الملح و دوره السياسيُّ و الإقتصادي في المجتمع .. سبخة انْتَرَرْتْ نموذجًا..

سبت, 2017-12-30 18:41

مشاركة على هامش مهرجانات المذرذه و تكند و بوتلميت:

من صفحة الكاتب محمدن ولد بننه

قديما قيل "يستغني الإنسان عن الذهب و لا يستغني عن الملح ". و ما قيل عن الذهب يَصدق على غيره من المنتوجات النفيسة .و في مجتمعنا خاصة ربما دون غيره ،بلغ التصاقه بحياتنا الخاصة أن دخلت تلقائيا في سياق الخطاب لدينا عبارة تُحيل إلى مادة الملح للتعبير عن آيات الطرافة..

فالملح إذن مهما اختلف عن غيره من المنتوجات في الطعم و ربما الطعامية فإنهما يشتركان في أدوار تاريخية حاسمة كبيرة في المجالات السياسية و الإقتصادية و الصحية.
نعم..ما فتيء الملح يحتل الصدارة في حقل المعاملات التجارية في منطقة جنوب الصحراء و خاصة في منطقة الترارزة.. فإذا كان الباحثون في تاريخ المنطقة يسهبون في ذكر الذهب باعتباره أهم وسائل التبادل التجاري في بلاد الصحراء و السودان،فإنهم يُجمعون على أن الملح كاد يكون منافسه الأول في هذا المجال نظرًا لجملة من العوامل منها أن انتشاره في هذه الربوع أكثر و أن حاجة الناس إليه أكبر. و لعل أكبر دليل على منافسته إياه ما ذكره بعض الدارسين من أن قطعة الملح بلغتْ مرة درجةَ أن أصبحتْ تتم مُقايضتُها بضعفيْ وزنها من الذهب الخالص !
تمهيد:
كثيرةٌ هي المواقع الذي يُستخرج منها الملح في الصحراء بصنفيْه المسحوق و الصلب و لكن أهمها أربعة هي: تغازه و تاودنِّي في مالي و الجِلْ في آدرار و انترَرْتْ في الترارزة.
و يتحدث بعض الرحالة العرب عن معدن نَشِطٍ في "آوْلِيلْ" ظلتْ تستغله قبيلة ٱكداله من عهد المرابطين و لكن المؤرخين يختلفون حوله فمنهم من يعتبره في شمال الصحراء و منهم من يعتبره مجاورا لانتررتْ و متميزا عنه و منهم من يعتبر انتررتْ و آوليل هما اسمان مترادفان لمُسمى واحد مثل الباحث الفرنسي البوفسور مونو. 
و ما من هذه " المعادن" إلاَّ و له دور حاسم في تاريخ البلاد و سنُعطي لمحة مقتضبة عن مستخرج "انْتَرَرْتْ" كنموذج نستدل به على مصداقية ما نقول. 
لم يكن معدن انتررتْ باديء ذي بَدْءٍ يتميز في طريقة استخراجه و استغلاله عن غيره من المعادن المجاورة مثل " لِمْزَيْوِدْ " و "البخاري" و " اتويدرمي" المتناثرة على طول الشريط الساحلي المسمَّى "آفطوط" الممتد بين كرمسين و انواكشوط.
و لهذا التميُّز الذي حازه هذا المعدن النفيس دون أقرانه قصة رواها الباحثون الفرنسييون مَفادُها أن أمير الترارزه الأمير محمد الحبيب فوجيء مرةً بامرأةً تدفع إليه كيسًا مملوءًا من الذهب قالت إنها عثرتْ عليه صدفة في الخلاء.و لم يتكلَّفْ الأميرُ كبيرَ عَناءٍ في فك ذلك اللغز المحيِّر،بل سرعان ما استقر في ذهنه الثاقب أنه لا شك سقط من بضاعة تلك القافلة التجارية حديثة المرور من هناك في رحلتها السنوية المعتادة من الحوض إلي مدينة اندرْ على الضفة اليسرى من النهرللتعامل مع التجار الأوروبيين هناك. فما كان منه إلا أن انتدب به رسولا أمينا لا زال يقتفي أثر القوم و يتقصى خبرهم حتى لحق بهم هناك و سلمهم البضاعة الثمينة الضائعة..
و في طريق العودة، مرت القافلة بموقع انتررتْ التجاري للتزوُّد كالعادة من الملح المسحوق و صادف أن كان من بين أفرادها بعض خبروا تقنيات استخراج الملح من خلال تجربة لهم سابقة في معدن " تاودنِّي" فدفعهم الفضول إلى تعميق الحفر ففوجئوا باكتشاف صفائح صلبة عالية الجودة فحملوها معهم مُغتبطين و واصلوا طريقهم إلى حي الأمير ليقدموا إليه واجب الشكر و الإمتنان على استعادة بضاعتهم الثمينة الضائعة ..و هنالك أخبروا الأمير العادل بقصة الصفائح المستخرجة و استأذنوه في حملها معهم ففعل ، و اعتبارا من ذلك التاريخ أصبح استغلال سبخة انتررتْ يتم تحت إشراف أمير الترارزة!
وهكذا تُرجع المصادر المتوفرة تاريخ بداية استغلال الملح الصلب في معادنه الأصلية هناك إلى سنة 1262 هجرية موافق 1845 ميلادية في عهد الأمير محمد الحبيب.
و ابتداءً من ذلك التاريخ عرفت التجارة بالملح حركة نشِطَةً على امتداد الضفة اليمنى لنهر السنغال من كرمسين إلى خايْ في بلاد السودان.
و سنعرض بصورة مُقتضبة لأهم مراحل استغلال هذا المنتوج من خلال ما وصفه لنا شاهدُ عيان من الباحثين الفرنسيين تابع بنفسه سنة 1950 مختلف هذه الخطوات الرئيسية و هي: الإشراف ، و تصنيف المنتوج و تقنيات الإستخراج ،وتوفير وسائل النقل،و عمليات التسويق.
أولا:الإشراف و التسيير
تقع سبخة انتررتْ على بعد 110 كلم شمال روصو و هي تبعد مسافة 10 عن شاطيء المحيط و تبلغ مساحتُها حوالي 30 هكتارًا و تم استغلالها تحت إشراف إمارة الترارزه كما ذكرنا من قبلُ قبلَ أن تؤممها الإدارة الفرنسية فتحوِّلها من ملك مجموعة خاصة إلى ملك عام. 
و بتحوُّل الطبيعة القانونية للمعدن ، تغيَّرت طريقة التسيير رسميا إذ أصبحتْ الإدارة الفرنسية هي من يُعين مسؤولا لتسيير المَعمل يقوم بمهمة التحصيل .و لكن ذلك التحوُّل لم يُغيِّر في ما يبدو من برنامج العمل الميداني رغم المحاولات المتكررة للإدارة الإستعمارية يقول J.G.Duchemin " دو شميه " :
" إن أصول العمال و الناقلين و غيرهم يعكس نمط التنظيم التقليدي للإستغلال حيث أن هذا المعدن بما أنه كان ملكًا للإمارة فإن أولاد أحمد بن دمان كانوا يشرفون عليه بكل حرية . و لم يكن العمال منهم يمارسون وظيفتهم فيه كأفراد و إنما بصفتهم أعضاءً من مجموعة قبلية و بالتالي فليس لهم من الحقوق إلا تلك التي يُخولهم إياها حكمُ انتمائهم للقبيلة التي تتلقى مُقابل حق الإستغلال مستحقات و هدايا فضلا عن الرسوم المفروضة ". 
و يبدو أن حجم صلاحيات مسؤول التسيير لم يتغير في الواقع إذ " لم يقتصر عمله على مجرد تحصيل الرسوم 14) في المائة( مقابل استغلال أملاك خصوصية للإمارة تحولتْ إلى أملاك عامة للدولة ، و لكنه يضطلع بمهمة مراقبة الإستغلال و بموجب ذلك فإنه يوجه عملية الإستخراج فيعين لكل عامل موقعه المحدد له لاستخراج المنتوج بصورة تضمن استفادة مُعقلنة من المساحة الصالحة للإستغلال". 
و عادة ما تتم كافة عمليات بيْع المنتوج للموزعين ميدانيا بواسطة هذا المسؤول و تقضي العادة المتبعة في هذا المجال بأن يتم الإتفاق بين المسؤول المعني و قادة القوافل حول جميع الترتيبات المتعلقة بنوعية المنتوج و الكمية المطلوبة منه و الثمن المحدد. 
و قد حصل استثناء سنة 1950 كما يقول الباحث الفرنسي إذ رفض الأمير التدخل بين المنتجين و المشترين بسبب قوة الضغط الناتج عن تضاعف أعداد التجار و قصور العرض عن تلبية الطلب.
و يَعرض الباحث الفرنسي لمن تولَّى تلك المهمة من المسؤولين في ذلك العهد فيقول" لقد انتُدب لتولِّي مهمة التسيير و التحصيل طوال فترة إمارة أحمد سالم ولد ابراهيم السالم محمدْ مولود ولد اصنيْبَه باقتراح من خاله ابراهيم ولد بيْدلَّه مستشار الأمير و رجل الثقة لديه. و قد احتفظ محمد مولود بتلك المسؤولية فترة إمارة أحمد للديد ولد سيدي المتوفَّى سنة 1946 م و لم ينفصل عنها إلاَّ مدة سنة أو سنتيْن أسندتْ فيها هذه الوظيفة لأحمدو ولد أبْنُو ولد الأمانه الأبهمي من قبيلة أولاد ديمان.. و اعتبارًا من سنة 1947 و بعد وفاة الأمير أحمدْ سالم ولد ابراهيم السالم أسندتْ الإدارة هذه المهمة لنجله الأمير احبيب ولد أحمد سالم ". رحم الله الجميع.

ثانيا:تصنيف المنتوج
يتكون المنتوج ذاتُه من ثمانية طبقات صلبة متمايزة في ما بينها تفصل بينها مادة رفيفة لزجة يخالطها ماء عكر أو حبات أملاح في طور التشكل. 
.. و تحمل كل طبقة طبقا لملامحها المميزة تسمية خاصة بها و هكذا يطلق على الطبقة العلوية الأولى اسم سيخِتْ بوعصابه و على الثانية التي تليها بوعصَّابه و على الثالثة الموالية أم ٱكْناع،و على الرابعة السيخة المتكية،و على الخامسة السِّيخه البيظه و على السادسة سيخة الجمَلْ و على السابعة ازريْوِيلَه و على الثامنة و الأخيرة لِحْريْشَه.
و يقول الباحث الفرنسي إن الطبقات الثلاث الأوَّل تكاد تكون قد نفدت في عهده أي في سنة 1950 و أن السيخة البيظه و ازريويله هما الطبقتان الأكثر جودةً في المنتوج.
ثالثا:تقنيات الإستخراج
تمتد فترة اسخراج الملح طوال فصليْ الشتاء و الصيف لتتوقف تلقائيًا بنزول المطر.
أما عدد العمال العاملين في المنجم فيحدد بمائة فرد يرتدون ملابس موحدة هي عبارة عن سراويل تقف دون حد الركبة " كلصوه " و دراعة يشدها العامل على جسمه بواسطة معصم و قبعة يُحكم قبضتها على جمجمته و لحيته بأشرطة من قماش.
و لا مجال طبعًا لارتداء الأحذية نظرا للماء الذي عادة ما يغمر المكان.. ينتظم هؤلاء العمال في فِرَق من 7 أشخاص إلى 15 شخصا و يتوفر كل فريق على 4 أو 5 ابيْلات ، و 3 أو 4 اكواديم و أعمدة حديدية تتخذ رافعات لاقتلاع الصفائح كلما تمهَّد لها ذلك و بعض الأواني لنزح الماء الذي يشكل عائقًا كبيرًا وعادة ما يتفجر فيغمر المكان حتى يبلغ حد الركبة للعاملين . 
و يبدأ الدوام الرسمي ضحى و يستمر حتى بعد صلاة العصر و تتخلله استراحة شاي 
و يتم استخراج المعدن في مرحلته الأولى في شكل كُتَلٍ ضخمةٍ )من 3 إلى 4 أمتار( سرعان ما تقتطع موزعةً إلى صفائحَ متوسطة الحجم جاهزة للبيع و قابلة للحمل بسهولة يبلغ طول الصفيحة الواحدة منها من 40 إلى 50 سنتمترًا و يصل معدل الإنتاج اليومي للفرد إلى 5 أو 6 صفائح من هذا المنتوج النهائي. 
يرتب المنتوج اليومي مباشرة خارج "المصنع" استعدادًا لبيعه مباشرةً للتجار الذين ينتظرونه بفارغ الصبر. .

رابعًا : وسائل النقل و ترتيباتُه
بعد اكتمال عملية البيع بواسطة مندوب الأمير ، يظفر العمال بجلسة استراحة مُستحقة تدار عليهم خلالها كاسات الشاي من جديد قبل أن ينتدب من بينهم فريق من 4 إلى 5 أشخاص يهيئون المساحة المستهدفة للعمل في اليوم الموالي.
و هكذا يغتنم التجار ما بقي من أشعة الشمس المُودِعَةِ لترتيب بضاعتهم في شكل حمولات مناسبة يتلاءم حجمُها وطبيعتُها مع طبيعة وسائل النقل المتاحة من جمال و ثيران و حميركل ذلك استعدادا لوضعها على الظهور و الإنطلاق بها مُغلِّسين في اليوم الموالي لبيعها في المراكز التجارية المعروفة و هي كرمسين و روصو و الدويره . 
أما الجمل فحمولته هي صفيحتان من أحد صنفَيْ "ٱزريْويله" أو "الجمل" أي بوزن إجمالي من 170 إلى 180 كيلوغرامًا ، و أما الثور فتتكون حمولتُه من ثلاث صفائح من "السيخه المِتْكِيَّه" أي بوزن يتراوح بين 125 و 140 كيلوغرامًا و أما الحمار فتقتصر حمولته عند حد الصفيحة الواحدة من صنف " السِّيخه "المُنشطرة إلى نصفيْن و المُتراوح وزنُها الإجمالي من 60 إلى 70 كيلوغرامًا. 
و بالنسبة للتجار غير ملاك الدواب فإنهم يستأجرون الظهور بنسبة نصف البضاعة المحمولة .
و تستغرق رحلة القافلة المتجهة إلى روصو مثلا من 5 إلى 6 أيام و هي تتوزع إلى مراحل أولاها تتم بعد 20 كيلومترًا فقط إذ يتم تعليق المسير كل زوال لتتاح الفرصة لاستراحة الأنام و تغذية الأنعام.
أما طريق العودة فتُختزل في ثلاث مراحل فقط إذ تقتصر فيها الحمولة على ما خف وزنه و غلا ثمنه من وصايا العمال في المَعمل أو بضائع خفيفة رائجة مثل السكر و الشاي و بعض الحبوب. و على ذلك الأساس يمكن لتجار القوافل أن ينظموا معدل ثلاث رحلات تجارية شهرية.
و لعل سرعة الإياب هذه التي توحي بالغِبْطة في المسير و الجد فيه هي التي استنبطتْ منها الذاكرة الجمعية الشعبية ذلك المثل الشعبي السائد " احمَارْ انتررْتْ " الذي يضربونه لمن يَغتبط لدى الذهاب إلى وجهة معينة و لكنه ما يلبث أن يصطدم بواقع يُصاب إثره بالإحباط فينقلب حاله إلى حسرة و ندم في طريق الإياب. و كذلك الجمل فقد خوَّله هو الآخر دوره الدائب في هذا المعترك العسير أن اقتبستْ منه المخيَّلة الشعبية تمثيلها للإنسان المستقيم على مَسار واحد بتشبيها إياه ب" اجمَلْ لعديلَه".أما الثور فيبدو أن حِمْلَهُ لم يكن ثقيلا بالقدر الذي يخوله أن يُخلَّد في الموروث الشعبي بقول مأثور أو مثل سيَّار مثل ما ظفر به في دورٍ له حاسمٍ في مجالٍ آخر إذ صار في مسؤوليته تلك مَضربَ المثل للإنسان الماهر في الإختفاء وقتَ الحاجة إليه فيقال " أَرَوَّغْ من ثورْ ٱجْبِيدْ"! 
خامسا: عمليات التسويق
و نعود إلى عملية التسويق فنقول إنه يتم أساسا في مدينة روصو بالتعامل إما مع تجار محليين أو ممثلين لمؤسسات أوروبية . و ربما اتجهتْ كميات منه تقدر بنسبة 10 في المائة إلى مراكز تجارية ثانوية مثل كرمسين و الدويرة و بعض المناطق الزراعية في شمامه في مواسم الحصاد عندما يكون الغرض لدى التجار هو مُضاعفة الربح بالمُقايضة بالحبوب أساسًا.و تذكر بعض المصادر التجارية أن الذرة كانت تتم مُقايضتُها في مراكز كرمسين التجارية بعشرة أمثالها من الملح . 
و حسب الإحصائيات الفرنسية فقد بلغت المبيعات المسجلة في مركز روصو وحده من هذه المادة من سنة 1936 إلى 1949 : 79.861 طنا.
و يُقدر العدد الإجمالي للأشخاص العاملين في النشاطات المرتبطة باستخراج هذا المنتوج و تسويقه و بما في ذلك المستأجَرون لغرض المرافقة للمساعدة في الخدمات المختلفة مثل المُناولة و رعاية الدواب خلال سنة 1950 بخمسمائة فرد يُعيلون أسرهم من ما يُدرُّه عليهم هذا العمل.
و تُفيد الدراسات أن العامل في أيٍّ من النشاطات المتعلقة باستخراج الملح و تسويقه كان يحصل يوميا على مبلغ يفوق بكثير الراتب الذي كان يتقاضاه زميله في القطاع العام في كل من روصو و ٱندرْ و الذي كان محددا بمبلغ 45 افرنك افريقي فقط يوميا آنذاك. و لذلك يُصنف العاملون في هذا الميدان على أنهم يَعيشون في رفاهية " تعكسها ملابسهم و الوتيرة التي يتناولون بها كاسات الشاي الأخضر "!
و يؤكد الدارسون لذلك النشاط المتميز في تلك الحِقبة من التاريخ أن تسويق الملح المستخرج من سبخة انتررتْ ظل يمثل مصدرَ رزق هنيٍّ للعديد في مواطني مجموعة غرب افريقيا عموما عبر مختلف حلقات نقله و تسويقه انطلاقًا من مدينة روصو. 
فمن روصو حيث تنتهي المحطة الأولى للتسويق، تستأنف صفائحُ الملحِ طريقَها نحو الأسواق السودانية في اتجاهين معلوميْن.أما الأول فيجتاز به السنغال ليتجه عبر النهر صوب مدينة خايْ حيث ينقل بالسكة الحديدية إلى كوليكورو في مالي و من هناك يعبر النيجر ليصل إلى بلاد السونغاي و الهاوسَا. أما الإتجاه الثاني فيتجه به كذلك عبر النهر إلى مدينة اندر حيث ينقل إلى كوليكورو كذلك مباشرة بالسكة الحديدية. و من هنالك يتحد المساران.
و لعلَّ في سرعة تطور ثمن المنتوج ما يفسر تشعب المسار الذي آل إليه تسويقه إذْ أنه ما كان يَصِلُ إلى أوَّل محطة له في مدينة اندر حتَّى يُباعَ بضعف سعر ثمنه في مدينة روصو .و لا زال سعره يزداد باطراد بازدياد تكاليف النقل عبر مساره الطويل المتشعب. 
و يبدو أن حجم العائدات التي يدرها هذا المشروع ) 25.000.000 افرنك افريقي سنة 1950 ( قد شحذ نَهَمَ المستعمر الفرنسي بالتفكير الجاد في تطويرطريقة استغلاله باستخدام آليات حديثة لاستخراج المعدن مثل استجلاب ماكينات لضخ الماء بدل نزحه بالأيدي بواسطة الأواني و استخدام شاحنات للنقل و لكنه سرعان ما عدل عن ذلك لأسباب تخصه.
و في الأخير قد لا يستوعب أهمية هذا المنتوج إلا من نظر إليه في سياقه التاريخي فتصور ما كان يُحظي به من هالة و تقديس لم تحظ بها أية مادة أخرى حتى أن عادة الإحتفاظ بقطع منه في بعض المناطق كانت تُعتبر رمزا للشهامة و مَصدرا للفخر و الاعتزاز تمامًا كما هو الشأن بالمعادن النفيسة كالذهب و الفضة.. و كان له دور كبير في بعض المناسبات الإجتماعية الحاسمة في حياة الأفراد و الجماعات.
إن منطقتنا هذه ليست ذات تقاليد راسخة في مجال توثيق العقود و خاصة منها الإجتماعية كما هو الشأن في بعض الولايات الأخرى من الوطن ، ولولا ذلك لكان التاريخ قد احتفظ لنا بعقود تجسد حجم ما كان هذا المنتوج يتبوّأه من مكانة كبيرة في حياتنا السياسية و في مُعاملاتنا الإقتصادية و الإجتماعية..فنصادف مثلا في مخطوطاتنا النادرة عقودا موثقة مثل هذا الذي كتبه و شهد عليه في الليلة الأخيرة من جمادى من عام 1284 هجرية موافق 1867 ميلادية عالم مدينة شنقيط التاريخية العلامة فلان بن فلان و هو عقد زواج فلان بن فلان لفلانة بنت فلان و" وقع العقد على صداق مبلغه خمسمائة عديلة نصفها حال و نصفها مؤجل لثماني سنين، و شرطتْ عليه طلاق زوجه السابقة و أن لا يتزوج عليها و لا يتسرَّى و لا يُخرجها من بلدها ، فإن فعل شيئا من ذلك فأمرها بيدها .و قبل فلان هذا كله و السلام" .

رحم الله السلف و بارك في الخلف.

لمطالعة الأصل اضغط هنا