العقوبات الاوروبية تضرب الاقتصاد الروسي

خميس, 2014-07-31 18:28

العقوبات الغربية الجديدة غير المسبوقة منذ الحرب الباردة على موسكو تضرب في الصميم القطاعات الحيوية للاقتصاد الروسي، اي المالية والطاقة، مع تداعيات مؤلمة على المدى الطويل لاقتصاد يفقد من سرعة وتيرته.

وهذه الاجراءات الجديدة جاءت بمثابة ضربة محبطة بعد تباطؤ هروب المستثمرين القلقين من تداعيات ضم شبه جزيرة القرم في اذار/مارس، مما اتاح للحكومة ان تؤكد انها تجنبت الانكماش في آخر لحظة، وان النمو قد يبلغ 1 بالمئة وفق الوتيرة السنوية مقابل نسبة 0,5 بالمئة متوقعة حاليا.

وقال المحللون انه اذا كان من غير المتوقع ان يكون لذلك عواقب كبيرة على المدى القصير، فان الاثار على المدى الطويل تبدو قاسية لان الاقتصاد الروسي كان متعثرا قبل الازمة بسبب عدم جذبه ما يكفي من الاستثمارات وبسبب تقدم سكانه في السن.

ومن على جانبي الاطلسي، بدا القطاع المالي الخاسر الاكبر بسبب الاجراءات الاخيرة التي ستحد من قدرة المصارف الروسية العامة على الوصول الى اسواق الرساميل الاوروبية.

واضافت الولايات المتحدة من جهتها الى لائحتها السوداء المصرف الثاني في القطاع، "في تي بي" وفرعه "بنك موسكو"، اضافة الى البنك الزراعي الروسي. وتتضمن اللائحة اصلا "غازبرومبنك" وبنك الانماء "في اي بي"، وهما بنكان شبه محرومين من التمويلات بعيدة المدى في الاسواق الاميركية القوية.

وحذر ايغور نيكولاييف من مركز "اف بي كي" للتحليل قائلا ان "وقف الحصول على تسليفات بفوائد مقبولة، او تخفيضها بشكل كبير على الاقل، امر مهم جدا بالنسبة الى روسيا"، مقدرا ديون الشركات التي يتعين اعادة تمويلها على المدى القصير بـ700 مليار دولار.

واضاف نيكولاييف ان هذه التسليفات بمعدلات فوائد مخفضة "لا بد منها للاستثمارات. واستبدالها بقروض في الاسواق الداخلية غير ممكن لان كلفتها مرتفعة". وقال ايضا ان "كل ذلك سيجر اقتصادنا الى الانكماش".

والمصارف العامة مثل "في تي بي" وكذلك البنك الاول "سبيربنك" الذي لم تستهدفه العقوبات مباشرة حتى الان، تهيمن بقوة على القطاع وتغذي النمو مع تسليفات للشركات والافراد. ومع بنك الاستثمار "في اي بي"، ساهمت هذه المصارف بتمويل مشاريع البنى التحتية الكبرى والالعاب الاولمبية في سوتشي على سبيل المثال. وقد وعد البنك المركزي بدعمها في حال تعرضها لصعوبات.

وكانت واشنطن اختارت استهداف الشركة الرائدة في مجال النفط روسنفت مباشرة اضافة الى الشركة الثانية في قطاع الغاز نوفاتيك. واختارت بروكسل من جهتها حظر صادرات التكنولوجيا الحساسة في مجال الطاقة الى روسيا.

ذلك ان روسيا التي تمثل المحروقات لديها ثلثي الصادرات، تجد نفسها حاليا في مواجهة جمود انتاجها النفطي بعدما احتلت المرتبة الاولى عالميا في الانتاج عندما اعادت العمل في حقولها الموروثة من الفترة السوفياتية.

وكثفت روسنفت ونوفاتيك، على الرغم من انهما تسعيان وراء شركاء اسيويين، من اقامة الشراكات مع كبريات الشركات الغربية لتطوير مشاريع جديدة وجذبتا بذلك تمويلات وتكنولوجيات جديدة لموارد يصعب استغلالها.

ولفت المحللون في بنك سيتي الى ان "موسكو تعتمد على زيادة انتاجها ومبيعاتها من النفط والغاز غير التقليديين والمستخرجين من المواقع الصخرية والحقول البحرية وخصوصا في القطب الشمالي، وتنمية الغاز الطبيعي المسال. وتتوقف كل هذه الموارد على التكنولوجيات والرساميل والمهارة الاتية من الخارج والتي من دونها سيتعرض النمو الاقتصادي في البلد للخطر".

وفي منتصف تموز/يوليو، حذرت وكالة التصنيف الائتماني "موديز" من ان العقوبات الاميركية قد تعرقل المشاريع الجديدة لروسنفت ونوفاتيك وخصوصا مشروع الغاز "يامال" التي تشارك فيه الشركة الفرنسية توتال في الشمال الكبير.

والاتحاد الاوروبي هو الشريك التجاري الاول لروسيا وبلغت مبادلاتهما التجارية 326 مليار يورو العام الماضي. وباستثناء الحظر على الاسلحة، فان تدهور العلاقات لا يمثل اشارة جيدة للتعاون.

فقد سارعت روسيا من جهة اخرى للاعلان عن قيود على وارداتها من الفواكه والخضار من بولندا والتي ينظر اليها عدد كبير من الخبراء على انها اجراء انتقامي يمكن ان يستدعي اجراءات اخرى.

وكاشارة الى القلق في اوساط الاعمال، اعربت جمعية "يوروبيان بيزنس" التي تضم غالبية الشركات الغربية الناشطة في روسيا، عن "اسفها العميق" للعقوبات الجديدة.

وارتفعت بورصة موسكو وسعر صرف الروبل الاربعاء لكن المحللين راوا في ذلك خصوصا قفزة تقنية بعد ثلاثة اسابيع من التدهور حتى ادنى مستوياتهما في اكثر من شهرين.

وتدهور البورصة وسعر الروبل الذي جاء اثر ضم القرم في اذار/مارس، عزز التضخم الذي بلغت نسبته 7,8 بالمئة في حزيران/يونيو وأثر على الاستهلاك.

وزاد البنك المركزي الروسي معدل فائدته الرئيسية الى 8 بالمئة الجمعة في خطوة فاجأت الجميع، مبديا رغبته بعدم ترك الروبل يغرق. لكن البنك المركزي الروسي وبتشديده شروط التسليف، قد يلقي بثقله ايضا على النشاط الاقتصادي.

ودفعت اضطرابات الاسواق حتى الان بعض الشركات الى تاجيل زيادة رساميلها واجبرت وزارة المالية على الغاء اصدار سندات الثلاثاء.

وعلى المدى الطويل، يكمن الخطر في رؤية المستثمرين الاجانب يغادرون بصورة دائمة امام "الخطاب الغربي" الذي اثار اخيرا قلق وزير المالية السابق الكسي كودرين.