موريتانيا: ملتقى إصلاح التعليم يعزز مكانة اللغة العربية واللهجات الوطنية

ثلاثاء, 2021-11-23 10:31

أوصت المشاورات الوطنية الخاصة بإصلاح النظام التربوي الموريتاني أمس باعتماد اللغة العربية لغة تدريس في جميع مراحل التعليم. وأسهم في هذه المشاورات خمسمئة مشارك من مختلف الأحزاب السياسية الموريتانية، ومن منتخبي الشعب وممثلي المركزيات النقابية وعدد كبير من خبراء التعليم والمدرسين ومنظمات المجتمع المدني.

أي مدرسة نريد؟

يأتي هذا التشاور ضمن اهتمام نظام الرئيس الغزواني بإصلاح قطاع التعليم الذي يعاني من اختلالات كبيرة ومتراكمة منذ عقود. وتحت عنوان “أي مدرسة نريد؟”، أصدر المشاركون في المشاورات الوطنية حول إصلاح النظام التربوي الموريتاني، تقريراً ختامياً تضمن توصيات قدموا في بدايتها ما سموه رؤية مستقبلية للمدرسة التي ندين بها لأجيالنا اللاحقة”، مؤكدين “أن هذه المدرسة يجب أن تؤسس على قيم السلام السني المتسامح، وعلى الانسجام والسلم الاجتماعيين، وعلى الإنصاف والتضامن، وعلى الوحدة الوطنية، وعلى العدالة والديمقراطية، وعلى الشفافية وحقوق الإنسان في إطار الحكم الرشيد”.
“ويجب أن تضمن هذه المدرسة، حسب المشاركين، للطفل الموريتاني تعليماً متعدد اللغات يعزز التجذر الثقافي، والوحدة الوطنية، والانفتاح على الثقافات والحضارات الكونية”.
وأشار التقرير إلى “وجوب أن تكون رؤية هذه المدرسة وغاياتها موجهة نحو احترام الثوابت الدينية والحضارية القائمة على ترسيخ الهوية الإسلامية والعربية والإفريقية، والتعددية الثقافية الغنية، والانفتاح السليم على العالم”.
وأكد “أن المدرسة التي يطمح لها الموريتانيون هي التي تحدد التوازن الذي ينبغي إقامته ما بين الهوية والتجذّر الثقافي من جهة، والانفتاح الحضاري الكوني من جهة أخرى؛ وهي التي ترشد الأجيال الصاعدة إلى التحلي بالروح الوطنية والتشبّث بقيم الجمهورية، وهي التي تحدد القيم التي على المدرسة الموريتانية أن تعمل على إشاعتها ونشرها”.

أسئلة محيرة

وطرح أسئلة حول المدرسة المنشودة منها: ما الأسس التي تقوم عليها هذه المدرسة؟ وما المكانة التي تحتلها، ضمن هذه الأسس، وكيف ينبغي أن تنعكس المثل الديمقراطية على مستوى المدرسة؟ وما الاستراتيجيات التي يلزم رسمها لتكون المدرسة بوتقة تنصهر فيها فرص المساواة والتماسك الاجتماعي بما يوفّر لكل فرد، بحسب قدراته واختياراته، إمكانية اكتساب المعارف والمسلكيات والمهارات التي تضمن له النجاح على الصعيد الشخصي والمهني؟”.
وفي جانب الغايات والأهداف، أكد المشاركون في المشاورات “أنه على المدرسة المنشودة أن تضطلع بثلاث وظائف أساسية هي: التعليم، والتنشئة الاجتماعية، والتأهيل. كما أن عليها أن تتولى مهمة تكوين المواطن على فهم العالم، والتكيّف معه وتغييره، مع التجذّر العميق في ثقافته وانفتاحه على الثقافة العالمية، وذلك عبر تربية الأجيال الصاعدة على الروح الوطنية، وترسيخ الوعي لديها بالهوية الوطنية، والشعور بالانتماء إلى ثقافة غنية ذات أبعاد وطنية، إسلامية، عربية، إفريقية، عالمية”.

إتقان اللغة العربية

وضمن التوصيات الأساسية، أكد المشاركون “إلزامية إتقان اللغة العربية بوصفها اللغة الوطنية الرسمية، وأداة اكتساب المعارف على جميع مستويات التعليم، وبوصفها وسيلة تواصل اجتماعي، وأداة عمل وإنتاج فكري”، كما أوصوا بـ “ترقية ونشر التعليم باللغات الوطنية الأخرى والعمل على تطويرها لتتمكن من أداء المهمات التعليمية؛ مع إتقان ما لا يقل عن لغتين أجنبيتين كوسائل انفتاح على العالم وكسبل للوصول إلى مصادر المعلومات والتبادل مع الثقافات والحضارات الأجنبية”، كما أوصى المشاركون بـ”التحكم في تقنيات الإعلام والاتصال واكتساب القدرة على استخدامها في جميع المجالات؛ إضافة إلى ممارسة النشاطات الرياضية، والثقافية، والفنية، والترفيهية، والمشاركة في الحياة المدرسية والأهلية”.
وعن كيفية إرساء دعائم المدرسة المنشودة، أوصى المشاركون بتوحيد النظام التربوي الوطني، تحقيقاً لخيار المدرسة الجمهورية الذي وعد به الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني في برنامجه الانتخابي، وهو ما أكدوا أنه “يستلزم ترتيبات جديدة تتيح توحيداً مستداماً للنظام التربوي الموريتاني على قواعد صلبة، حول مدرسة جامعة تمثل بوتقة موحدة يجد فيها كل الموريتانيين ذواتهم، على تنوعهم الثقافي”.
ومن هذه الترتيبات، حسب التقرير الختامي، إعادة هيكلة التعليم ما قبل المدرسي وتوسيع تغطيته، واستكمال تعميم التعليم الأساسي وتحسين فعاليته ومردوديته،
واتخاذ التدابير المناسبة والشروط اللازمة للتطبيق الفعلي لإجبارية التعليم التي أقرها القانون الصادر عام 2001، مع إقامة عرض تعليمي غير مصنف لاستقبال الأطفال الذين هجروا الدراسة مبكراً وأولئك الذين لم يلتحقوا بالمدرسة في الوقت المناسب، وذلك لمنحهم فرصة ثانية، وخلق مناخ تعليمي لا يقصي أي طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة، مع دعم التمييز الإيجابي وتطوير آليات لتقليص الفوارق بين الجنسين، مع إعادة النظر في دور ومكانة التعليم الخاص مع مراعاة حقوق الأطفال وأسرهم”.

اللغات الوطنية أولاً

وحول إشكالية لغة التعليم، أكد المشاركون في المشاورات “أنه آن للنظام التربوي الموريتاني أن يخرج من شرنقة الثنائية التي تفرض عليه الخيار بين العربية والفرنسية في ظل ازدراء اللغات الوطنية الأخرى البولارية، والسوننكية، والولفية، ذلك أن جميع اللغات الوطنية الموريتانية متساوية من الوجهة الدستورية””.
وأوصى المشاركون “بأن يتلقى الأطفال الموريتانيون التعليم في جميع المستويات باللغات الوطنية، وهي:العربية، والبولارية، والسوننكية، والولفية؛ وبأن يتعلم كل طفل عربي موريتاني على الأقل إحدى اللغات الثلاث البولارية، أو السوننكية، أو الولفية”.
وأوصوا “بأن تُدرّس العربية لجميع الأطفال غير الناطقين بالعربية بوصفها لغة تواصل وبوصفها ناقلة لمضامين المواد الأخرى؛ وبأن تُدرّس العلوم في بداية المسار الدراسي باللغات الوطنية لترسيخ استيعاب المعارف
وتفادي تشتّت ذهن الطفل في تعلم لغة التدريس وتعلم المضامين المدرّسة في الوقت ذاته؛ كما أوصوا بأن تُدرّس الفرنسية ابتداء من السنة الثانية الأساسية بصفتها لغة تواصل ومن منظور إمكانية استخدامها لغة تدريس لبعض المواد العلمية في المراحل ما بعد الابتدائية؛ وبأن تُدرّس الإنكليزية انطلاقاً من السنة الأولى لما بعد الابتدائية”.

تعزيز مكانة اللغة العربية

وفي كلمة أمام الجلسة للختامية للتشاور، أكد محمد ماء العينين ولد أييه، وزير التهذيب الوطني وإصلاح النظام التعليمي، أن هذه الأيام أتاحت الفرصة لتشخيص وضعية التعليم وتدارس أنجع السبل لانتشاله من الوضع الذى يعيشه”.
وأضاف “أنه استناداً إلى تقارير الأيام التشاورية الجهوية ونتائج استثمار الإصلاحات السابقة واستغلال تقرير منتديات 2013، خلص المشاركون في التشاور إلى صياغة وثيقة ترسم ملامح المدرسة التي يجد فيها كل موريتاني ذاته، وبينوا معالم الطريق التي يمكن اتباعها لتجسيد هذه المدرسة على أرض الواقع.
وأكد “أنه تم الإجماع على اختيار لغات التدريس واللغات المدرّسة بما يعزز مكانة اللغة العربية ويضمن للغات الوطنية الأخرى (البولارية والسوننكية والولفية) المكانة المناسبة ويرشّد اختيار لغات الانفتاح ويرفع من مستوى تدريسها”.
وأبرز وزير التهذيب الوطني وإصلاح النظام التعليمي أن المصادر البشرية حظيت خلال هذه الوثيقة بفائق العناية من حيث مسارات الاكتتاب والتكوين والتسيير والتحفيز بما يمكن من التجسيد الحقيقي للرفع من مهنية المدرسين ومختلف مكونات هيئات التأطير ومنحهم المكانة المناسبة والتحفيز المادي والمعنوي الملائم.

قانون توجيهي

وأضاف “أن مخرجات هذه الأيام ستشكل مستنداً لإعداد القانون التوجيهي لمنظومتنا التربوية، وإعداد خطة عشرية لإصلاح القطاع، مما سيجسد الإطلاق الفعلي للمدرسة التي نريد بطريقة محكمة”، مشدداً على “أن نجاح هذا البرنامج يتطلب تبني مخرجات هذه الأيام من طرف أطياف المجتمع كافة، وخصوصاً شركاء المدرسة، مطالباً المشاركين في هذه الجلسات بتبنيها”.

عبد الله مولود

نواكشوط – «القدس العربي»: