«قلب الليل»… أسئلة فلسفية حول مصير الإنسان

سبت, 2014-12-13 22:44

بمناسبة ذكرى ميلاد نجيب محفوظ في الحادي عشر من ديسمبر/كانون الأول أقام استديو الأربعاء بالتعاون مع نادي الكويت للسينما احتفالية عرض خلالها فيلما وثائقيا قصيرا يحتفل فيه حرافيش محفوظ بعيد ميلاده الثالث والتسعين، وأعقبه عرض الفيلم الروائي الطويل «قلب الليل»، وهو معالجة درامية لمحسن زايد، وإخراج عاطف الطيب، وبطولة فريد شوقي ونور الشريف ومحمود الجندي وهالة صدقي ومحسنة توفيق.
الفيلم إنتاج عام 1989 مدته ساعتان، ويعد أول فيلم يقدم عن روايات محفوظ عقب حصوله على جائزة نوبل عام 1988، وهو مأخوذ عن رواية ذات طابع فلسفي صعب تقع في حوالي 150 صفحة، نشرها محفوظ في منتصف السبعينيات من القرن الماضي.
قدم للفيلم وعقّب عليه الروائي المصري شريف صالح، الذي أكد أن الفيلم من أكثر التجارب السينمائية إخلاصًا للعالم السردي لمحفوظ، حيث ابتعد المخرج عن الاستغلال التجاري محاولا تقديم تجربة سينمائية جادة توصل أفكار وتساؤلات محفوظ.
كما أشار إلى أن الرواية تبدأ من فصام وجنون بطلها «جعفر الرواي» الذي راح يروي تفاصيل مأساته مع جده صاحب الوقف الكبير، على موظف الوقف محاولا استعادة أملاكه. أما الفيلم فانتهى إلى ما بدأت به الرواية وتدرج بشكل واقعي بسيط ليصل في نهايته إلى فصام جعفر.
كما إن المقارنة تفرض نفسها ما بين «قلب الليل» التي تمثل محاولة جعفر المضنية للخلاص من سطوة وجبروت «جده» أو الأب الرمزي، والهروب من قصره أو سجنه الكبير، متحملا نتائج اختياره ومصيره وحريته.. وبين رواية «الطريق» حيث لا يشغل البطل سوى العثور على أبيه الرمزي «سيد سيد الرحيمي».. وإن اتفق بطلا الروايتين في النهاية المأساوية على ارتكاب جريمة قتل.
واعتبر صالح أن المقولة الأساسية للفيلم تركز على مفهوم «الحرية» وقدرة الإنسان على الاختيار وتحمل نتيجة ذلك، على عكس معظم روايات محفوظ المشغولة أكثر بمفهوم «العدالة». ملخصا أهم مقولات الفيلم والرواية في عبارات مثل: «إنني أتمرغ في التراب لكنني في الأصل هابط من السماء» و»لن أكف عن القتال حتى أنال حقي الكامل من تركة جدي اللعين».
وتناول أيضاً رمزية الشخصيات والأحداث والأسماء مثل «الرواي الكبير»، وضياع طفلي جعفر في الحياة، أحدهما كتب عليه الفقر، والآخر كتب عليه الثراء، مشيرًا إلى أن شخصية البطل ذاتها بها الكثير من الضعف والتناقضات التي كانت السبب في تحولاته الدراماتيكية.
وختم بالقول إن الفيلم رغم جودته لكنه لم يقدم كل مقولات الرواية، كما أنه تأرجح في مستواه الفني، حيث جاء أكثر تميزًا في نصفه الأول على مستوى الصورة والإيقاع والنقلات، لكن النصف الثاني مال إلى التسارع وعدم الاهتمام بالكادر والفجوات في النقلات.
وعقب العرض ناقش أعضاء استديو الأربعاء الجوانب الفنية والفلسفية باستفاضة، وطرحت مداخلات كثيرة حول رموز الفيلم، وتميز عناصر التمثيل والموسيقى والإضاءة المركزة، وطغيان العتمة التي تشير إلى عنوانه «قلب الليل».
كما تطرق الأعضاء إلى ميل «جعفر الرواي» إلى تقليد غيره على الدوام، وافتقاره إلى الوعي المعرفي الذي يساعده في الاختيار وتحمل مصيره، فهو نموذج مشوه في الأساس، وإن تمسك بقيم الحرية. وكذلك ثار الجدل حول رمزية «الرواي الكبير» بوصفه معبراً عن السلطة الدينية والدنيوية. وكذلك مصادر المعرفة التي يعتمد عليها الوعي مثل الأساطير والكتب والتجارب الحياتية، وشكوك محفوظ العميقة في إمكانية الوصول إلى اليقين والمعرفة والحرية والسعادة، وهو ما انتهى بالفيلم إلى جنون البطل.

القدس العربي