وداعا وشكرا.. ماموني ولد المختار: سيدى محمد الامين

جمعة, 2014-08-01 17:01

الناس لا ينصفون الحي بينهمُ    ***  حتى إذا ما توارى عنهمُ ندمـــوا
الويل للناس من أهوائهم، أبدا    *** يمشي الزمان وريح الشر تحتدم
                                      أبو القاسم الشابي
 
لا تسعفني الكلمات وأنا أشهد نهاية مسيرة طويلة لواحد من أعمدة الصحافة في وطننا للتعبير عن مدى الأسى الذي أشعر به لتلك النهاية الحزينة التي اختتم بها مشواره مع صاحبة الجلالة، والامتنان والتقدير للمكافح الذي أوقد جذوة الخبر في هذا البلد طيلة مسيرته الممتدة أربعة عقود.
ماموني ولد المختار عرفته منذ مطلع الألفية نشيطا متفانيا في عمله، عرفته في مهرجانات ومقرات الأحزاب السياسية ـ رغم غمز وهمز بعض كوادرها ـ يستل الخبر ويصهره بين يدي خبرته ليخرجه نقيا بلا زوائد.
المشكلة تكمن دائما في الزوائد والتعاليق التي كان ماموني ينأى عنها تماما.
لم يكن ماموني مجرد جامع للأخبار من مصادرها، فلقد صدمني مرة بقوله: لدي وثائق جميع الأحزاب المرخصة في هذا البلد.
وهو ما أبان لي عن عملاق إعلامي يتعدى الانفعال بالخبر إلى التوثيق الرزين والمدقق.
كان يغطي كل الأنشطة تقريبا: من تنصيب رؤساء الجمهورية إلى اعتقال طلاب جامعيين، من تظاهرات سكان سلبت مساكنهم، إلى ندوات أكاديمية.. وهو شيخ مسن لم يتكبر عن خدمة عشقه الكبير.
أفكر فيه أحيانا فأقول هذا الشيخ الذي يقوم بعمل "الأغراس" في الصحافة مريب!!
شيخ بمقامه وخبرته ومكانته يثير الإعجاب ويدفع المرء إلى التساؤل عن قدر الاحترام الذي يكنه هذا الرجل لعمله.
كنت أسمع دائما عن علاقته بأجهزة المخابرات ولكن شجاعته في حلقته الثانية من مسيرته المهنية أقنعتني بأنه كان صحفيا لا أكثر ولا أقل.
وحتى ولو ارتبط بالمخابرات في فترات معينة تبعا لقناعاته فذلك لا يقلل من شأنه كعميد للعمل الصحفي، وكصحفي يحرص على الاستقلالية في مهنته.
ماموني الإنسان يبرز من خلال معرفتي بأسرته الكريمة، فقد كافح وناضل، وربى وعلم، حتى صار أبناؤه اليوم من خيرة المتعلمين والموظفين.
وسيبقى البرهان الأوضح على استقلالية الرجل وإخلاصه وعشقه لمهنته مرتبطا بالإجابة على السؤال: لماذا لا يملك ماموني  فيلا أو اثنتين، قطعا أرضية، سوقا... ، وقد عاصر كل الأنظمة التي حكمت البلاد وكان بإمكانه التربح منها ومن خدمتها بالتخابر؟
أرجو أن ننصف الرجل، ونحترم له وفاءه لعمله الذي فشل كثيرون في الوفاء له.
أخيرا أقول له ـ وهو لا يعرفني طبعا ـ : شكرا لك، لقد قدمت نموذجا متفردا، وظُلِمْتَ (ربما) أثناء مسيرتك المهنية، وبالتأكيد تم ظلمك بشكل سافر في نهايتها.
أقول له: وداعا.. لقد تميزت حتى وأنت تودعنا، فثقافة الاعتزال لا يزال يجهلها الكثير منا.
كان أحسن وداع للحقل الإعلامي لك أن يتوقف النشر اليوم، ولكن كما قلت فالقليل اليوم من هذا الحقل يعرف الوفاء.
1 أغشت 2014