مقولة الخبر المقدس أصبحت تنتمي لزمن آخر (تدوينه)

جمعة, 2015-07-03 23:30

انقلاب عسكري في بغداد
في نهاية القرن المنصرم، عندما كان الصراع محتدما بين الراحل صدام حسين والتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، صدرت جريدة "أشطاري" الساخرة ذات مرة بعنوان عريض على صفحتها الأولى يقول: "انقلاب عسكري في بغداد".
كان عنوانا مثيرا لكن تفاصيل القصة الإخبارية كانت أكثر إثارة من كل شيء آخر، فالمسألة وما فيها هي أن شاحنة عسكرية كانت تسير بسرعة في إحدى طرقات حي بغداد في نواكشوط ووقعت في حفرة كبيرة، مما أدى إلى انقلاب العسكري الذي كان جالسا فوقها وسقوطه على الأرض.
هذا المبالغة في الإثارة والتي بدت وقتها مناسبة لمقاس صحيفة ساخرة ك "أشطاري"، تعود لتصادفك هذه الأيام على معظم مواقعنا الالكترونية ولكن هذه المرة بصورة فجة وبائسة للغاية.
"رئيس سابق للبرلمان يقتل زوجته وينتحر"، لا يمكن أن تمر على خبر كهذا دون أن ترتمي في أحضان تفاصيله، لكن المفاجأة ستصعقك عندما تعلم أن الأمر يتعلق بعجوز متقاعد من نيكاراغوا سبق وأن تولى رئاسة البرلمان هناك، قام في لحظة سكر باقتراف تلك الحماقة.
وعندما تنتهي من قراءة هذه التفاهات ستحس بحنق كبير، لكنك لن تعرف أبدا هل هو على نفسك أم على العجوز السكير أم على مراسلنا من نيكاراغوا الذي لا يفوت صغيرة ولا كبيرة إلا ودس فيها أنفه .
هذه الإثارة تبلغ ذروتها عندما يتعلق الأمر بالتعديلات الوزارية، على رأي إخوتنا المصريين فرج الله كربهم "كل كوم والتعديلات دي كوم ".
ولأننا في بلد يحتاج دائما إلى التعديل، لا شيء يشغل صحافتنا سوى التعديل، يبدأ الحديث عن احتمال حدوث تعديل وزاري وتظل المواقع تلوك الخبر وتقلبه على جميع جوانبه كقطعة العلكة، حتى إذا جاء التعديل عادت المواقع لتقول لنا إن هذا ليس هو التعديل المنتظر، بل هي مجرد تمارين إحماء قبل التعديل الكبير وتبدأ الدوامة من جديد.
ومع مرور الوقت ابتدعت صحافتنا طرقها الخاصة في صياغة الأخبار المتعلقة بالتعديلات الوزارية: "تعديل غير مسبوق يشمل 10حقائب وزارية " ومرة أخرى تغمض عينيك وترمي بنفسك في أحضان الخبر وتلتهم التفاصيل بنهم، أسماء الوزارات التي سيشملها التعديل، الداخلون إليها والخارجون منها، كل التفاصيل الدقيقة لدرجة أنك ستعتقد أن الذي حرر هذا الخبر هو نفسه من سيصدر المرسوم.
لكن مفاجأة ستنتظر في نهاية الخبر، جملة بسيطة لا محل لها من الإعراب تقول لك وبكل استفزاز: "تجدر الإشارة إلا أننا لم نتأكد من هذه المعلومات من مصادر رسمية ولذلك فنحن ننشرها بتحفظ شديد". 
وقتها سيكون عليك أن تدرك أن "انقلاب بغداد" تحول مع مرور الوقت إلى حكاية كبيرة، وأن مقولة "الخبر مقدس..." أصبحت تنتمي إلى زمن آخر.