موريتانيا والعشر الأواخر من رمضان: طقوس ليلة القدر وأحداث غزة تكدر صفو العيد

أحد, 2024-03-31 15:15

سيكون يوم الأحد بداية العشر الأواخر من رمضان؛ تلك العشر التي يعيشها الموريتانيون في أجواء من التعبد والتبتل التام؛ فبداية هذه العشر، ليالي الأوتار، ووسطها ليلة القدر بما لها من طقوس وبما تحمله من معتقدات غريبة، وآخرها الاستعداد لعيد الفطر.

وبسبب الأحداث في غزة ومواصلة إسرائيل حربها على أهالي القطاع، فالأدعية في صلاة الجمعة وفي صلاة التهجد، منصبة كلها على طلب النصر للفلسطينيين، والهزيمة لإسرائيل، وأن ينتقم الله من العدو وممن يدعمه ويواليه.
وفي رمضان، تشيع في موريتانيا حلاقة الرؤوس لاستنبات شعر رمضان الذي فيه، حسب المخيلة الدينية والشعبية المحلية، بركة عظيمة وطرد للشياطين واستجلاب للتوفيق في شؤون الحياة.
ويكثر الموريتانيون في هذه الليالي الأخيرة من التزاور وتوزيع الصدقات وطلب الدعاء والمسامحة.
هكذا دخل الناس في معركة ليالي الأوتار منتظرين ليلة القدر التي تصادف ليلة الجمعة المقبلة والتي ستشهد، وفقا للمعتقد المحلي الموريتاني، إطلاق الشياطين من أصفادها بعد أن ظلت مكبلة منذ مستهل الشهر الكريم.
ومن الانشغالات التي بدأ التفكير فيها إخراج زكاة الفطر التي توزع على الفقراء والتي يخرجها الصائم وجوبا عن نفسه وعمن تلزمه نفقته وقدرها 2 كلغ ونصف من المادة التي هي غالب قوت البلد.
وانطلق جدل فقهي في صفحات التواصل، حول إمكانية إخراج قيمة الصدقة نقدا بدل إخراجها من الحبوب باعتبار أن الفقراء أحوج إلى قيمتها.
واهتمت النوادي الثقافية الموريتانية بشهر رمضان، حيث نظمت سهرات ناقش فيها مختصون الأدبيات الرمضانية في الثقافة العربية عامة وفي موريتانيا خاصة؛ وكان لنادي المديح النبوي سهراته التي يتابعها المئات.
وفي السهرات الثقافية السنوية الخاصة برمضان في الثقافة الموريتانية والتي تنظمها إذاعة القرآن الكريم كل عام، تحدث علماء ومؤرخون عن رمضان في الوعي الجماعي الشنقيطي، وعن مكانة الصوم في المجتمع الشنقيطي، وعن رمضان والأخلاق والعبادة، ورمضان والشعراء، ورمضان مربد العلماء، ورمضان ومشكلة ثبوت الهلال بالرؤية البصرية أو بالرؤية الفلكية.
وفي محور «رمضان في الوعي الجماعي الشنقيطي» استعرض العالم الاجتماعي محمد فال أهمية رمضان، فأوضح أن «الموريتانيين فضلاً عن تسمية أبنائهم باسمه، فهم يعتبرونه شهراً لا توجد فيه أيام النحس التي تحدث عنها أرباب هذا الشأن، فيجوز للشخص أن يسافر في أي يوم منه وأن يغسل لباسه ويحلق رأسه ويقلم أظفاره لا حرج عليه في شيء من ذلك، وكانوا يتحرون شهر رمضان لإبرام عقود الزواج التماسا لبركته».
وقال: «من بركة رمضان عند الموريتانيين أنه لا يحاسب المرء على ما أنفق فيه مما جعل بعضهم يعتقد أن الإسراف فيه جائز، ومن بركاته التي يؤمن بها العامة ولا يدركون كنهها أن الشياطين تصفد فيه وتغلق أبواب النيران وتفتح أبواب الجنان كما ورد في الحديث الصحيح، ووقعت فيه المعارك الحاسمة في حياة الأمة كان فيها النصر حليفاً للإسلام».
ونوّه محمد فال إلى «أن شهر رمضان مع ذلك، وخصوصا في أيامه الأخيرة، يقترن بنوع من الخوف والتوجس لدن كثير من الناس ولاسيما في ليلة القدر، فلا شك أنهم يؤمنون بأنها خير من ألف شهر وأن قيامها له فضل كبير، لكنهم أحاطوها بهالة من التقاليد والأساطير والمعتقدات عكرت عليهم صفوها وذكروا من ذلك إطلاق سراح مردة الجن وانتشارهم في الفضاء وانتشار الأشباح وتحرشاتها بالناس. ومن بين تلك الأساطير أسطورة رأس الحمار المشهورة، زعموا أنه يظهر لبعض الناس ليلة القدر رأس حمار بلا جسم فيقول له: قل ما تتمنى أحصله لك. فاتفق أن تعرض لرجل معروف بالجبن فقال له: قل ما تتمنى قال: أتمنى أن تخرج عني فورا فلا تراني ولا أراك.. فأرسلها مثلا».
وفي محور «رمضان ومشكلة ثبوت الهلال» استشعر المحاضر معاناة الموريتانيين من قضية ثبوت رؤية الهلال ودخول الإذاعة على الخط في مجتمع الستينيات، وإشكالية اعتراف علماء البدو بتلك الآلة، مضيفا أنه تم اليوم تجاوز تلك الإشكالية بفضل الوعي المدني.
هكذا دخل الموريتانيون العشر الأواخر من رمضان بروحانية عالية، وبتفاعل ديني كبير مع ليلة القدر، وهم ينتظرون أفراح العيد الذي هو الجائزة الربانية للصائمين القائمين، وإن كان الوضع المتأزم في غزة، وارتفاع تكاليف الحياة يعكران صفو ذلك كله.

عبد الله مولود

نواكشوط ـ «القدس العربي»