انتشرت منذ يومين صورة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وقد نزل طير على رأسه، وهو ـ كما قيل ـ خارج من أحد مساجد تركيا بعد أداء صلاة العيد. المدونون قالوا إن أردوغان لم يلمس الطير، وأمر مرافقيه بأن يتركوه على رأسه حتى يطير بإرادته.
لا نعرف مدى صحة هذه القصة وحقيقة هذه الصورة، فقد يكون الطير نزل بنفسه على رأس الرئيس، وقد يكون " أُنزل " بفعل فاعل لنسج قصة حول الرئيس، واعتبار الحدث " آية من آياته " خصوصا في هذه الظرفية التي بدأت فيها " أزهار الربيع الأردوغاني " تعاني بعض الشحوب بفعل صيف المنطقة الغائظ، وضربات داعش، والهبوط الحاد في سعر الليرة، وعودة الأكراد لحمل السلاح، والعجز عن الحصول على الأغلبية الكافية للإنفراد بالحكم، وحل البرلمان، ودنو موعد الانتخابات.. وهي، في معظمها، أحداث لها ارتباط وثيق بتداعيات التدخل التركي في الأزمة السورية. ومع ذلك، فمن الطيور ما تعتاد النزول على رؤوس البشر والبهائم، كنزولها على الربى والأغصان، دون أن يكون في ذلك آية أو " كرامة "..
ما يهمنا في هذه القصة هو دلالاتها، أو توقيتها الذي لم يكن للطائر ولا لأردوغان دخل فيه.. فبعد أن حشد الرئيس التركي كل طاقاته والمكانة الإقليمية والدولية لبلده في سبيل الإطاحة بنظام بشار الأسد، واتباع كل السبل لإقناع الغرب بالتدخل العسكري لتحقيق ذلك الهدف، وتسليح وتدريب و" تسويق " المعارضين السوريين دوليا، وإغراق الساحة السورية بالمقاتلين المتشددين عبر الحدود التركية، استخدم آخر أسلحته بالقذف باللاجئين السوريين إلى أوروبا، وفي حساباته أن ردة الفعل، والقرار الذي سيتخذه الغرب فورا،هو التدخل العسكري للإطاحة بنظام دمشق،أو على الأقل اعتماد المنطقة العازلة التي كان ينادي بها كمرحلة أولى من مراحل التدخل العسكري..
لكن وبعد أن ظل الغربيون متوجسون من سقوط الرئيس السوري، وملئ الفراغ الذي سيتركه ذلك السقوط من طرف الجماعات الأقوى على الأرض من تنظيمات متشددة وأخرى قريبة لفكرها، منتظرين بروز بديل للرئيس السوري يمكن الاعتماد عليه، إذ لم يكن الدور الروسي،في اعتقادي،هو الحائل دون التدخل العسكري في سورية،لأن ذلك خاضع لمقايضات وصفقات يجيد كل من الغرب وروسيا إبرامها، إلا أن التدفق المفاجئ للاجئين السوريين إلى أوروبا، جاء بنتائج عكسية لم تكن هي ما كان أردوغان يتوقعه، وربما قال ليتني ما فعلت!
فقد أجرت " تيارات " اللاجئيين السوريين " مياه " الأزمة السورية في أكثر من نهر وبحر غربيين، من " الميسيبي " بالولايات المتحدة، إلى " الراين " في فرنسا، و " الدانوب " في ألمانيا، و" المانش " في انجلترا.. وألقت روسيا بثقلها وقواتها في الأرض السورية، وأصبح لا حديث إلا عن حل سياسي لن يكون الرئيس السوري خارجه، لأنه لم يقبل بأن يكون خارج ذلك الحل والغرب ينادي بإسقاطه ويعتبره غير شرعي، ولن يقبله اليوم والغرب يعلن ضرورة بقائه، والروس ينقلون دعمهم له من سياسي معنوي إلى مادي عسكري؟!
المعادلة بالنسبة للغرب أصبحت واضحة، يبقى الأسد وتستمر الحرب، أو يسقط تاركا الساحة للقوى الإقليمية والجماعات المتشددة وتستمر الحرب أيضا، وفي كلتا الحالتين يستمر تدفق اللاجئين السوريين إلى أوروبا. والحل السياسي المطروح، من المنظور الغربي، ليس بالضرورة لإنقاذ أو الاحتفاظ بالأسد، وإنما وقف الحرب لخلق ظروف ومسوغات تسمح بعودة اللاجئين لبلدهم، وتُخلص أوروبا من أعبائهم الأمنية والسياسية والاقتصادية، ليظهر أردوغان، غير المسرور بهذا المنعطف والمآل، وفي خضم هذه المستجدات واقفا لا كأن على رأسه الطير، وإنما الطير فعلا على رأسه..
تبخرت أحلام أردوغان وهزمت طموحاته في سورية، هزيمة لا يخفف عليه من مرارتها، وما جرته تلك الآمال والطموحات لبلده من تداعيات، سوى أن الأسد هو الآخر لم ينتصر، فالنصر لا يكون إلا على الأعداء، ولا منتصر بعد خمس سنوات من التقاتل بين أفراد الشعب الواحد، و التدمير المشترك للماضي والحاضر، وصعوبة تضميد الجراح وخلق أرضية لبناء المستقبل، بعد أن غرس العنف ورد العنف مخالبها في جسد الدولة السورية، وأصبحا هما خبز وملح الجميع..!
محمدو ولد البخاري عابدين