الكلوروكين كدواء للكوفيد19 : ماذا يقع ؟!

أحد, 2020-06-07 14:52

لدكتور : أيمن مجهد

أخصائي أمراض القلب والشرايين

ربما وصلت إلى مسامعكم الجلبة التي أثارتها الدراسات التي أُجريت حول الكلوروكين ... و وصلكم شيء من رذاذ التراشق بين المؤيدين و المعارضين. وسط هذا الزخم و تضارب الآراء يمنة و يسرى، ماذا يجدر بالمواطن العادي أن يُصدق ؟ 
ارتأيت أن أكتب هذه التدوينة، بما يسعني من الاختصار، كي ألقي الضوء على ما يجب أن يُعلم، و أضع بعض النقاط على الحروف : 

1) الكوفيد 19 مرض مستجد، أخذ العالم على حين غرة، و بالتالي فمن الطبيعي أن تكون المعطيات العلمية حوله أولية، و أحيانا متضاربة، إلى حين تمكن المجتمع العلمي من التعرف بشكل دقيق و كامل على الفيروس و طرق علاجه و الوقاية منه (مثال : السيدا تم اكتشاف الحالات الأولى في 1981 ... و التعرف على الفيروس المسؤول في 1984 ... و اقتراح الأدوية في 1995 ... لنصل إلى تعميم الدواء على نصف المصابين فقط بحلول 2017)

2) الكلوروكين دواء فعال ضد المالاريا و أمراض التهابية أخرى، تم اقتراحه كمضاد فيروسي منذ جائحة H1N1 اعتمادا على دراسات مخبرية. أول دراسة سريرية مُقارنة أجراها Didier Raoult لكنها تحمل العديد من مكامن الضعف (عدد قليل جدا من المرضى، اختيار غير عشوائي للمرضى، سحب بعض المرضى الذين تفاقمت حالتهم من الدراسة ...) مما أثار موجة من الانتقادات العلمية، مع إصرار Raoult على فعالية الدواء دون الحاجة لدراسات أكثر موثوقية من نوع Randomized controled trials. جميع الدراسات الأخرى بعد ذلك هي غير تدخلية و تقتصر على الملاحظة و الإحصاء Observationnal studies و هي أدنى في سلم الحجج العلمية

3) هذه الدراسات الأولية قسمت العالم إلى 3 مجموعات بحسب رأيي : المنافح عن Raoult إلى حد التعصب مع إدخال نظرية المؤامرة في الموضوع و اعتماد الرأي الذي يقول أن الدواء فعال 100% رغم أنف الجميع ... المنتقد ل Raoult بشكل حاد و عدم اعتبار أي درجة من الحجية للدراسات المتاحة علميا على قلتها و ضعفها ... ثم المجموعة الثالثة (التي أحسب أن السلطات الصحية المغربية منها) التي اجتهدت في تقدير المعطيات على قلتها، و اختارت استعمال الدواء الواعد في غياب بديل مع استمرار مراقبة الأعراض الجانبية، و ترقب و إجراء دراسات أكثر موثوقية.

4) ما حصل مؤخرا هو أن فريقا طبيا من جامعة أمريكية نشر دراسة إحصائية (و ليست سريرية) في المجلة المرموقة جدا The Lancet، شملت 96.000 مريضا، و خلُصت إلى أن الكلوروكين غير فعال بل خطر. تلى ذلك وقف منظمة الصحة للدراسات السريرية على الدواء، و توقف فرنسا عن الاستعمال الاستشفائي له، فمال حزب المنتقدين لRaoult على حزب شيعته ميلة واحدة ... ثم ما لبثت أن ظهرت شكوك كبيرة حول مصداقية المعطيات و مصداقية الشركة التي قامت بالدراسة الإحصائية، دفعت المجلة لسحب المقال لعدم توفر أدلة كافية حول موثوقيته ... فقام Raoult و أنصاره بالهجوم المضاد مُنتشيا بالانتصار بعد أن كادت الدائرة تكون عليهم ! 

5) خلاصة القول ؟ دراسة Raoult السريرية ضعيفة جدا أحب ذلك أنصاره أم كرهوا ... و دراسة Lancet باطلة رغم أن المجلة تُعد من "الكتب الصحاح" للطب، و ليس هاته المرة الأولى التي يتم فيها سحب مقال بعد تبين غش أو خداع أو تلاعب في المعطيات (أشهرها مقال في 1998 ربط بين التلقيح و التوحد عند الأطفال، على نفس المجلة) ... و يبقى استعمال الكلوروكين أو عدم استعماله رأيان محترمان بالنظر للمعطيات المتوفرة و الحالة الوبائية الاستثنائية، إلى حين قطع الشك باليقين في مستقبل الأيام

6) بمن نثق ؟ بسلطات بلادك الصحية ... و بالأطباء الذين تعلم فيهم قدرا من الاستقامة الأخلاقية و النباهة العلمية. أقول هذا لأن أغلب من يتحدثون في هذه النازلة و يحللون الدراسات بكل ثقة في النفس على وسائل التواصل هاته الأيام هم ليسوا حتى أطباء ... بل خريجي معاهد الهضرة، و كليات إبداء الرأي في كل شيء، و مدارس التطاول على اختصاصات الغير. (لا أتحدث بالطبع عمن ينقل المعلومة دون التجرؤ على الفتوى في غير تخصصه)

ختاما، يقول ربنا عز و جل "و لا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا" ... الحجة العلمية و التمحيص و التبين هو الفيصل بين الآراء، و ليس الخصومات الفكرية و الأحكام المسبقة التي تُفضي إلى ترصد الزلل عوض البحث عن الحقيقة بكل صدق ... و تدفع الناس إلى مواجهة ما يعتبرونه باطلا ... بباطل أكبر منه ! 
و يقول كذلك "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" ... لا بأس أن يتطاول البعض على تحليل مباريات كرة القدم لأن ذلك لا ينطوي على شر للآخرين، لكن الفتوى في النفس و الطب، و دعوة الناس بشكل مباشر أو غير مباشر إلى أخذ أدوية أو تركها مسؤولية أخلاقية يجب أن يستحضرها أهل الاختصاص ... فما بالك بالطارئين على المجال !

الدكتور : أيمن مجهد

أخصائي أمراض القلب والشرايين