مجموعة «توتال» الفرنسية العملاقة للنفط تفقد كريستوف دو مارجوري رئيس مجلس إدارتهاها

أربعاء, 2014-10-22 12:08

لقي كريستوف دو مارجوري، رئيس مجلس إدارة مجموعة «توتال» النفطية الفرنسية العملاقة، مصرعه ليل الإثنين/ الثلاثاء في حادث طائرة خاصة كانت تقله لدى اقلاعها من مطار فنوكوفو قرب موسكو.
واشاد الرئيس الفرنسي، فرنسوا أولاند، أمس الثلاثاء «بموهبة» دو مارجوري، مؤكدا انه كان يدافع عن «تميز» المجموعة. وقال رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس ان فرنسا فقدت «رئيس شركة استثنائيا (…) ومسؤولا كبيرا في قطاع الصناعة ورجلا وطنيا».
وفي موسكو، عبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن اسفه لخسارة «صديق حقيقي»، وقال بوتين في برقية تعزية وجهها إلى هولاند «فقدنا صديقا حقيقيا لبلدنا».
واضاف ان «رجل الاعمال الفرنسي اللامع هذا يقف وراء مشاريع مشتركة كبرى ارست اسس تعاون مثمر بين روسيا وفرنسا في مجال الطاقة لسنوات». كما اشاد بوتين «بتفاني» رئيس «توتال» في العمل من اجل العلاقات الفرنسية الروسية.
وذكرت صحيفة (فيدوموستي) الروسية ان دو مارجوري كان عائدا من اجتماع مع رئيس الوزراء الروسي ديمتري مدفيديف في منزله الريفي قرب موسكو، بحثا خلاله الاستثمارات الأجنبية في روسيا التي تخضع لعقوبات غربية على خلفية الأزمة الأوكرانية، غير ان «توتال» لم تقطع تعاملها معها.
وكان رئيس مجلس ادارة «توتال» من قادة الشركات الكبرى القلائل الذين شاركوا في ايار/مايو في المنتدى الاقتصادي الدولي الذي نظمته روسيا في سان بطرسبرغ، في ظل التوتر القائم مع الغرب بشأن النزاع في أوكرانيا.
كما ان «توتال» تشارك مع «نوفاتيك» الروسية في مشروع يامال الغازي الضخم في اقصى شمال روسيا، في وقت ادت الأزمة الأوكرانية إلى تدهور العلاقات بين روسيا والغرب إلى مستوى غير مسبوق منذ نهاية الحرب الباردة عام 1991.

رب عمل متميز ..ساخر وحازم

تميز كريستوف دو مارجوري، الذي كان متزوجا وابا لثلاثة أبناء، بروح النكتة الساخرة، والأريحية في التعامل مع وسائل الاعلام، فيما دافع بشراسة عن صورة المجموعة النافذة والمثيرة للجدل.
تولى دو مارجوري (63 عاما) الذي عرف بشاربيه الكثيفين منصب المدير العام لشركة النفط العملاقة الفرنسية في 14 شباط/فبراير 2007. وتم تعيينه رئيسا لمجلس الإدارة عام 2010.
حصل دو مارجوري على شهادته من المدرسة العليا للتجارة في باريس، وتميز باختلافه في مجموعة سادت فيها ثقافة مهندسين.
ترعرع كريستوف جاكان دو مارجوري المولود في 6 اب/اغسطس 1951 في عائلة دبلوماسيين ومدراء شركات. وبالرغم من انه حفيد بيار تيتانجيه، مؤسس امبراطورية المنتجات الفاخرة والشمبانيا التي تحمل الاسم نفسه، لم يتبع اعمال العائلة.
عام 1974 انضم إلى الادارة المالية لشركة النفط الفرنسية السابقة وارتقى جميع مراتبها. بعد صعود بطيء انضم إلى اللجنة الادارية عام 1992 وتولى الادارة العامة لـ»توتال» الشرق الاوسط عام 1995.
هذه التجربة اكسبته شهرة كمفاوض لا مثيل له ومطلع بدقة على منطقة استراتيجية لا سيما بالنسبة إلى شركة نفطية.
وروى احد المدراء بعد تولي دو مارجوري اعلى مناصب المجموعة ان «احدى نقاط قوته الاهم هي تمكنه من انشاء وابقاء علاقات شخصية وثيقة مع قادة تلك الدول. فقد كثف اللقاءات وجها لوجه والرحلات وفرض وجود المجموعة في المنطقة.»
عام 1999 بعد اندماج «توتال» مع مجموعة «بتروفينا» البلجيكية، تولى دو مارجوري الادارة النافذة لقسم التنقيب والإنتاج التي تولاها من قبله ديماري. وقد احتفظ بهذا المنصب بعد استحواذ «توتال» على شركة «إلِف أكيتان» في العام نفسه.
صنع دو مارجوري لنفسه سمعة مدير متحمس ومنفتح على النقاش. وافاد زميل له انه «يتلاعب بالفكاهة بقدرة هائلة مع الاحتفاظ دوما بالحزم والتصميم».
وصل كريستوف دو مارجوري إلى راس «توتال» وسط كم من المتاعب القضائية، من القضايا المتعلقة بغرق ناقلة النفط اريكا عام 1999 (التي ستؤدي إلى إدانة المجموعة) إلى عدة قضايا حول اتهامات بالفساد.
بعيد تعيينه أمضى دو مارجوري اكثر من 24 ساعة موقوفا ومغلول اليدين بعد تجريده من حزامه ونظارته في إطار قضية فساد على علاقة بايران.
كما طالته قضية «النفط مقابل الغذاء» في العراق، وامضى ثماني سنوات من الملاحقات تخللتها محاكمة طوال شهر قبل حصوله على تبرئة مدوية في محكمة الجنح في باريس، مثل المتهمين الآخرين جميعا.
في عالم الاعمال الذي يتوخى اللباقة، تميز دو مارجوري بصراحته الفجة. بالتالي تمكن من البقاء في الاذهان واثار جدلا وطنيا في نيسان/ابريل 2011 عبر توقعه ان يتجاوز سعر الوقود يوما ما 2 يورو لليتر.
كما رد دو مارجوري بلا كلل على الانتقادات الموجهة إلى مجموعته، سواء بشأن بدء انشطتها في بورما، او انفجار معمل «آ.زد.اف» في تولوز، وكذلك ارباحها الهائلة، واستغلال الغاز الحجري الذي ندد بمنعه في فرنسا.
وصرح في ايار/مايو 2009 ان «اغلبية الناس عندما يسمعون حديثا عن «توتال» يجهلون ما هي لكنهم يعتقون انها سيئة».
تحت ادارته سَرَّعت «توتال» في السنوات الاخيرة استثماراتها في الاستكشاف لتلبية اهداف طموحة على مستوى تنمية إنتاجها النفطي، فيما اوقفت حيزا مهما من الانشطة.
وتعتبر روسيا بلدا مهما في استراتيجية المجموعة التي تطمح إلى تحويلها إلى منطقة إنتاجها الرئيسية للمحروقات مع حلول 2020.
في الوقت نفسه، لم تتردد المجموعة في اعادة هيكلة انشطتها في فرنسا، فاغلقت مصفاتها في دانكرك عام 010، واعادت ترتيب مجمعها البتروكيميائي في كارلنغ في منطقة موسيل على ما اعلنت في العام الفائت.

توتال أكبر شركات فرنسا

تتصدر مجموعة «توتال» الشركات الفرنسية على مستوى حجم الاعمال والارباح، وهي من كبرى الشركات العملاقة في قطاع النفط والغاز العالميين وتنشط في جميع القارات.
فمع حجم اعمال عام 2013 بلغ 189.5 مليار يورو وحوالي 100 الف موظف ووجود في اكثر من 130 بلدا، تصدرت المجموعة بفارق كبير الشركات الفرنسية على مستوى ضخامة اعمالها.
كما انها الأولى فرنسيا من حيث الارباح، حيث سجلت ربحا صافيا معدلا بلغ 10,8 مليارات يورو في العام الفائت.
لكنها باتت الثانية في فرنسا على مستوى قيمتها في البورصة، بعد ان احتلت الصدارة مطولا، وتأتي خلف شركة «سانوفي العملاقة» للصناعات الدوائية، التي كانت فرعا سابقا في المجموعة النفطية.
وصباح أمس بلغت قيمة «توتال» في البورصة حوالي 102 مليار يورو، مقابل 107 لـ»سانوفي».
عالميا تحتل المجموعة النفطية والغازية حاليا المرتبة الخامسة على مستوى الشركات المدرجة في البورصة على مستوى الرسملة (يستثني هذا التصنيف بالتالي الشركات النفطية الحكومية على غرار أرامكو السعودية) وتأتي بعد العملاقة الاميركية «إكسون موبيل»، والصينية «بتروتشاينا»، والبريطانية-الهولندية «شل» والمجموعة الأمريكية «شيفرون».
وتنشط «توتال» في مجل اعمال النفط والغاز من استكشاف واستغلال مخزونات المحروقات، إلى التكرير والبتروكيمياء وتوزيع المحروقات. كما وسعت انشطتها في السنوات الاخيرة فاستثمرت في الطاقات المتجددة ولا سيما الطاقة الشمسية.
انشئت المجموعة التي تتخذ مقرا في منطقة لا ديفانس قرب باريس عام 1924، تحت تسمية الشركة الفرنسية للنفط (سي.بي.إف)، التي هدفت إلى ادارة الحصص الفرنسية في شركة النفط العراقية.
عام 1985 اعيدت تسميتها «توتال- سي.بي.اف»، ثم «توتال» باختصار عام 1991.
واتخذت المجموعة شكلها الحالي مع حلول الألفية الثانية بعد حيازتها بالتوالي على شركة «بتروفينا» البلجيكية عام 1999، ثم عام 2000 على منافستها الفرنسية الكبيرة «إلِف أكيتان» التي كانت شركة نفطية عامة قبل خصخصتها عام 1994.