شهادات في حق الرئيس الأسبق المرحوم المصطفى ولد السالك

خميس, 2014-12-25 11:42

الرئيس الأسبق محمد محمود ولد أحمد لولي: "المصطفى ولد محمد السالك لم يرغب في الاستمرار في السلطة"

 

في البداية علينا أن نترحم على أخينا المصطفى ولد محمد السالك الذي عرفت فيه رجلا مؤمنا، ورعا، وطنيا، وخلوقا.

حين قرر ضباط الجيش الوطني القيام بانقلاب 10 يوليو 1978، فضلت النأي بنفسي عن ذلك، خوفا مما قد يحدث من أمور يمكن أن أسأل عنها بين يدي الله تعالى؛ لكنهم اختاروني ضمن أعضاء اللجنة العسكرية ولم أقف ضد ذلك التوجه الذي كانت تمليه ضرورة وقف سفك دماء الموريتانيين؛ وخاصة الجنود الذين كنا مسؤولين عنهم كضباط سامين.

وقد نجح ما أراده الإخوة الضباط على أحسن وجه، حيث لم يتسبب الانقلاب في سقوط أية قطرة دم، والحمد لله؛ وتبين أن ما قاموا به كان مفيدا ولم يكن يمكن القيام بأفضل مما فعلوا حينها؛ والفضل في ذلك يعود، في المقام الأول، للمرحوم المصطفى ولد محمد السالك الذي أدار الأمور بحكمة وشجاعة وروية.

الحقيقة أن انقلاب 10 يوليو كان خيارا لا مناص منه لإنهاء الوضع الكارثي السائد، حينها، في موريتانيا. فالبلاد كانت تواجه حربا طاحنة أنهكت اقتصادها الهش وشلت مسيرتها التنموية الوليدة، وهددت وجودها ككيان.

لقد قاد المصطفى ذلك التغيير بطريقة مسؤولة لم تقص أحدا. وتم اختياره من طرف رفاقه ضباط القوات المسلحة الوطنية، ولم يكن يسعى للسلطة، لكن نداء الواجب الوطني دعاه فلبى بأحسن ما تكون التلبية. وكان حريصا على التخلص من كرسي الرئاسة في أقرب فرصة.

لكن كما هو معروف، الصراعات والخلافات غالبا ما تحول بين المرء وما يريد؛ خاصة عندما يكون بصدد تحقيق أهداف وطنية نبيلة كبرى. وهكذا اختار المصطفى أن يتنحى، حرصا منه؛ في اعتقادي؛ على البقاء مرتاح الضمير.

ولعل واجب الحقيقة يجعلني أؤكد، اليوم، أن هذا الفقيد الفذ، الذي نستذكره اليوم، ظل ـ على مدى سنوات طوال ـ يعاملني شخصيا، من زاوية تقدير تمتاز عن تلك التي كان يعامل بها بقية زملائي من الضباط..

لقد كان رجلا تقيا، وضابطا نزيها، ورئيسا جديرا بكل الاحترام.. تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

 

السيد اعزيزي ولد المامي، رجل أعمال  

 

1 ـ قصة صداقة "بلا تحفظ"

لقد شهدت جميع الأحداث التي عرفتها موريتانيا، والحمد لله، منذ حصولها علىالاستقلال إلى يومنا هذا.

بخصوص الرئيس الراحل، المرحوم المصطفى ولد محمد السالك، يمكنني القول إنه منذ تخرج أول دفعة من ضباط الجيش الوطني؛ غداة استقلال البلاد، والتي كانت تضم إلى جانبه كلا من الشيخ ولد بيده، ومعاوية ولد سيدي أحمد الطايع، وآخرين؛ نشأت بيني وبين المصطفى صداقة بالمعنى الحميمي للكلمة.

 

تعرفت عليه خلال عشاء دعانا إليه المرحوم اسويدات ولد وداد الذي كان صديقا لكلينا، في نفس الوقت.

 

ربطتني به علاقة صداقة، قوامها الاحترام، والتقدير المتبادل. أنا أعرف المصطفى، إذن، منذ سنة 1963.. ومنذ ذلك التاريخ لم تفتأ روابطنا تتعمق وتتوطد، لدرجة أن صداقتنا بلغت مرحلة عدم التحفظ.

في الحقيقة عندما أروي كل ما أعرفه فيه من خصال حميدة، سينتهي بي المطاف إلى تأليف كتاب كامل! كان رجلا كتوما، نزيها، عادلا، حكيما، كريما، خلوقا، شجاعا، صادقا، ورعا.. لم يكن يتكلم كثيرا، وكان يزن كل كلمة وكل عبارة قبل أن يتفوه بها...

 كنا نعيش جارين، وكنا نلتقي كل الوقت تقريبا. وقد ظهرت شجاعته وحكمته خلال حرب الصحراء، كضابط سام وكقائد لأركان الجيش الوطني.

لقد نجح في إخراج موريتانيا من الحرب التي خربت اقتصادها، وأفقدتها العديد من خيرة ضباطها وجنودها.. فلم تكن موازين القوة في صالحها، لأنها كانت تواجه خصما أحسن تجهيزا وأكثر عتادا، ويحظى بدعم العديد من القوى الأجنبية.

لقد خطط وقاد انقلاب 10 يوليو 1978 بكل حكمة؛ وأثبت وطنيته ونزاهته. لقد قدم تضحيات جساما في سبيل إنقاذ وطنه، خاصة وأنه بدا، على الدوام، زاهدا في السلطة؛ بل كان حريصا على إرجاعها للمدنيين عند أول فرصة، أي فور استعادة البلد للسلام والاستقرار.

 

2. رجل قنوع

عندما تم الإفراج عن المصطفى ولد محمد السالك، سنة 1984، غداة وصول معاوية ولد سيدي أحمد الطايع إلى السلطة؛ ذهبت لزيارته والاطمئنان عليه في ى آمرجل قرب مدىنة  كيفة؛ وهناك وجدته وقد أصيب بهزال شديد، حيث فقدحوالي 30 إلى 40% من جسمه. أمضيت هناك ليلتين؛ وقد كان مسكنه ملاصقا لمسجد ومحظرة؛ وطيلة مقامي عنده، كنت أستيقظ فجرا عند الأذان فأجد المصطفى وقد سبق الجميع إلى المسجد، يصلي بعض النوافل ويتلوا سورا، ولا يتوقف عن التضرع إلى الله.

أذكر أنه بعد اعتقال المصطفى، سنة 1982، عمدت بعض الأوساط المقربة من دوائر السلطة، آنذاك، إلى إقناع السلطات العليا في البلد بمصادرة منزله؛ وهو منزل متواضع كان هذا الأخير قد شيده بفضل قرض حصل عليه إثر قرار من الرئيس المختار ولد داداه يقضي بمنح قروض مصرفية لصالح الوزراء والضباط السامين في القوات المسلحة من أجل تمكينهم من الحصول على مساكن.

 

وخلال زيارة تفقد إلى أسرة صديقي المصطفى ولد محمد السالك،  التقيت بالسيدة اليخير (حرمه)، فأبلغتني بالخبر، قائلة: "يريدون أخذ منزلنا!".

 

توجهت، مباشرة، إلى اندياغا ديينغ؛ الذي كان يومها قائدا مساعدا لأركان الدرك الوطني، وطلبت منه أن يفعل كل ما يمكن لمنع طرد أطفال العقيدالمصطفى ولد محمد السالك وأمهم من منزلهم..

رد علي قائلا: "نحن العسكريون، لا يمكن أن نسمح أبدا بأن يعامل قادتنا بطريقة مهينة، والمصطفى ولد محمد السالك كان أكثر من ضابط.. لقد كان قائدا للأركان الوطنية، ثم رئيسا للدولة..قل لعائلته أن تبقى مطمئنة في منزلها".

 

هذا الموقف من طرف اندياغا ديينغ، سيظل محفورا في ذاكرتي ما حييت، وسأظل أعترف له بهذا الجميل. 

 

من النادر أن نرى أحد القادة السامين في القوات المسلحة عندنا لا يجمع الثروة خلال مزاولته مسؤولياته. ونادرون من هؤلاء من لم يشيدوا ثروات طائلة: قطعان من الماشية، واحات، أملاك عقارية، إلخ. وقد كان المصطفى، دون شك، بمثابة الاستثناء الذي يؤكد القاعدة، إن صح التعبير.

 

أحمدٌ ولد سيدي، وزير ودبلوماسي سابق(1979 ـ 2002)

أول مرة رأيت فيها السيد المصطفى ولد محمد السالك كانت سنة 1962 خلال محاكمة حوادث النعمه بالحوض الشرقي، وأذكر أن ذلك كان في المساء. وكانت له آنذاك سمعة، لا أقول إنها كانت طائرة، لكنها كانت متميزة وهي تعود لرتبته العسكرية فهو أول ضابط سام في تلك الفترة؛ فترة الاستقلال وبناء جيش وطني مستعد للدفاع عن الوطن.

وكان إلى جانب رتبته العسكرية يعتبر من قبل السياسيين، وخاصة الرئيس المختار ولد داداه، من الشخصيات المحورية في تلك الظرفية المتميزة غداة استقلال موريتانيا، وفي ظل ما تواجهه من تحديات جسيمة تتعلق حتى بوجودها.

ومنذ أن رأيته عرفته دون أن يعرفني، وانقطعت الصلة بيننا فترة من الزمن، حيث ذهبت أنا إلى الخارج من سنة 1962 إلى 1967؛ ولما عدت التقيت به، حيث جاء الوالد سيدي ولد هنون الرئيس العام لأولاد داوود إلى نواكشوط والتقى بالمصطفى في منزل المرحوم اب ولد أنه، وقد وجدت معلومات عن لقائهما مفادها أنه كان لقاء حميميا إذ أن المصطفى رجل من المجموعة تعلم في المدرسة العسكرية الفرنسية التي لم يكن المتعلمون فيها كثيرين في تلك الفترة. وكان من المثقفين يومها حيث أن الدراسة آنذاك أفضل، بكثير، مما هي عليه اليوم.

وقد التقيت به في منزل كان مؤجرا له من طرف الدولة، وشربنا الشاي معا، وتعرفت على السيدة الفاضلة اليخير، ربة المنزل  وعلى أسرتها وانتمائها القبلي، ثم افترقنا بعد تناول الشاي معا لكن الصلة بيننا لم تنقطع بعد ذلك.

يذكر الناس الكثير من الخصال الحميدة التي كانت تميز الرجل من صدق ونزاهة واستقامة، وانضباط غير محدود، سواء على المستوى الديني أو الأخلاقي، وإيمان بالوطن..

حسب فهمي الشخصي، كان الرجل يحظى باعتبار كبير لدى الرئيس المختار ولد داداه.. واستمرت علاقتنا حيث تم تعيينه في عدة وظائف، وأذكر أننا التقينا أثناء توليه إدارة شركة سونمكس، والتقينا بشكل خاص حين كان واليا في النعمه، واحتكيت به كثيرا حيث كنت عضوا في المجلس الاقتصادي الجهوي في ولاية الحوض الشرقي.. التقينا خلال الاجتماعات الرسمية و في المناسبات الخاصة التي تجمع المهتمين بمصير البلد ومستقبله المضطرب آنداك، في ظل صراعات إقليمية حادة.

استمرت الأمور إلى أن اندلعت حرب الصحراء، ولم أكن في موريتانيا عند ما بدأت الحرب سنة 1976، وكنت أقود صراعا آخر على الجبهة الدبلوماسية بالجزائر وأنا على رأس البعثة الدبلوماسية هناك. وكان أول مقال ينتقد موريتانيا على موقفها من موضوع الصحراء قد نشر في دجنبر سنة 1976 في صحيفة المجاهد الجزائرية بعنوان: "المختار ولعبة الطوبين"؛ حيث كنت مكلفا بالملف العسكري والمدني في السفارة بالجزائر العاصمة وكنت الوحيد هناك.. وقد مررت بما يمر به أي شخص في الغربة بكل أبعادها؛ الغربة السياسية والغربة الدبلوماسية والغربة الشخصية.. وعانيت من كل ما يترتب عن تلك الغربة من أمور لكم أن تتخيلوها وتقرأون أبعادها وملابساتها.

ولما عدت، في يوليو 1976، استقبلني الرئيس المختار ولد داداه وشكرني على الموقف الوطني الشجاع وطلب مني الاتصال بوزير الخارجية وكان اللقاء وديا للغاية.

اشتد وطيس الحرب وتفاقمت الخسائر المترتبة عنها على كافة المستويات: سياسيا، واقتصاديا، وعسكريا... حيث أقنع المصطفى الرئيس المختار و شخصيات نافذة في مركز القرار بأنه يريد ممارسة عمله المهني كعسكري، فالتحق بالمنطقة العسكرية بأطار وخاض أهم المعارك آنذاك وكاد أن يؤسر فيها من قبل البوليساريو.. وتم تعيينه قائدا للأركان وبعد ذلك وقع انقلاب 10 يوليو فبرز كزعيم للانقلاب وكنت، يومها، في السفارة الموريتانية في تونس.

 وبما أنني كنت أواظب على الحضور عند وقت بداية الدوام الرسمي بشكل دقيق وأحضر للمكتب قبل الجميع، فقد رددت على اتصال هاتفي من وزارة الخارجية التونسية تسألنا فيه عن حقيقة الانقلاب الذي وقع في نواكشوط، فقلت لمن كان يتحدث إلى إنني لم أعلم بذلك، فأخبرني بأنهم تلقوا برقية عاجلة لم تكتمل بعد، تفيد بأن قادة الجيش أطاحوا بالرئيس المختار ولد داداه، فكان الخبر مفاجأة كبرى ولم يفاجئني الانقلاب على الإطلاق لأن الوضع تدهور إلى حد كبير، وكان لدي ملف الضباط الذين قتلوا في الحرب، والضباط الذين تم أسرهم.. ومعلوماتي الشخصية وتلك التي استقيتها من السياسيين تجعلني لا أستغرب وقوع الانقلاب.. كما أن الناس باتوا يتوقعون انقلابا عسكريا من يوم لآخر..

عدت إلى موريتانيا والتقيت بالرجل (المصطفى) أثناء غليان الثورة الإيرانية سنة 1979 أي بعد الانقلاب بأقل من سنة واحدة وتحدثنا بشأنها وخاصة حول الأوضاع الراهنة آنذاك في موريتانيا.

كان منشغلا بإقامة نوع من الديمقراطية التشاورية في البلد، وأسس مجلسا تشاوريا وطنيا موسعا ضم كل المكونات الوطنية، لكن البعض كان متعجلا  في مجال تحليل الأمور.

وقد ألقى خطابا أمام المجلس الاستشاري الجديد أوضح فيه أن الجيش لا يريد البقاء في السلطة وإنما جاء لتحقيق السلام، وتقويم الاقتصاد الوطني، وإرساء مؤسسات ديمقراطية؛ وكان ذلك في بداية إبريل 1979.

ولكن سرعان ناهض البعض ذلك الاتجاه وخرج على القرار، ولما دخل عناصر من الجيش على الخط قدم الرئيس العقيد المصطفى ولد محمد السلك، زعيم الانقلاب، استقاته.