الولي ولد سيدي هيبه ـ كاتب صحفيأن تكتب عن حقائق تؤرق عموم أهل البلاد، دون اكتراث الجميع من ضعف و من قوة، أمر خطير و عمل شرير لا يسترعي و لا يستحق الانتباه، بل هو كذلك وجع داخلي مرير لا يحسه إلا قلة مقيدة بأصفاد و مفاهيم "السيبة" المتغلغلة حتى النخاع في نسيج المجتمع و المستحكمة في عقول أفراده و منظومات جماعاته "الشرائحية" الاعتبارية و المفاهيمية حتى الجنون المفضي من بعد إلى التيه.
هي موريتانيا لا تبرح مكانها في موطن "السيبة" الاختياري و لا تغير في لبسها إلا ما يكون من أقنعة المرور على خشبة المسرح و لعب أدوار النخاسين و المدافعين عن قيم قرون الضياع و البحث عن الدولة المركزية و ما بعد تشكلها و رسم حدودها و رفع رايتها و تحديد شعارها.
هي الحقائب الوزارية توزع بينها في غفلة من الزمن و جمود المكان مجموعة من ارستقراطية قبائل معدودات و إقطاع الإثنيات، لها الحضور الطافح و اليد الطولى على الرطب و اليابس من معنى و خيرات البلد، و تقتسم موسميا الوظائف التسييرية الكبرى بمشيئتها، لها و لأجل خدمتها و رفع أسهمها في الحضور السياسي و السيادي و تثبيت مكانتها؛و هي الأموال العمومية توضع تحت تصرفها و لحواشيها و زبونيتها و قد فتحت لأفرادها أبواب الصفقات العمومية و الاحتكارية الكبرى فامتلكوا بسرعة:
ـ العقار الممتد و المتاجر الهائلة المحتوية كل بضائع العالم،ـ و الصيدليات المُحتكِرة كل الأدوية لصالح مصحاتهم التي قلصت دور المستوصفات و المستشفيات و رمت بالضعفاء على قارعة الأوبئة و في متاهات المقابر الموحشة،و امتلكوا دون سواهم زمام :ـ التعليم الفاسد فزادوه فسادا بمدارسهم الخصوصية حتى قتلت دور المدرسة العمومية التي صنعت على علاتها و في بداياتها أجيالا مضت لم يكن دور أفرادها و في أضعف حالته إلا أنهم وضعوا البلاد على سكة الدولة المركزية،ـ و الصيد البحري حتى هاجر السمك من شدة سطوتهم،ـ و المنطقة الحرة في العاصمة الاقتصادية فعزلوها "منتجعا" عن بقية الوطن، ـ و الثروة النفطية فأداروا سياستها ليسيل النفط إلى المياه السينغالية خوفا من مصير بئر "شنقيط" التي تقاسموا ريعها مع شركة التنقيب و الاستخراج "ووتسايد" المحتالة الغازية.
فإلى متى و الوعي يستشرى و يدب ـ و إن ما يزال على نحو نظري ـ سيظل الوضع على هذه الحال و البلاد في ركودها المزمن و تخلفها المرير عن ركب الأمم من حولها؟ثم إلى متى ستظل سماء العدالة ملبدة بغيوم الغبن و الإقصاء و الوساطة و المحسوبية و الزبونية و الإقصائية و الانتقائية على أيدي قلة القلة، يعيث أبناؤها و نساؤها و شيوخها بمقدرات البلد المعتبرة و يمسكون على غير هدى بسياساته الاقتصادية و التجارية و التبادلية و ما يكون من الاستخراجية و التسويقية على أيدي المبتدئين يؤطرهم المقعدون بفعل السن و تحت وطأة المرض و خطاب الماضي و صلف الإقطاع الذي أفرزهم من جلباب لا يبدو أنه يبلى؟و متى يكون أخيرا الفرج من قبضة هذه القلة من الإقطاع القبلي و الإثني و الشرائحي الجاثمة عبثا على مصائر العباد لم ترهبها سياسات مكافحة الفساد و نهب مقدرات البلد فظلت تقطع أرزاقهم و تثقل كواهلهم و تنشف ريقهم و عرقهم و تهدر حقوقهم و تكمم أفواههم و تصعد ثم تمر على ظهورهم، المثخنة بجراح سياطهم المعنوية و التسلطية، سلما لهيمنتها و كأن الأمر طبيعي؟فهل من مجيب؟