تثير عمليات الاختطاف الجماعي للفتيات وحرق المدارس، التي تنفذها حركة بوكو حرام، إحدى أخطر الحركات المتطرفة في القارة الإفريقية، موجة من الأسئلة الملحّة عن جذور هذه الحركة، وظروف نشأتها وتطوّرها ومصادر تمويلها، وتوجّهها الإيديولوجي وأهدافها الحقيقية. تعود جذور نشأة "حركة أهل السنة للدعوة والجهاد" (بوكو حرام)، إلى الصراع الدائر في نيجيريا بين الجنوب المسيحي والشمال المسلم، الذي يُشكّل سكانه نسبة 70% من فقراء نيجيريا، إثر عقود طويلة من التهميش والحرمان في ظل نظام فيدرالي، عمل على تعميق الهوة بين الطبقة السياسية الحاكمة وعامة الشعب. فتحوّلت التوترات العرقية والدينية إلى صراع سياسي، متعدد الأوجه والمظاهر. وأصبحت حركة بوكو حرام من أبرز تجلياته.
أسباب الظهور
ساهمت عوامل عدة في بروز التنظيم، أهمها تفشي الفقر، وفساد الطبقة السياسية الحاكمة في شمال شرق نيجيريا، حيث تتأجج معركة الصراع على السلطة.
ويشير تقرير لمركز أبحاث أوكسفورد إلى أنه "لا يوجد تفسير بسيط لنشأة بوكو حرام، فهي نتاج مزيج معقد من المشاكل السياسية والاقتصادية، والتوترات الاجتماعية التي تغلي في شمال نيجيريا منذ عقود، في ظل غياب حلول ناجعة". ووسط حالة انعدام الاستقرار السياسي وانتشار العنف العرقي والفوضى، في منطقة حدودية واسعة ووعرة، وجدت هذه الحركة بيئة مناسبة لتنمو وسط حاضنة شعبية قبلية وسياسية.
تعني بوكو حرام بلغة الهاوسا المحلية "التربية الغربية حرام"، وتشمل التربية هنا كل ما يرتبط بالغرب في التعليم واللباس والأفكار والمعتقدات. وتنادي الحركة بضرورة الدفاع عن العادات والتقاليد الإسلامية في وجه نمط الحياة الغربية الوافد، وتطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية في البلاد.
وقد شكلّت مجموعة من الشباب المسلمين، اجتمعت عام 2002 في ولاية كانو، وجعلت من مسجد الحاج محمد في المدينة مقراً لها. لكنّها سرعان ما تركت المدينة نتيجة ما وصفته بانتشار الفساد الديني والأخلاقي، وتوجّهت إلى قرية مايدوغوري في إقليم كاناما الحدودي مع النيجر.
وحثّ زعيم المجموعة محمد يوسف كلّ مسلمي الإقليم إلى الهجرة، والانضمام إلى صفوف الجماعة لتأسيس مجتمع إسلامي "حقيقي" وفق مبادئ الشريعة الإسلامية، تحت راية الجماعة التي أصبحت تُعرف بـ "طالبان نيجيريا". وفي 20 ديسمبر 2003، وقعت أولى مواجهات بين أعضاء في الحركة العزّل وأفراد الشرطة، إثر خلاف على حقّ الصيد في بحيرة في المنطقة، فدحر أفراد التنظيم قوات الشرطة، واستولوا على أسلحتها، فأدى ذلك إلى تدخّل الجيش، الذي أطبق حصاراً خانقاً على معقل الحركة، انتهى بمقتل العشرات من أعضائها.
بعد هذا الحادث، واصل محمد يوسف العمل في صمت لبناء النواة الصلبة لحركته، فأطلق مشاريع زراعية واستثمارية من أموال الزكاة، موفراً فرص عمل ورعاية صحية لمئات الشباب العاطلين من العمل. فضلاً عن خدمات اجتماعية خيرية للسكان المحليين، الذين بدأوا يلتفون تدريجياً حول الجماعة الناشئة، التي شكّلت بديلاً مناسباً في ظل غياب الخدمات العامة. عام 2007، اتُّهمت الحركة باغتيال رجل الدين جعفر محمود آدم، الذي انتقد خطابها "المتطرف"، فكان أول حادث لفت الأنظار إلى الحركة، التي استمر تزايد أعضائها. وفي يونيو عام 2009، أصدرت حكومة علي مودو شريف قراراً قضى بحظر قيادة الدراجات النارية من دون اعتمار خوذات واقية. هذا القرار الذي يبدو عادياً شكّل المنعطف الحاسم في الصراع بين الحركة والسلطة.
القشّة التي قصمت ظهر البعير
إثر مقتل عضو بارز في الحركة، خرج موكب كبير بالدراجات النارية لتشييعه، اعترضته الشرطة وأوقفت عدداً من أفراد بوكو حرام لعدم اعتمار خوذات واقية، فحدث تبادل إطلاق النار بين الجانبين، راح ضحيته عدد من أفراد الحركة.
وبدأت الأمور تخرج عن السيطرة تدريجياً، حين شنّت الحركة هجمات انتقامية على مراكز للشرطة في عدد من مدن وقرى الشمال النيجيري، وتصاعدت المواجهات بين الطرفين، إلى أن أدت إلى طرد قوات الشرطة من مدينة مايدوغوري، التي سيطرت عليها الحركة ثلاثة أيام، قبل أن تتدخّل قوات الجيش وتقتل عدداً كبيراً من عناصر الحركة وتعتقل آخرين، بينهم زعيم التنظيم محمد يوسف، الذي قُتل في السجن من دون محاكمة، وأُعدم أنصاره جماعيّاً في الشّوارع بمن فيهم الجرحى والمصابون.
انبعاثُ بوكوحرام وطريق اللاعودة
كان من بين الناجين القلائل من هذه الحادثة قيادي شاب يُدعى أبو بكر شيخو، فأصبح الزعيم الجديد للحركة. وفي ظل القمع الشديد الذي واجهتها به السلطات، اتخذت بوكو حرام مساراً أكثر تطرفاً مع شيخو، الذي استطاع إعادة تنظيمها وتوسيع نطاق عملياتها، ليشمل دولاً مجاورة كالنيجر والكاميرون وتشاد. كما نجح في استقطاب أعداد كثيرة من الشباب، وعمل على ربط صلات وثيقة مع حركات متشددة أخرى كحركة الشباب الصومالية، والقاعدة في المغرب الإسلامي والجماعة السلفية للدعوة والجهاد.
ويقول تقرير للمعهد الأمريكي للسلام إن "الأساليب التي واجهت بها أجهزة الأمن النيجيرية جماعة بوكو حرام كانت بالغة الوحشية، لذلك أفرزت نتائج عكسية، إذ نفّذت هذه الأجهزة إعدامات جماعية خارج نطاق القانون في حق أفراد الجماعة، وهذا لم ينتج حركة بوكو حرام كما نعرفها اليوم فحسب، بل ساهم كذلك في تعزيز نفوذها وتوسّع نطاق سيطرتها".
أعلن شيخو، المعروف بعنفه ودمويته، حرباً شاملة ضد المصالح الحكومية في ولايات شمال نيجيريا، وشنّ هجمات انتقامية شبه يومية ضد مقارّ الجيش والشرطة، والمباني الحكومية والمدارس والكنائس، والحانات ورجال الدين الموالين للحكومة، والمتعاونين مع الأمن، فاضطرت السلطات إلى إعلان حالة الطوارئ في مايو 2013.
ومع تطور قدرات الحركة العسكرية، تمدّدت إلى دول الجوار كالكاميرون والتشاد والنيجر، وارتفع سقف مطالبها من تطبيق الشريعة الإسلامية وإطلاق سراح المعتقلين، إلى الدعوة لإقامة خلافة إسلامية على كل الأراضي النيجيرية.
من يموّل أنشطة بوكرحرام؟
تعتبر عمليات اختطاف الرهائن والسطو على المصارف، وتجارة وتهريب الأسلحة، أهم موارد تمويل الحركة، التي يتهم الرئيس النيجيري أعضاء في الحكومة والبرلمان بدعم أنشطتها ماليّاً ولوجستياً. وسبق لأجهزة الأمن النيجيرية أن ألقت القبض على بعض التجار والسياسيين، المتهمين بالمساهمة في تمويل بوكو حرام.
الفاتورة الباهظة
وبحسب تقرير صدر في سبتمبر الجاري عن المنظمة الدولية للهجرة، بلغ عدد النازحين جراء هجمات بوكوحرام 2.1 مليوني لاجئ، خلال السنوات الست الأخيرة. وتسيطر الحركة على مساحة تراوح بين 20 و50 ألف كيلومتر من الأراضي النيجيرية. ويُقّدر عدد مقاتليها بـ4 آلاف مسلح، ويراوح عدد أعضاؤها بين 30 و40 ألفاً بحسب بعض التقديرات. أما عدد ضحايا هجماتها، فيُقّدر بأكثر من 15 ألف قتيل منذ عام 2009، كما خطفت منذ بداية العام الجاري نحو 2000 سيدة وفتاة.
وأدت أعمال العنف إلى تدمير البنى التحتية الاقتصادية والاجتماعية وتدهور الوضع الأمني، وشلّ المؤسسات التعليمية بشكل خاص. أبرز عمليات بوكو حرام، اختطاف 219 فتاة من مدرسة للبنات في مدينة شيبوك، الذي أثار حملة تضامن دولية واسعة تحت شعار Bring_back_our_grils#، ودفع مجلس الأمن إلى إدراجها على قائمة المنظمات الإرهابية في مايو 2014.
من أبوبكر البغدادي إلى أبوبكر شيخو
مع صعود نجم تنظيم داعش في الشرق الأوسط وإعلانها الخلافة، بايع زعيم بوكو حرام أبو بكر شيخو البغدادي في فيديو مصوّر. وردّت داعش بقبول البيعة، التي نقلت نفوذ الحركة إلى منطقة إفريقيا جنوب الصحراء للمرة الأولى. وعلى الرغم من عدم وجود أدلة قاطعة حتى الآن على تنسيق عملي بين الحركتين المتطرفين، يؤكّد الباحث الفرنسي المتخصص في شؤون القاعدة ماتيو غيدير أنه "على المستوى الإيديولوجي، تتبنّى الحركتان الطرح نفسه، وتتّبعان الاستراتيجية التوسعية ذاتها. لذلك، يمكن أن نتحدّث عن
محاكاة جهادية لداعش تحت راية أبو بكر شيخو"
عبد الله البو أحمد عبد ـ رصيف22.
http://raseef22.com/politics/2015/09/12/boko-haram-how-isis-africa-grew-up/