الحكام الجدد وسياسة الصندوق الأسود

خميس, 2018-06-07 14:56

بقلم: البشير ولد سلمان

كان هولاكو وجيشه من المغول على مقربة من بلاد الإسلام لغزوها ، وكانت الدولة تمر بأزمة اقتصادية حادة ، فاستفتى الحاكم قطز مفتيه العز بن عبد السلام في فرض الضرائب على الشعب لتجهيز الجيش لمحاربة التتار ، فكان رد الشيخ المفتي : أن يبيع الحكام والأمراء والوزراء ما يمتلكون ، ويقتصر كل منكم - المفتي مخاطبا الحاكم - على فرسه وسلاحه، و تتساووا في ذلك مع العامة ، وأما أخذ أموال العامة مع بقاء ما في أيديكم انتم الحكام والوزراء و قادة الجند من أموال وآلات و مقتنيات فاخرة ، فلا !

وفورا قام الحاكم قطز رحمه الله بتنفيذ الفتوى ، وبدأ بنفسه و ممتلكاته ، و بمن حوله من حاشيته من أمراء و وزراء ، ولم يضطر بعدها لفرض أية ضريبة على شعبه , لأن ما كان في حوزة الأمراء و الوزراء و أصحاب المناصب العليا في الدولة كان كافياً لسد العجز الحاصل .... " فهل من مدكر " ,

 رحم الله العالم الفقيه ، و ما أحوج الأمة اليوم لفقهاء أمثاله , وهل من حكامنا اليوم من يحذو حذو الحاكم قطز ؟ الذي هزم التتار بفضل الله مستعينا برأي العالم الفقيه و مضحيا بممتلكاته في سبيل تعزيزدولته . أين حكامنا وأمراؤنا ورؤساؤنا اليوم من ذلك ؟ ومتى يتخلوا عن سياسة " الصندوق الأسود " والميزانية المفتوحة والراتب غير المصنف . صندوق أسود مبهم غامض ذريعة لنهب المال العام و سرقة "رسمية " من خزينة الدولة ، فبأي حق استحللتم أموال الشعوب ؟ أهو مفهوم الحاكمية و الاستغلال الخاطئ للدين والحجج الواهية وثقافة النفاق والخداع " أطويل العمر " و " طاعة ولي الأمر " وغيرها من الذرائع والحيل وكلها لنهب أموال الشعوب , فكيف تفعلون ؟ وتشغلون الناس بالبرلمان و مجالس الشورى و الحريات فيخوضون و يلعبون في تلك المتاهات وفي آخر المطاف تقولون لهم : عبروا, صوتوا, انتخبوا اعملوا ما شئتم لكن كونوا علي يقين أن : " الدولة هي انا " ولن أسلمها لغيري و المال " مال قيصر لقيصر" , أتصرف فيه كيف أشاء وقت ما أشاء فيصعد "علماء السلطان" علي المنابر ويباركون المقام و المقال ويأتي المعجبون ويقولون انه لولا هذا الحاكم لما كان مطر ولا شجر, ولا ليل و لا نهار و لا نمو ولا ازدهار , و هكذا , ...

أفيعقل هذا ؟ و نحن أمة الاسلام , خير أمة أخرجت للناس, فأية ثقافة و أية سنة تتبعون يا حكام ؟ ثقافة " الراعي والقطيع" أم سنة الحاكم صاحب المرقعة الذي حكم دول مجلس التعاون واليمن و سوريا و العراق و ايران و تركيا ومات وهو لا يمتلك قصرا ولا أموالا لكنه ترك دولة وبيت مال وعدة قوية وجاهزية قتال .

أما الغرب فحكامهم زاهدون في الدنيا ، حاكم بسيارة واحدة عادية و منزل بسيط ، يجوب الأسواق و يأكل الطعام و يمشي في الطرقات ويلتقي بالعامة , سنة الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه تطبقها ميركل حاكمة ألمانيا و يطبقها حكام الغرب اليوم , وحكامنا غارقون معظمهم في الولائم و الأفراح و الحفلات , يتنافسون علي امتلاك السلاح لا " للدفاع عن النفس علي الأقل " انما لحوزة أكبر عدد من الشركات و المحلات , يتنافسون علي تشييد أكبر قاعة أفراح لا علي صناعة أكبر راجمة صواريخ , أضخم وليمة لا علي امتلاك أضخم دبابة , يتنافسون علي أسرع ناقة لا على أسرع طائرة مقاتلة , أشهى خروف لا على انتاج انجع أدوية .... فسبحان الله وصدق رسول الله صلى الله عليه و سلم ..

توجه غريب , مفارقة كبرى و نحن مسلمون " المال و لا شيء سوى المال " والقافلة تسير والقطيعة بين الاسلام " نصوص " و الاسلام " معاملات " تزداد ويزداد التدهور والانهيار, ويستمر الحكام في الخداع و في نهب المال العام.

في الغرب أيضا تلاعب بالمال، لكن ثمة قوانين ردع والحاكم عندهم موظف يتقاضي راتب محدد و معروف فلا صندوق أسود عندهم و لا ميزانية مفتوحة و لا ذريعة لنهب المال العام ,عندهم كذلك حكام أغنياء , الرئيس اترامب أحد هؤلاء , لكنه لما يعمل مقارنة مع أقل حكامنا أموالا فسيجد نفسه مسكينا يتيما فقيرا