عن الديمقراطية ، العبودية ، الحقوق / داديوه بوبو

جمعة, 2014-11-21 22:29

لا أرغب إطلاقا في الخوض في ترهات السياسة ولست من أهل هذا الفن رغم تقديري لأهل السياسة والمنشغلين بها لأن ذلك باعتقادي أحد أهم الفنون التي تهم الأمة وتدفع بها نحو غد مشرق ما دامت تجاذبات أهل السياسة تصب في خدمة الوطن وأهله وتهدف إلى وحدته وتحارب تفرقته تلك هي السياسة والديمقراطية.  

 و ليست الديمقراطية - كما يفهمها بعضنا – انتهاك لحرمات الدين والوطن والأخلاق والمقدسات ، وليست الحرية تعالي على القيم ودوس على النظم والتشريعات .

ولا جدال في كوننا أصبحنا نعيش حالة "اللا اطمئنان" بسبب حرية مقيتة  إذ لم تستوعب بعض نخبنا للأسف الشديد أساليب العيش في كنف مصطلحات الديمقراطية ، الحرية ، العدالة ، المساواة ، ولم تقدر وسائل إعلامنا حدود الحرية ودلالات التحرير السمعي البصري .

في بلد يدين جميع أهله بالإسلام تستباح الأعراض، وفي بلد المالكية يهان أئمة المالكية ومشايخها وعلماؤها ونعتبر هذا من باب الحرية !

وفي وطننا تجرأ مجموعة من طيفنا الوطني المسلم على تحدي السلطة العمومية ومنابزة فئات أخرى وكأن كل هذا من باب الحرية والديمقراطية .

وفي وطننا يقرر بعض دعاة الدفاع عن الحقوق استهداف أموال الآخرين وأملاكهم بأساليب التحريض والتأويل وكأن هذا من باب العدالة.

وفي وطننا تهان المؤسسة العسكرية ويقدح في شخص رئيس الجمهورية وفي بلدنا لا تتوقف حرية الفرد مهما مست من حريات الآخرين وفي بلدنا لا تحترم المقدسات!.

وفي وطننا تصر وسائل الإعلام على استضافة من يتبنون هذا التوجه وينتهجون التطرف فلسفة وسلوكا وعقيدة لينشروا خطابا طائفيا تعج منه روائح الكراهية والحقد والضغينة بأساليب المزايدة والتضليل وبطرق الشطط واللغط وكأن هذه هي حرية الإعلام !

أعتقد أننا بحاجة إلى تصحيح المسار وبعث روح الديمقراطية والحرية والعدالة.

أجزم بأن الديمقراطية لم تعني يوما أكثر من تمكين الشعب من أن يحكم نفسه من خلال دستور يصادق عليه معظم مواطني البلد وإتاحة الفرصة للمواطنين في اختيار من يرونه الأمثل لتولي مقاليد الحكم في البلاد من خلال انتخابات حرة ونزيهة وهي الحالة التي عاشتها موريتانيا2014 باعتراف جميع المراقبين والهيئات .

وأجزم أن الحرية لم تعني يوما أكثر من تمكين الفرد من التعبير عن رأيه بأساليب متحضرة وهي الحالة التي تعيشها البلاد منذ سنوات حسب شهادات الجهات الدولية المهتمة.

أما حرية الإعلام وتحرير الفضاء السمعي البصري فإنه يعني تمكين المواطن من الحصول على الأخبار الدقيقة، وتوجيه الرأي العام وإنارته بما يخدم البلاد وأهلها دون التعريض بالوطن وأهله وإهانة مقدساته.

نحن بحاجة إلى توجيه هذه الجزئيات التي ينبني عليها أي عمل ديمقراطي فهذه الجزئيات هي أصول الديمقراطية والحرية وهي خطوة البداية في مسيرة الألف ميل وإذا كانت الخطوة الأولى عكس الاتجاه فإن مسيرة الألف ميل ستصل في غير نقطة المبتغى .

على الكل أن يعمل على توجيه المسار بإرساء ثقافة الديمقراطية الحقيقية وبتهذيب الإعلام والحريات لئلا يخرج عن القاطرة وأن نقبض بيد من حديد على كل من تسول له نفسه المساس بأمن الوطن وأهله وبالمقابل العمل على تحقيق العدالة ومحو آثار العادات المشينة من رق وتهميش وأن نناقش كيف نحقق أهدفنا بما يضمن السعادة للبلاد وأهلها بأساليب الحوار المشفوع بالتآخي والسلم الاجتماعي ، وعلى كل السلط أن تستظهر دورها بعيدا عن التخاذل مهما كان الثمن.

موريتانيا أرض الموريتانيين على اختلاف ألوانهم وألسنتهم ، ليس بها اليوم من يستعبد الآخر نحن سواسية أمام القضاء ، في الولوج إلى المناصب ، في الاستشارة لدى الطبيب في التسجيل للتعليم في مقاعد الحافلة والطائرة والتاكسي متجاورون في المساكن والمقابر ،ديننا واحد الأبيض يؤم الأسود والأسود يؤم الأبيض.

صحيح أن الجهل لا يزال يخيم على بعض الآباء فيمنعون أبنائهم من التمدرس ويذهب هؤلاء الأبناء ضحية تصرف الأهالي وهو ما منع بعض المجموعات للأسف من بعض التألق على مستوى الكم وهو ما يفرض على الجهات المسئولة متابعة كل أب يمنع ابنه من الالتحاق بالمدرسة ليتركه عالة على أهله وعلى الأمة ومشهدا مروعا في الشارع يجمع القمامة مقابل دراهم يدفعها لذويه.

أعتقد الجهل هو جوهر القضية ، وأن كل من يشوهون مشهد الوحدة الوطنية هم ضحايا تصرفات ذويهم بالدرجة الأولى.   

على أهل الأمن أن يعملوا على استتباب الأمن وأن يقفوا في وجه كل ماكر حقود.

وعلى القضاء أن يحكم بما يراه شرعا وقانونا.

وعلى السلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية أن تمنع على القنوات والإذاعات والمواقع  ممارسة أي عمل يفكك لحمة هذا الشعب ويهدد أمنه وسكينته مهما كانت رغبة هذه القنوات في جذب المشاهدين.

وعلى أهل السياسة من أغلبية ومعارضة أن يبدوا بآرائهم في المشهد بشكل صريح مهما بلغت بهم نزوة الحكم .

 

                                                                      داديوه بوبو