وزارة الاتصال؟

جمعة, 2014-08-22 23:13

صدمني اختفاء وزارة الاتصال ضمن قائمة التشكيل الحكومي الجديد، ولم تكن صدمتي بسبب عدم تجديد الثقة لوزير كان يقودها أو لعدم تكليف آخر كان يمكن أن يحل محله في إطار لعبة تبادل الكراسي الروتينية، فوزيرها الأخير الأستاذ سيدي محمد ولد محم شخصية قانونية سياسية معروفة مرموقة ذات وجاهة وخبرة زكاه الشعب انتخابا عبر صناديق الاقتراع ومنحه الرئيس ثقة مستحقة بررها الرجل خلال فترته على رأس الوزارة من خلال تطوير خطاب حكومي مسموع ووضع آليات معقلنة للحداثة والتحول، فلا خوف عليه فهو كان وسيظل أحد أركان النظام وفاعلي  المأمورية الثانية ربما من موقع أرفع وسيظل رقما سياسيا معتبرا مهما كانت طبيعة تكليفاته.

لكن المشكل هو اختفاء مؤسسة من مؤسسات الدولة المهمة في ظرف تعاظم فيه شأنها وتصاعد دورها وفي ظرف تسعى فيه موريتانيا لإقامة دولة مؤسسات وعدل وقانون في إطار اصلاح الحكامات المختلفة.
لقد كان مسار قطاع الاعلام الذي يشغل أزيد من 1000 شخص ويضم 6 مؤسسات ويتعاطي مع أزيد من 600 مقاولة اعلامية خصوصية مسارا مهما ورمزيا للغاية وعكست مكانته دائما نظرة الأنظمة المختلفة إلي قضايا الإخبار والتوجيه والترفيه والتسويق والتثقيف وإلي آليات تغيير العقليات والمسلكيات سبيلا لتسريع وتائر التنمية البشرية المستدامة.
كان دور القطاع يتعاظم وكان وما يزال يعول عليه في بناء رأي عام وطني حاضن لقيم التعددية والحداثة ونشر الثقافة الوسطية ونبذ النزعات الضيقة أيا كان مصدرها، كما كان يعول عليه في ربط ساسة البلاد وقادة رأيها عموديا وأفقيا وفي كل الاتجاهات بصورة ديناميكية تفاعلية تشاركية تعكس وجها ناصعا للجمهورية الاسلامية الموريتانية.
وانسجاما مع هذه الأدوار المتغيرة المتجددة تحولت الوزارة من وزارة للأنباء إلي وزارة للإعلام ثم إلي وزارة للاتصال ثم وزارة للاتصال والعلاقات مع البرلمان كان من مشمولاتها حتى مساء أمس تصور وتنفيذ وتقييم سياسات الدولة الاعلامية الداخلية والخارجية وانفاذ القوانين المتعلقة بحرية التعبير وتمكين كافة الموريتانيين من ممارسة حقهم في الاعلام استقبالا وإرسالا وفق مساطر قانونية مرتكزاتها الحرية والمسؤولية.
كان أيضا من مشمولات الوزارة أن تسهر على انسيابية العلاقة التكاملية بين أقطاب الاعلام العمومي والخصوصي والجمعوي وكان عليها أن تمارس التأطير والوصاية التي خولتها لها كل المنظومة القانونية المنظمة لقطاعات الاتصال.
وكان المنتظر من الوزارة في مستهل المأمورية الجديدة أن تضع السياسات الهيكلية الضرورية لتوطين تقانة صناعة الاعلام بكل تفرعاته وأن تنظم مصادر تمويله الذاتية، وأن تعمم قيم اللحمة الوطنية التي أشار إليها فخامة الرئيس بوصفها على رأس أولوياته، كذاك كان ينتظر من الوزارة "المنحلة" ان تطور باقة موريتانيا من إذاعات وتلفزات عبر الأقمار الصناعية كما وكيفا وأن تحفز الاستثمار في قطاع الاتصال وتشجع التخصص و"المأسسة" وتعمل على تطوير خدمة اعلامية مميزة تسهم في تنوير رأي عام يتعاظم دوره باستمرار.
باختصار كانت الانتظارات كبيرة والاستحقاقات الاعلامية مهمة وجوهرية ومصيرية، وهو ما جعل مفاجأة التفتيت والإلغاء كبيرة وتحتاج إلي تبرير، فإلغاء وزارة بهذه الطريقة يعيد الامور إلي الوراء ويطرح مشاكل يتطلب حلها أشهرا عديدة مثل حسم موضوع الوصايات الذي يتطلب مراجعة المنظومة القانونية لقطاع الاتصال بأسره وموضع مرجعيات الربط الإداري لمؤسسات الاتصال العمومية التي ما تزال في طور اعداد دفاتر التزاماتها.
قد يقول قائل إن إحالة صلاحيات الوزارة المنحلة لهيئة أخرى امر سهل ولكن المشكل هو تراكمات الاخفاقات والانجازات والاكراهات وحدية التوقعات والانتظارات وحساسية الاعلام في زمن العولمة فسيمضي وقت طويل لتصريف هذه التركة الثقيلة بثوابتها ومتغيراتها وسيضيع وقت وتهدر طاقات وتحدث ارتباكات واختلالات لأننا ألغينا الموجود بصورة جزافية دون تقييم ودون استشراف للموعود وهذا يؤدي حتما إلي فوضي لن تكون خلاقة بالمرة.
نتمنى أن يكون الالغاء تم عن طريق الخطأ وأن تعاد الأمور إلي نصابها بما يكسب الوقت ويصون الجهد وعندها نقيم الموجود ونحدد المطلوب ونستشرف الموعود اعلاميا على اسس علمية وبآليات أكثر جدوائية.
              سيدي الشيخ
[email protected]