رؤى

أربعاء, 2014-12-24 16:39

رأيت فيما يرى اليقظان أنني توفيت. خبأ اثنان من المعزين كتباً في حزاميهما، وقذف آخر بالتمثال النصفي لدانتي في جيب سترته الأنيقة، فيما اكتفى رابع بالنظر والسير وراء النعش.
وفي المرحاض صبّت امرأةٌ ماءَ بصل في عينيها واتّجهت صوب النافذة ليُغمى عليها.
كان الكفن شفيفاً لدرجة أنني أراهم جميعاً.

(2)

يحلم الآن بامرأة بيضاء تمارس جاكوزي، وبسيارة ذات سقف مفتوح، وأصدقاء يأتمنهم على امرأته البيضاء في الجاكوزي وسيّارتِه ذاتِ السقف المفتوح. يحلم أيضاً بفيلا مشرعة الشرفات على البحر، وبشوايات سردين يتناولها في عزلة عن الحلم… ودون أدخنة. يرى الآن البحرَ متعباً من شرفاتٍ لا تنظر إليه، والجاكوزي مطمورةَ ماءٍ في قاع دارٍ آيلةٍ للسقوط، وامرأتَه البيضاءَ صورةً يتناقلها الأصدقاء عبر الواتساب.

(3)

رأيت فيما يرى اليقظان أنني أتممت دراستي وأصبحت طبيباً يشار إليه بالبنان في تلك المدينة النائية. أتممت على مرضاي نعمتي وعالجت ضروباً من الزكام والإسهال واضطرابات الطمث والمخاض.
وفي آخر مخاض، وجدتني أنسى مقصّاً في رحمٍ ولودٍ، وأضرمُ النار في حلم أحدهم لأنه لا يملك ثمن المقصّ الذي نسيتُه في بطن أمه (أو زوجته، لست أدري).

(4)

قد لا تصدقون أمري لكنني منهك القوى، رغم أنني استيقظت مشبعاً. وقبل أن أشرع في كتابة هذه السطور، أو قبل أن أشعر بأنني منهك القوى (لست أدري)، حضّرت لي زوجتي فطوراً (أو غداء، لست أدري)، وناولتني قرص فيتامينات بنكهة البرتقال.
عندما أتذكر الآن قرص الفيتامين بنكهة البرتقال، تنتعش ذاكرتي وأدرك أنني استيقظت مشبعاً في الحلم، وأنني كنت منهك القوى في النوم.
وإذن فقد لا أصدق أمري بدوري.

(5)

يرى الآن فيما يرى المخبول أنه ارتكب مخالفة سيرٍ. تصفح الشرطي أوراق السيارة ووجد مئةَ درهمٍ بدل رخصة السياقة.
أمسكه من ياقة قميصه ودلف به قبواً بتهمة استرخاص موظف وتجاوُزِ ضوءٍ من شأنه أن يهدّد الأمن العام.

(6)

عندما ذهبت يوماً إلى سامراء لم أجد شيئاً يسرّني. وفي فندقي بجوار المئذنة الحلزونية رأيتُ المعتصم يردّد كالمجنون: «لا حيلة لي. من يناديني؟».
وضعتُ نظارتي الشمسية وصعِدت المئذنة: مسيحيّون يطالبون بما تبقّى في ذمته، ومجاهدون يقفزون على الحائط الأقصر. (عفواً، رسالةٌ إلكترونيةٌ من صديقي رياض في غزة يتساءل إنْ كنّا ما زلنا نمارس الجنس بالشكل نفسه: رجل وامرأة، وقبلة، ولمسةٌ، وشيءٌ يصلح لأن يكون فراشاً لكل ذلك. أطمئنُهُ بأنّنا ما زلنا على ذلك، وأسأله عن تلك الدار التي رأيتُها تنهار اليوم. قال إنه يعرفها. كانت تحضن ثلاثة أطفال، ورضيعاً لا ربيع له. لم يشهد من السماء شمساً ولا مطراً. جُنّت الأمّ في منتصف النهار، ومات الأبُ من ضيقِ الخاطِرِ).
أضع الهاتف في جيبي وأعدّلُ نظارتي الشمسية. تتدحرج الشمس من أعلى المئذنة وأسمعه يردّد: «أخافُني قَبلَكَ. وأرجوكَ قَبْلِي. ينادونني، ولا حيلة لي».
لا شيء يسُرّ. أعدّل نظارتي الشمسية وأقفز من أعلى المئذنة.

* قاص من المغرب

شكري البكري*