(الكبار يتضامنون للحياة لا للعيش)

اثنين, 2017-07-10 07:12

افتتاحية الاثنين 10/07/2017

من يحترم شعبه و ويتظاهر بالاحتفاء به فيمهرجانات ذات كلفة عالية، متعددة الأماكن ومتباعدتها في ظرف حرج، ومحددات اقتصادية شحيحة، لا ينبغي له ان يتهم هذا الشعب بالعقم ولا بالعجز عن انتاج البدائل البشرية التي تحتاجها مسيرته التنموية، وتقتضيها وجوبًا قواعد التداول السلمي للسلطة، كما تقررت بشكل صريح ومحصن في الدستور.

كما أن من يحترم عقول شركائه وجيرانه والعالم من حوله يحتاج إلى حد أدنى من الصدق والنزاهة يمنعانه ولو شكليا من الوقوع الصريح في وهاد التناقض الذي تأباه المبادئ الكلية للعقل البشري، وتعريفه المدرسي البسيط هو أنّ الشَّيء نفسَه لا يمكن أن يكون حقًّا وباطلاً معًا، ومبدأ عدم التناقض حسب أهل المنطق هو اختلاف القضيتين بالإيجاب والسلب، بحيث يقتضي لذاته صدق إحداهما وكذب الأخرى، كقولنا: سيذهب الرئيس إلى مأمورية ثالثة، والرئيس لن يذهب إلى مأمورية ثالثة.

قال بالأولى رئيس الوزراء اليوم في تجمع (بورات ) وصرح بالثانية في أكثر من مناسبة وعلى منابر متعددة رئيس الدولة نفسه، فأيهما نصدق عقلا ومنطقا؟ مع أن قول الوزير الأول تدعمه قرائن كثيرة آخرها الاستعدادات الجارية على كامل التراب الوطني للإعلان الصريح والضمني أن ما تتحدث عنه اجهزة الدولة وتقود الناس إليه كرها تحت شعار مبدأ تحسين الوثيقة الدستورية لا يعدو في حقيقته سوى طريق سيتم اتخاذه مدخلا لاستمرار الرئيس في السلطة، وتحويله من حارس للدولة والمجتمع والعهدة المنظمة لهما، وهي الدستور ، إلى حارس لسلطته الفردية، مستعينا بكل من لديه قدرة من حاشيته لاقتباس الرديئ والمقزز من خطاب الطاعة السلطاني، و موروث و أدبيات التقرب من أصحاب الحكم والنفوذ، كما نشاهد عبر الشاشات ووسائل التواصل المختلفة في هذه الأيام.

إن دستور 1991 والتعديلات الجوهرية التي طرأت عليه وحظيت بآخر وأندر إجماع وطني في 2006، يشكل التلاعب به ونزع الهيبة عنه سلوكا قد يدفع البلاد إلى مدارات محمومة ليست هي ما تحتاجه في وقت تعبر دولتنا ومجتمعنا منعطفا مثقلا بتركة سنوات من التيه وضباب المشروعية وغياب إرادة الاصلاح السياسي، سنوات عجاف سابقة عرفها الجميع وعاش مرارة أزمنتها، وينزع للابتعاد منها، لكنه يحتاج لتحقيق ذلك الابتعاد لرجال كبار يجمعون حولهم كبارا ويتولى الاثنان خلق زمن كبير، فالصغير لا يطمئن إلا لمثله أو من هو أصغر منه، والصغار يتضامنون للعيش، بينما يتضامن الكبار للحياة أولا، والعيش الكريم ثانية