كل شيء في موريتانيا الآن مركز على الحوار، فالوزراء موزعون على الولايات في حملات سياسية للترويج للحوار، ولجنة التنظيم تسابق الزمن للإعداد لجلسات الحوار، والإعلام الحكومي يوجه، بمكتوبه ومرئيه ومسموعه، جميع برامجه للحوار، والحكومة تؤجل افتتاح السنة الدراسية الجديدة أسبوعين من أجل تفرغ الجميع للحوار.
هذا التركيز الرسمي الملفت على الحوار تقابله المعارضة الموريتانية عبر تصريحات وتدوينات قيادييها بشيء من الاستخفاف وتعتبره «مجرد ذر للرماد في العيون».
وأكد مصدر قيادي في منتدى المعارضة في توضيحات لـ«لقدس العربي» أمس «أن المعارضة تعد عدتها للإعلان عن مقاطعة الحوار حيث من المقرر أن تنظم وسط الأسبوع الجاري نشاطا إعلاميا وسياسيا تعلن من خلاله مقاطعتها للحوار وتشرح أسباب ذلك».
وأوضح المصدر الذي طلب حجب اسمه «أن نظام الرئيس محمد ولد عبدالعزيز يدعو للحوار لتمرير أجندة سياسية لا يمكن تمريرها بمشاركة المعارضة، ولذا فهو لا يهتم بمـــشــاركة المعارضة الجادة لأنها ستعرقل أجندته الخاصة التي قد تتعلق بتمديد المأموريات الرئاسية».
وتابع أعضاء الحكومة الموريتانية على مستوى العاصمة وفي الولايات النائية شروحهم للنتائج التي تمخضت عنها الأيام التشاورية الممهدة للحوار.
وأكد الوزير الناطق الرسمي باسم الحكومة محمد الامين ولد الشيخ في تجمع سياسي في مدينة النعمة (أقصى الشرق الموريتاني) «أن الرئيس الموريتاني ظل يطالب بالحوار باعتباره أحد المبادئ الأساسية للديمقراطية».
وأكد الوزير «أن بعض أطراف المعارضة الموريتانية دأبت على التراجع عن التزاماتها اتجاه الاتفاقات المبرمة بينها والأغلبية، بينما ظلت الأغلبية مستعدة لمشاركة الجميع للتشاور والحوار من أجل التوصل إلى ما يخدم مصلحة البلد».
وكان المشاركون في الأيام التشاورية التي نظمتها الأغلبية الشهر الماضي قد دعوا في بيان ختموا به التمهيد للحوار المرتقب «جميع أطياف المعارضة المقاطعة للالتحاق بركب الحوار، لأن مقاطعة الحوار تقاعس عن مشاركة الشعب الموريتاني التفكير والتخطيط لحاضره ومستقبله».
وناشد المشاركون «جميع الأقطاب السياسية الفاعلة وهيئات المجتمع المدني والشخصيات الوطنية المرجعية في البلد للتداعي إلى هذا الحوار الوطني الشامل الذي سيكون فرصة لمشاركة الجميع في بناء الوطن».
كما دعوا «الحكومة إلى اتخاذ التدابير اللازمة لتنظيم الحوار في الآجال المقترحة والعمل على إنجاحه».
ومع أن الحكومة قد قطعت أشواطا في الترويج للحوار والتهيئة له، فإن منتدى المعارضة الموريتانية الذي يجمع أطيافها الحزبية والنقابية متسمك، على ما يبدو، بموقفه الذي يدعو حكومة الرئيس محمد ولد عبدالعزيز إلى العودة لمسار التفاوض السابق حول الحوار، مع تقديم موقف مكتوب من كل النقاط الواردة في العريضة التي قدمها المنتدى للحكومة في وقت سابق».
وأكد جابيرا معروفا الرئيس الدوري للمنتدى في رسالة أخيرة موجهة للحكومة «أن العودة لمسار التفاوض «تجعلنا لا نبدو جميعا وكأننا ضيعنا عدة أشهر من العمل المخلص، وبالتالي عليكم أن تؤكدوا – كتابيا – الردود الشفهية التي قدمها وفدكم أثناء اللقاءات التي دارت بين الفريقين».
وقال «إن هذا الرد هو الذي على أساسه سنتمكن من تقييم فرص التقدم نحو اتفاق يفتح الباب أمام حوار شامل وجامع هو وحده، في نظرنا، القادر على أن يشكل مخرجا من الأزمة الراهنة».
وأكد جابيرا معروفا «أن الدعوة لاجتماعات تحضيرية لحوار معد بصورة مسبقة وأحادية تشكل، بالنسبة لمنتدى المعارضة، رجوعا إلى الوراء، وبالتالي لا يمكن للمنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة، بجميع مكوناته، القبول به».
وأعاد في رسالته، للأذهان «أن المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة، تبنى منذ تأسيسه، هدفا يتمثل في العمل من أجل إقامة دولة القانون التي تضمن العدالة والحرية والإنصاف لجميع المواطنين»، معتبرا «أن موريتانيا تعيش أزمة سياسية عميقة منذ انقلاب 6 أغسطس 2008، وأن هذه الأزمة تهدد استقراره ووحدته في محيط إقليمي مقلق».
«كما أن المنتدى يعتبر، حسب ما ورد في رسالة رئيسه الدوري، أن الطريق الوحيد للخروج من هذه الأزمة هو الحوار الجاد والصريح بين كل القوى السياسية والاجتماعية الوطنية، والذي من دونه قد تتعرض موريتانيا، من دون شك، للعنف بجميع أشكاله».
وأكد معروفا «أن السلطة الفردية التي تعرفها موريتانيا منذ انقلاب 6 أغسطس 2008، قد غيبت كل مؤسسات الجمهورية مع جزء كبير من الخبرات الوطنية، وعبأت كل مقدرات البلد من أجل البقاء والتمكن، هاملة كل المشاكل التي تهدد وحدة وانسجام البلد».
وتابع رئيس منتدى المعارضة «.. لقد تمنينا أن تمكن اللقاءات التي دارت بين وفدينا خلال الأشهر الماضية من خلق قاعدة جيدة لبناء الثقة التي تزعزعت بشكل قوي بفعل الاتفاقات التي لا تحترم والحوارات الصورية التي توأد في مهدها، ورغم ذلك أعربنا عن عزمنا القوي على تنظيم حوار جديد ذي مصداقية ومعد بشكل جيد، ولذلك الغرض قدمنا لكم عريضة تتضمن رؤيتنا واستعدادنا للإنصات لكم لنخلق معا الظروف الضرورية لنجاح هذا الحوار الذي طالما انتظرته كل حساسيات البلد».
وأكد جابيرا معرروفا «أن القاعدة الأولى لكل حوار هي الاتفاق المسبق لأطرافه على شكله ومحتواه وتنظيمه، وللمعارضة الحق في أن تشك فيما أعرب عنه الوزير الأمين العام للرئاسة، من التزام من دون تحفظ بمسار هذا الحوار، في الوقت الذي تنقلبون فيه، بصورة أحادية، على المسار الذي بدأ بالتوافق معكم، وتدعون فيه لعملية جديدة من دون التشاور المسبق مع شركائكم».
وجدد في آخر رسالته «تشبث المعارضة التام بالمسار الذي بدأته مع الأغلبية حتى يتوصل الجميع إلى الترتـيــبات الــضــرورية لبــعــث أدنى حد من الثقة بين الطرفين من أجل تنظيم حوار شامل وصريح وجدي».
وينتظر أن يناقش المشاركون في الحوار الذي يبدو أن الحكومة ستنظمه بمن حضر، موضوعات منها «إقرار مبدأ الحوار كقاعدة للعمل الديمقراطي، والهيئات الدستورية وعلاقات السلطات وصلاحياتها، والأحزاب السياسية والهيئات النقابية ومنظمات المجتمع المدني، وشعارات الدولة ورموزها».
ومن الموضوعات المدرجة في جدول أعمال الحوار آليات التناوب السلمي على السلطة، والمنظومة الانتخابية بما فيها الآلية وضمانات الشفافية ومصداقية المسار الانتخابي، إضافة لقضية المال السياسي في الحوار بما يضمن الشفافية في تمويل العمل السياسي، إضافة لقضية الحكم الرشيد وتعزيز الديمقراطية وحماية وترقية الحريات الفردية والجماعية، والشفافية في تسيير الشؤون العامة ودولة القانون واستقلالية القضاء وضمانات المحاكمة العادلة.
واقترح المشاركون في جلسات التمهيد إدراج مسألة تفعيل القوانين وتجسيدها على أرض الواقع، وبخاصة تلك المتعلقة بحياد الإدارة والمؤسسة الأمنية وبقائهما على مسافة واحدة من كل الفرقاء السياسيين، وتمكين كل الفرقاء السياسيين من الولوج إلى وسائل الإعلام العمومي بشكل عادل ومراعاة قوانين التعارض وحسن تطبيقها».
واقترح كذلك إدراج إصلاح وتوحيد المنظومة التربوية، والوحدة الوطنية والتعايش والتضامن الاجتماعي بين مكونات الأمة، إضافة للغة كأداة لتحديد الهوية وتحقيق الوحدة الوطنية على قاعدة التنوع وتثمين القيم المشتركة.
ومن الموضوعات التي اقترحت إحالتها للحوار التوزيع العادل للثروة، والتنمية المحلية وتفعيل اللامركزية، والإصلاح العقاري، والأمن ومكافحة الإرهاب، والتمييز الإيجابي لصالح الطبقات الهشة ومعالجة مخلفات الاسترقاق وتصفية المظالم والإرث الإنساني.
«القدس العربي»