماضية أن تكون مأوى وملجأ ومطعم ومشرب للسكان الضعفاء، عجزت أن تكون دفئا يستظل به الجميع ويرى فيه بعض نفسه، عجزت عن تغيير العقليات والتغلب على شيطان الأنانية والاستحواذ، عجزت بفعل خطاباتها المفلسة المراهقة المستفزة المقرفة المفَرِّقَة غير الجامعة،؛ عجزت بفعل النظر إلى الناس من ناطحة سحاب، فبدت الناس صغيرة ضئيلة متجاوَزة لا تستحق أن تتقدم، أن تطمح، أن تتجاوز ذلك التقزم،،،،لا تستحق إلا الصدقات، ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم...)،  "صدقات الخميس" من علاوات وعناوين فارغة لا تحمل إلا المرارة والضيم،؛ لكن النفوس أشربت الهوان مع الأسف.! صدقات تجاوزت " بقشيش الخردة " و" بطاريات الأبواق " لتأخذ منحى جديدا في مسلسل الانحدار والانحطاط،،، فبدأت تنزل ضيوفا على غير مستحقيها من علية الناس وأشراف القوم لتنبئهم أنه لا أحد أكبر من صدقات وعطايا "نظام الملك"، وأنه لا شيء إلا عن طريق يده، لا مجال للهدايا من يد "ملكخان" ولا سبيل للوصول إليه!، فقد ساوى ذو القرنين بين الصدفين بزبر الحديد وأفرغ عليها قطرا،!!! الصدقات للفقراء والهدايا للأكارم، فلا الصدقات عرفت طريقها إلى الفقراء ولا الهدايا عرفت الطريق إلى الأكارم!! فلا غرابة في ظل هذا الوضع البائس التائه إذا ماج بعض الناس في بعض، ولا غرابة في وسط تلك الأمواج أن ترى ـ أيها المكطع الحبيب ـ  نوحا وقد وضع السبحة وأخذ المنشار، وأصبح نجارا، نعم، نجارا! وعما قريب ستستوي سفينتك ـ يا لهفة الندماء ـ على الجودي، ويغرق كلُّ كنعان.