الإِدَارَةُ المُورِيتَانِيّةُ وآَفَةُ "صِدَامِ الصّلاَحِيّاتِ"

خميس, 2018-11-01 15:47

سألني أحد الشباب ضمن محطات ووقائع محاضرة ألقيتها حول موضوع "المجالس الجهوية وتحديات التأسيس" عن أبرز التحديات التي يتعين على المجالس الجهاتية مواجهتها فقلت قاطعا غير متردد: "تحدى صدام الصلاحيات"!!.

 

وتبريري لهذا الرأي هو أن هذه المجالس حديثة النشأة وينص القانون المنشئ لها على أن مشمولات اختصاصها تضم العديد من المجالات التي كانت ضمن اختصاصات الإدارة المركزية و"المصالح اللا محورية" (les services déconcentrés)؛ وإذا لم توفق جهات الوصاية في "ترسيم حدودٍ وعوازلَ" لاختصاصات الجهات والبلديات والسلطات الإدارية والمصالح الفنية اللا محورية فإن "صدام الصلاحيات" سوف يُفَرْمِلُ التأسيس القويم والانطلاق السليم للمجالس الجهوية.

 

ومعلومٌ لدى أهل الاختصاص أن صدام الصلاحيات هو أكبر آفات الإدارة الموريتانية ويندرُ أن يسلم منه مرفق عمومي وتتجلى انعكاساته السلبية: "حروبا إدارية داخلية" وتعطيلا للمرافق العمومية وخصما من هيبة الإدارة وتمكينا "لمُنَاوِلِى النميمة والوشاية" من منتسبي الإدارة ومن أبرز أسباب صدام الصلاحيات:

 

أولا: "الاستبداد الإداري": ويقصد به "الظاهرة المتواتِرة لجُنُوحِ بعض المسؤولين من "الدرجة الأولى" (وزراء ومدراء) إلى "السطو" والاستحواذ على كافة صلاحيات مرؤوسيهم المنصوص عليها قانونا ونُظُمًا وعرفا مما يؤدى إلى "تمرد"بعض المرؤوسين مُتَمَتْرِسِينَ خلف القوانين والنظم والأعراف المعمول بها مما يفضى غالبا إلى عرقلة عمل المرفق العمومي بفعل "صدام الصلاحيات"؛

 

ثانيا: "المُدَاخَلاَتُ الاختصاصيةُ": وأعنى بهذا المصطلح "تنازع الاختصاصات بين المرافق الإدارية بفعل تكرار نفس الاختصاصات والصلاحيات بالنظم الضابطة لمرفقين إداريين أو أكثر مما يؤدى إلى "احْتِرَابٍ إداري" شبيه سخونةً و إِسْفَافًا و"خَرْمًا للمرُوءةِ" بما اصْطُلِحَ على تسميته في يوميات وسَرْدِيّاتِ معالجة عشوائيات نواكشوط "بالمداخلات بين القطع الأرضية"!!.

 

ثالثا: تعارض وتنافر الاختصاصات: تسبب نقص المصادر البشرية الكافية "للتمحيص القَبْلِيِ" لمشاريع القوانين والمراسيم والمقررات والقرارات إلى "تعارض وتنافر" بعض النصوص القانونية والتنظيمية.

 

وتجلى أحيانا - غير نادرة - تعارض وتنافر و"تلاغى" بعض الصلاحيات والاختصاصات في صدام بين المرافق الإدارية مما يجدد المطالبة بترفيع الإدارة العامة للتشريع إلى "مجلس أعلى للإدارة والتشريع" يجمع على غرار ما هو حاصل ببعض الدول كفرنسا بين الاختصاص الاستشاري نصحا للحكومة والقضائي الإداري حسما للمظالم الإدارية؛

 

رابعا: رَمَادِيّةُ ولا قَطْعِيّةُ الاختصاصات: تعانى بعض النصوص الناظمة لصلاحيات واختصاصات بعض المرافق الإدارية من "ضعف في التحرير القانوني" مما أضفى  على الصلاحيات المُبَوّبَةِ رماديةً ولا قطعية شجعت وجود أكثر من تفسير واحد لتلك الاختصاصات وأكثر من مرفق إداري يدعى "حيازة" تلك الصلاحيات والاختصاصات.

 

ومهما تعددت أسباب "صدام الصلاحيات" فإن الحل واحد و هو الانتباه إلى واجب صياغة وتحرير النصوص الضابطة لاختصاصات وصلاحيات المرافق الإدارية صياغة وتحريرا يُرَسّمُ حدودا وعوازل واضحة لا شِيّةَ فيها ولا تحتمل التأويل ولا التفسير بين صلاحيات المرافق العمومية.

المختار ولد داهي - سفير سابق