شدوا الأحزمة..

خميس, 2019-06-13 15:31

محمدو ولد البخاري عابدين

والزموا مقاعدكم و" امتنعوا عن التدخين " حيث تستعد " الباء " للإقلاع من خانات المترشحين لرئاسيات 22 يونيو 2019 لتحط على مدرج خانة المرشح محمد ولد الغزواني على البطاقة الانتخابية منتزعة بذلك حسمه للنتيجة في الشوط الأول من هذا الاقتراع، بالضبط مثلما أقلعت من خانات مترشحين سابقين لرئاسيات 2009 وحطت على مدرج خانة المترشح محمد ولد عبد العزيز، حاسمة فوزه في الشوط الأول من تلك الرئاسيات..

تقنية لم نسمع بها ولا عنها لا في آباءنا الأولين ولا المتأخرين، ولا في ما توصل إليه العلم المعاصر ولا التكنولوجيا الحديثة، ولم نسمع كذلك باستخدامها في أي من البلدان التي سبقتنا للانتخابات وتكنولوجياتها وطرق التحكم في نتائجها.. تقنية تعمل على تحليل الحبر الجاف في صورة حرف أو شكل إلى سائل أو بخار ينتقل في النسيج الورقي للبطاقة الانتخابية من الأسفل إلى الأعلى طبقا لقانون الجاذبية المضادة التي لا تزال هي الأخرى على طاولة البحث ومثار جدل بين العلماء هل هي حقيقة أم خيال، ليتجمع ذلك الحبر من جديد بفعل عوامل أو تقنية أخرى لا نعلمها، ويتشكل مرة ثانية على شكله الأصلي مستقرا في مكان آخر غير المكان الذي وضع فيه، مانحا فوزا " مغشوشا " لمترشح رئاسي " غريب " لم تكن له مكانة ولا حظوظ، ولم يكن في الحسبان فوزه طيلة الإعداد للرئاسيات وطيلة الحملة الرئاسية ومؤشراتها وتوجهات الناخبين خلالها... نازعا " فوزا مستحقا " من مترشح آخر كانت كل المؤشرات توحي بفوزه المحتوم!

إن الأحداث بعد أن يمر عليها بعض الوقت تصبح في حكم التاريخ ويسجلها المعنيون بها في مذكرات وينشرونها للرأي العام قصد الاستفادة.. وهذا ما كنا نتوقعه اليوم ممن لجؤوا لهذا النوع من أنواع الطعون في نتائج الانتخابات صبيحة إعلان نتائج رئاسيات 2009 ويقولوا لنا، بعد أن مرت على ذلك عشر سنوات، من هو ذلك " الرداح " الذي أشار عليهم بمسخرة " الباء الطائرة " كمبرر لخسارتهم في تلك الانتخابات، لا أن يعيدوا لنا الحديث عنها مجددا ويقول أحدهم إن اللجوء إليها لا يزال قائما وبقوة هذه المرة! وإن كان الكثيرون منهم، بعد التحرر من الحرج السياسي، أو كنوع من الاعتراف بالحقائق والواقع بفعل إلحاح الضمير، قد أعترفوا بعد ذلك بأن فوز الرئيس محمد ولد عبد العزيز في تلك الانتخابات كان منطقيا وله ما يبرره من حيث كاريزما الرجل وبراعته السياسية ( الماه طارحه أعليه العار ) بالنسبة للبعض كعسكري خالع لبزته منذ أيام فقط، وحجم الاستجابة والتفاعل مع خطابه دون الحاجة للجوء للتزوير التقليدي المتاح أحرى " التكنولوجي الافتراضي"!

ستسمعون، وقد سمعتم، الكثير من الشائعات حول " الخطط الجاهزة " لتزوير انتخابات 22 يونيو والتحكم المسبق في نتائجها لأن السلطة " مرعوبة " من قوة المنافسين، وسترون الكثير من الفبركات كتلك التي رأيتموها في صورة مئات الرزم من البطاقات الانتخابية المخزنة في مخازن الجهة الفلانية.. وستسمعون عن، بل وسترون خلال يوم الاقتراع صورا مفبركة للمئات من بطاقات الناخبين للمرشح الفلاني، الذي لا يُراد له الفوز، وهي مرمية في حائط مكتب التصويت كذا في المدينة كذا والقرية كذا، وستسمعون شائعات أخرى مبتكرة، حيث هناك خلايا في إدارات حملات بعض المترشحين مختصة ومتخصصة في " إبداع " وابتكار شائعات وفبركات وإثارات جديدة غير تلك التي أُستهلكت ولم تعد تقنع أحدا..!

وقد تابعتم الضجة التي رافقت وقوع اختيار لجنة الانتخابات على شركة محلية قدمت أفضل عرض لطبع البطاقات الانتخابية محليا، وأن لا تفسير لذلك سوى النية المبيتة في تدوير هذه البطاقات يوم الاقتراع لصالح مرشح السلطة.. لكن لجنة الانتخابات كانت في الموعد فقدمت المبررات الواضحة لذلك القرار، كما قدمت للمترشحين طريقة تطمئنهم من خلال التأشير بإشارة أو رمز أو ختم خاص بالبطاقات الانتخابية التي سيكون بإمكانهم التأكد من أنها هي فقط التي سيتم توزيعها في مكاتب التصويت، وهي وحدها التي سيستلمها الناخب ويصوت بها ويطويها ويدخلها في صندوق الاقتراع على أعين كل ممثلي المترشحين، وهي وحدها التي سيتم احتسابها لتمييزها بسهولة خلال عمليات الفرز عن إي بطاقات أخرى دائرة أو مُدوَّرة.

لقد أصبحنا قادرين ماديا على تمويل انتخاباتنا، ولم يعد البحث عن مصادر لتمويلها خارجيا أحد إجراءات الإعداد لها كما كان، وأصبحنا قادرين فنيا ولوجستيا على الإشراف عليها ومراقبتها من خلال لجنة انتخابية تتطور قدراتها استحقاقا بعد استحقاق، وآن لنا أن نستكمل حيازة بقية مستلزمات ومتطلبات إجراء الانتخابات بما في ذلك الاستقلال والاستغناء عن طبع كل الأوراق الانتخابية من بطاقات ومحاضر خارجيا على طريق بناء منظومتنا الانتخابية المتكاملة والذاتية، وعلى أمل أن نتمكن يوما من إجراء الانتخابات الكترونيا بعد انتشار التطبيقات الذكية لم لا!

والواقع أنه ليست المرة الأولى التي يتم فيها التفكير في طبع البطاقات الانتخابية محليا، فخلال الانتخابات العامة الأخيرة طلب من المعهد التربوي الوطني الذي يمتلك مطبعة كبيرة طبع هذه البطاقات، ولكنه اعتذر لضيق الوقت وانشغاله بطبع الكتب المدرسية.

ما هذه الشائعات والفبركات إذن إلا سدا لذريعة أو إرهاصات و" أرهاص " استباقية لنتائج أصبحت واضحة بعد أن تمايزت وتشكلت الساحة السياسية، ونطقت المهرجانات الانتخابية، وظهر حجم وحظوظ كل مترشح ومدى جاذبيته للناخبين، ومن منهم استقرت عليه والتحقت به والتفت حوله أغلب القوى الوطنية، ليس فقط تلك القوى التي كان متوقعا أن تلتف حوله، بل تلك التي كان مستبعدا أن تلتف حوله حائزا بذلك على ما يعرف بالكتل الناخبة الضاربة والصانعة للفرق..! وليجد كل من الخاسرين، أو يجدوا مجتمعين ما يواجهوا به أنصارهم كالعادة.. " تزوير فاحش وغير مسبوق " لولاه لكنا نحن الفائزون! والغريب أن هذا التزوير الفاحش والغير مسبوق تم الحديث عنه في رئاسيات 2009 ولم يجد المتحدثون عنه لإثباته سوى مسخرة " الباب الطائرة "، كما تم الحديث عنه في أعقاب الاستحقاقات العامة الأخيرة ومع ذلك كان عدد ونوع الطعون المقدمة لإثباته لا يكاد يُذكر!!

نفس الآليات والإجراءات التي جرت بها انتخابات 2018 التي خسر فيها مرشحو السلطة عدة دوائر، وعجزت السلطة خلالها أيضا عن انتزاع إحدى البلديات بعد ثلاثة أشواط هي التي ستجري بها انتخابات 22 يونيو 2019، بل وبتحسينات وضمانات إضافية وتعقيدات فنية أقل، وسيكون لمرشح السلطة ممثل واحد في كل مكتب تصويت ( عينان فقط )، و أربعة ممثلين لمرشحي المعارضة ( ثمان عيون )، واللائحة الانتخابية منشورة ومنقاة، والمحاضر ستتم تعبئتها بنتيجة فرز كل مكتب، وسيتم توقيعها من طرف جميع ممثلي المترشحين بشكل لا يقبل التصرف فيه بعديا، والمستخرجات سيتم توقيعها وتوزيعها على المتنافسين، وإن كان ذلك غير ملزم للجنة الانتخابية قانونيا كما صرح بذلك رئيسها وإنما من أجل الطمأنة أكثر.. فلا يبطأن إذن بمترشح عمله أو مكانته السياسية أو مدى إقناعه للناخبين فينحي باللائمة على جهات أو عوامل أخرى.

محمدو ولد البخاري عابدين