بقلم: عبد الصمد ولد أمبارك
التنمية المحلية ،عملية مجتمعية متكاملة و شاملة ،تعتمد التدبير الواعي و الإرادة التطبيقية ، من خلال الخطط والبرامج الهادفة إلى تحسين مستوى الظروف العامة للسكان ، عن طريق مقاربة تشاركية مندمجة لمختلف الأنشطة القطاعية ، قصد تحقيق الرفاهية الشاملة بنظرة مجتمعية متكاملة أفقيا ، لتنمية الجماعات المحلية. فهي عملية مركبة وحركة ديناميكية تتوخى تحقيق المتطلبات الاجتماعية وإشباع الحاجات الأساسية للساكنة المحلية ، لخلق بوتقة للعمل الاجتماعي ،تساعد أفراد المجتمع على تنظيم أنفسهم للتخطيط والتنفيذ عن طريق تحديد مشاكلهم واحتياجاتهم الأساسية ، والتكامل بين الخطط الفردية والجماعية لمقابلة احتياجاتهم ، والقضاء على مشاكلهم ، مع العمل على تنفيذ هذه الخطط بالاعتماد على الموارد الذاتية للمجتمع ، واستكمال هذه الموارد بالخدمات والمساعدات الفنية والمادية من جانب المؤسسات الحكومية والأهلية من خارج المجتمع المحلي.
يعد مفهوم التنمية من أهم المفاهيم العالمية في القرن العشرين، حيث أطلق على عملية تأسيس نظم اقتصادية وسياسية متماسكة فيما يسمى ب " عملية التنمية "، وتبرز أهمية مفهوم التنمية في تعدد أبعاده ومستوياته، وتشابكه مع العديد من المفاهيم الأخرى مثل التخطيط والإنتاج والتقدم.
لقد برز مفهوم التنمية Développement بداية في علم الاقتصاد ،حيث استخدم للدلالة على عملية إحداث مجموعة من التغيرات الجذرية في مجتمع معين،بهدف إكساب ذلك المجتمع القدرة على التطور الذاتي المستمر بمعدل يضمن التحسن المتزايد في نوعية الحياة لكل أفراده ، بمعنى زيادة قدرة المجتمع على الاستجابة للحاجات الأساسية والحاجات المتزايدة لأعضائه ، بالصورة التي تكفل زيادة درجات إشباع تلك الحاجات ، عن طريق الترشيد المستمر لاستغلال الموارد الاقتصادية المتاحة ، وحسن توزيع عائد ذلك الاستغلال.
فالتنمية المحلية مسلسل، من خلاله تشارك المجموعة السكانية في تهيئة محيطها البيئي الخاص، سبيلا إلى تطوير المستوى المعيشي للعناصر السكنية المنطوية تحت لوائها، وذلك بالتفاعل الإيجابي مع مختلف الأنشطة المدرة بالمصلحة والنفع العام على الحيز الترابي.فهي العمليات التي بمقتضاها توجه الجهود لكل من الأهالي و الحكومة، بتحسين الأحوال الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية للمجتمعات المحلية، لمساعدتها علي الاندماج الكلي في حياة الأمم و الإسهام في تقدمها بالأفضل الممكن، باعتبار التنمية عنصر أساسي للاستقرار و التطور الإنساني و الاجتماعي.
ظهر مفهوم التنمية المحلية بعد ازدياد الاهتمام بالمجتمعات المحلية ، لكونها وسيلة لتحقيق التنمية الشاملة على المستوى القطري ، لأن الجهود الذاتية والمشاركة الشعبية لا تقل أهمية عن الجهود الحكومية في تحقيق التنمية ، عبر مساهمة السكان في وضع وتنفيذ مشاريع التنمية ، مما يستوجب تضافر الجهود المحلية الذاتية والجهود الحكومية ، لتحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمجتمعات المحلية وإدماجها في التنمية المستديمة الشاملة للقطر ككل.
فالمشارك الشعبية في جهود التنمية المحلية تقود إلى مشاركة السكان في جميع الجهود المبذولة لتحسين مستوى معيشتهم ، مع توفير مختلف الخدمات الاجتماعية ومشروعات التنمية المحلية ، بأسلوب يشجع الاعتماد على النفس ومشاركة الدولة في توجهاتها السياسية ، الهادفة إلى خلق تنمية اقتصادية متكاملة في البلد ، عبر مختلف الميكانيزمات والآليات المتاحة ، بما فيها وسائل المجتمع المدني الواعي واليقظ بالدور المنوط به في عملية البناء الوطني. هي العملية التي يتم عن طريقها إحداث تغيير متكامل مقصود للمجتمعات المحلية عن طريق إقامة المشاريع التنموية المختلفة بالمناطق الريفية ، وإيجاد التعاون في مجال تنفيذ هذه المشاريع بين كافة التخصصات المتاحة من الاجتماعي والطبيب والزراعي والمعلم والمهندس ورجل الدين ،بالإضافة إلى جهود المواطنين المحليين ، وذلك من أجل نقل هذه المجتمعات إلى وضع آخر أفضل ،مع العمل على التحكم المستمر في التغيرات التلقائية التي تحدث في كل مجتمع من تلك المجتمعات ، وبلورة وتطوير أساليب ضبطها ،مع الالتزام في تلك العملية كلها بالإطار العام لخطة الدولة،التي تضمن تحقيق أهداف و أبعاد التنمية المحلية.
إن أهداف التنمية العامة هو رفع المستوى الاجتماعي ، الثقافي ، الاقتصادي ، والصحي،وحل المشكلات الناجمة عن التخلف وتهيئة فرص جديدة للعمل للأفراد والمجتمع،والانتفاع الكامل بكافة الإمكانات والموارد وتهيئة طاقات أفراد المجتمع ،لاستغلال موارد بيئتهم وتنظيم علاقاتهم بعضهم ببعض ، أثناء العمل الجماعي الموجه لإحداث التغيير.كما تسعى التنمية إلى جانب هذا كله إلى تحقيق هدف رئيسي هو تنمية طاقات الأفراد ،لكي يتحمل كل منهم مسؤولياته تجاه خطة التنمية له خاصة ومجتمعه عامة. و قد تعددت آراء الباحثين الاجتماعيين في تحديد أهداف التنمية، حيث إن البعض يرى أن أهداف التنمية تركز أساسا على أهمية التقدم الاجتماعي والاقتصادي، واعتبار ذلك من أهم أهداف التنمية على أساس أن برامج ومشاريع التنمية تهدف إلى تحقيق مستويات أفضل للمعيشة. في حين يرى البعض الآخر أنه يجب التركيز على عملية تنمية قدرات أفراد المجتمع للعمل والتفكير والابتكار والتجديد والإبداع، باعتبارها جميعا قدرات ضرورية لتحقيق أهداف التنمية الشاملة، وعلى أساس أنهم لا يعتبرون التغيير المادي الهدف النهائي للتنمية.
يرى آخرون أن التنمية تهدف إلى إيجاد الطريقة التي يرتبط بها أفراد المجتمع بعملية التنمية ، لكن هذه الآراء مع اختلافها مع آراء أخرى توضح لنا أن التنمية تسعى إلى تحقيق أهداف عامة تتلخص في إشباع الحاجات الأساسية لغالبية أفراد المجتمع مع تحقيق التجانس ، بمعنى تذويب الفوارق بين طبقات المجتمع بهدف القضاء على الصراع والتنازع بينها ،عن طريق تهيئة الفرص المتكافئة لتحقيق تماسك المجتمع وتقوية العلاقات الاجتماعية بين الأفراد والجماعات ، وكذلك الاهتمام بتحقيق التكامل بين الجوانب الاجتماعية ، الاقتصادية ، والثقافية الصحيحة للمجتمع ،حتى لا يطغى جانب على آخر أثناء تنفيذ مشاريع التنمية ، مع العلم أن تنمية المجتمع كوسيلة لتحقيق التنمية على المستوى المحلي تهدف أساسا إلى البحث عما يمكن عمله لتحسن ظروف المعيشة في حدود إمكانيات وموارد المجتمع المحلي المتاحة ، وغايتها كسب رضا أفراد المجتمع بمساعدتهم على مقابلة احتياجاتهم واكتساب مهارات جديدة ،تساعدهم على زيادة إنتاجهم ودخلهم ،مع التأكيد على التعاون بين الحكومة والهيئات الأهلية ،لمنع تكرار الخدمات وازدواجيتها ،لتحقيق التكامل في مختلف المجالات وتنسيق العمل بين الهيئات العاملة في مجال التنمية ، سواء كانت أهلية أو حكومية . كما تهدف إلى رفع مستوى الخدمات القائمة بالفعل وتدعيم الهيئات القائمة بها ،بالمساعدات الفنية والمالية حتى تتمكن من تحقيق مختلف الأبعاد المرسومة في السياسات الحكومية،للوصول الي ابعاد التنمية السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية وهي:
التنمية الاقتصادية : هي عملية بموجبها تستخدم دولة مواردها المتاحة لتحقيق معدل سريع للتوسع الاقتصادي يؤدي الى زيادة مطردة في دخلها القومي وفي نصيب الفرد من السلع والخدمات،تتطلب هذه التنمية التغلب تدريجيا على المعوقات الاقتصادية وتوافر رؤوس الاموال والخبرة الفنية والتكنولوجية.
تهدف التنمية الاقتصادية الى استخدام الموارد الطبيعية لتحقيق الرفاه الاقتصادي للجماعة والفرد ، وهذا يتأتى بالسيطرة الكاملة على مختلف موارد الطبيعة واستغلالها أمثليا.
العدالة الاجتماعية فالهدف النهائي للتنمية إنساني ويكمن في استخدام نتائج التقدم الاقتصادي لنشر العدالة الاجتماعية مشتملة علي القيم الإنسانية الرفيعة في جميع نواحي المعمورة. فالتنمية الاجتماعية هي الجهود التي تبذل ،لإحداث سلسلة من المتغيرات الوظيفية والهيكلية اللازمة لنمو المجتمع، وذلك بزيادة قدرة أفراده على استغلال الطاقات المتاحة إلى أقصى حد ممكن، لتحقيق اكبر قدر من الحرية والرفاهية لهؤلاء الأفراد، بأسرع من معدل النمو الطبيعي. فهي التي تجعل الإنسان يحس بالمجتمع كله من حوله وكأنه أسرة واحدة بل كأنه جسد واحد.
أبعاد التنمية الاجتماعية هي:
- القضاء على الفقر المطلق أو المدقع بحلول موعد يحدد لكل بلد.
- تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة لإدماجها في عملية التنمية.
- تشجيع التكامل الاجتماعي القائم على تعزيز جميع حقوق الإنسان.
- الإسراع بتنفيذ ووضع خطط للتنمية الاجتماعية للبلدان الأكثر نموا.
- إدراج أهداف التنمية الاجتماعية ضمن برامج التكيف الهيكلي.
- تهيئة بيئة اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية وقانونية تمكن السكان من تحقيق التنمية الاجتماعية.
- تمكين المجتمع على قدم المساواة مع الحصول على التعليم والرعاية الصحية الأولية.
- تعزيز التعاون من اجل التنمية الاجتماعية عن طريق الأمم المتحدة.
التنمية السياسية : يعد مفهوم التنمية السياسية من المواضيع الحديثة نسبياً ، برز استخدامه في عقد الخمسينيات والستينيات ، وأقترن بدول العالم الثالث وبتطوير نظمها السياسية ، حيث ظهر موضوع التنمية السياسية كفرع حديث من علم السياسة يهتم بدراسة العلاقة بين المجتمع والنظام السياسي ، ورافق تطور هذا المفهوم العديد من المصطلحات السياسية في العالم ، تلتقي في الكثير من جوانبها بالتنمية السياسية ، مثل الإصلاح والتحديث السياسي ، والتحول الديمقراطي ، والتعددية ، وغير ذلك من المصطلحات المتداخلة في معانيها بالنسبة للباحث غير المتخصص.
يعني مصطلح التنمية السياسية بأنها التحول إلى الديمقراطية ، أو العزوف عن الاتجاه اللا ديمقراطي ، كما يشير مفهوم التنمية السياسية إلى ما يسمى بعملية التحديث السياسي ، وتشترط الدكتورة نداء الشريفي عناصر أساسية لمفهوم التنمية السياسية منها شرعية النظام السياسي ، ووجود مجتمع يرغب في النمو ، بالإضافة إلى مؤسسات ديمقراطية مبنية على التعددية والمساواة والحرية.
وضع لوسيان باي عشرة تعريفات مختلفة لمفهوم التنمية السياسية ، فاعتبر التنمية السياسية هي التحديث السياسي ولا تنفصم عنه ، وهي أيضاً بناء الديمقراطية ، وقال أن التنمية السياسية تتضمن ( الاتجاه نحو مزيد من المساواة بين الأفراد في علاقاتهم بالنظام السياسي ، وتزايد قدرة النظام السياسي في علاقته بالبيئة المحيطة ، وتعزيز تمايز وتخصص المؤسسات والبنى داخل النظام السياسي) ، أما هانتنجتون فقد أشار إلى التنمية السياسية بوصفها (عملية نمو في كفاءة المؤسسات) ، فنظر إلى التنمية السياسية من زاوية أحادية هي مؤسسة النظام السياسي ليصبح قادراً على التعامل مع مقتضيات التعبئة الاجتماعية والمشاركة السياسية،حسب خصوصية كل بلد،كما هو الحال لموريتانيا.
لقد ارتبطت التنمية المحلية بعدة مقاربات تشاركيه ، بالاعتماد على المبادرات المحلية باعتبارها المحرك الرئيسي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية ، من خلال العمليات الأولية في شكل مشاريع الاستصلاح الترابي ، لأن التنمية المحلية تواجه تحديات أساسية تتمثل في الإجابة على حاجيات السكان المحليين ، التي تقف موقفا إيجابيا ومسئولا ، لضمان تنمية اقتصادية واجتماعية لعموم الحيز الترابي ، في إطار محاربة الفقر وسد الفوارق داخل الحيز الإقليمي الممنوح لكل جماعة ضمن الإطار الإداري اللامركزي ، ممثلا في الجماعات المحلية والمجتمع المدني باعتبارهما رهانا أساسيا لتفعيل مقومات التنمية المحلية.
منذ مطلع التسعينات من القرن الماضي ، بادرت عدة دول عربية و إفريقية إلى الارتماء في مسلسل اللامركزية الإدارية والسياسية ، من خلال تنازل الدولة مقابل صعود الديناميكية المحلية ، مما غير الوضع العام للتنمية المحلية وقاد إلى البحث عن التوفيق بين مشاريع التنمية المحلية واللامركزية ،من خلال وضعها قيد التنفيذ لبرامج التنمية الجهوية للتجمعات المحلية ، ومحاولة تطوير أداء الشراكة المحلية المدعمة والموجهة من قبل السلطة المركزية.
فالتداخل على الصعيد المؤسسي للتجمعات المحلية ،يسمح وبصفة أكثر تلاءم ، بين إجراءات المشاريع وتقييم الحاجيات المنوطة بالساكنة المحلية ، المراد استفادتها من العملية التنموية المنشودة بطريقة أكثر نجاعة ، من ناحية الأنشطة المدرة للنفع على المجموعات السكانية ، قصد إحداث توازن اقتصادي مرضي ، يتماشى والمخطط العام للسياسة التنموية في البلد بصفة عامة والسياسة السكانية بصفة خاصة.
فاللامركزية نظام حكم مؤسسي ونظرة متوازنة للتنمية الترابية ، الغرض الأساسي منها هو ضمان التنمية الإقليمية والاندماج الكلي ، في إطار يوائم بين التدخلات المحلية طبقا للمهام الموكلة ، لاعتماد اللامركزية الإدارية كطريقة تنظيم إداري للتنمية المحلية ، تتكامل فيها الأعمال فيما بينها وتنفذ بطريقة منسقة ومتزامنة.
إن تطور النهج اللامركزي لا يتوقف فقط على منح الإمكانيات المادية والبشرية للهيئات المحلية وصياغة نصوص قانونية متطورة ، تواكب حاجيات وتطلعات الساكنة المحلية ، بل يتوقف بالدرجة الأولى على وجود الإرادة السياسية الصادقة لتطبيق اللامركزية ، كخيار سياسي واجتماعي،وعلى تغيير العلاقة التي تربط بين ممثلي السلطة المركزية والهيئات المنتخبة محليا وتطويرها إلى علاقة تعاون وتكامل ، وتطوير هذه العلاقة لا يمكن أن يتم إلا إذا كان هناك جهاز قضائي قوي ، مستقل ومحايد ، مكلف بمراقبة مشروعية أعمال الهيئات المحلية في دائرة اختصاصاتها الإدارية والمالية.
على غرار مجمل البلدان النامية ، اعتمدت الأنظمة السياسية في موريتانيا على مدار الخمسة عقود الماضية ، التي عقبت مرحلة الاستقلال وإقامة الدولة الوطنية ، أدوات موجهة نحو اللامركزية ، بعد ما فشلت في مرحلة أولية ، بتطبيق منظومة المجموعات الإقليمية ونظام الجهة الموسع والمدعم ، عن طريق توجيه السياسات الاقتصادية والاجتماعية ، قصد تطوير أداء القطاعات الجهوية وسد الفوارق الاجتماعية ، مع خلق تنمية متوازنة تتماشى مع القدرات المحلية لكل ولاية ، حسب مخزونها وكذا ما تتوفر عليه من مؤهلات ، مناطة بتوفير فرص للعمل ، انطلاقا من القاعدة الإنتاجية الجهوية وما تنطوي عليه من ثروات طبيعية واصطناعية ، تعتبر رصيدا اقتصاديا قابل للتطوير عند استغلاله بصفة معقلنة ، يضمن قيام تنمية اقتصادية حقيقية ، على الرغم من المعوقات التي تظهر هنا وهناك ، نتيجة الخلل البنيوي في قيام التقسيم الإداري الأصلي للبلد،ناهيك عن الوصاية المقيدة لصلاحيات المجالس البلدية التي أعاقت تجربة انتخاب المجالس المحلية ، كما أثرت سلبا علي النتائج المتوخات من الحكامة المحلية .
عرف المجتمع الموريتاني منذ مطلع الستينات تقلبات عميقة على مستوى طريقة حياة السكان ، المكون من 70% من البدو سنة 1965 م والتي لم تعد سوى 6% من البدو الرحل سنة 2000 م ، مع كل ما يتطلع له ذلك من النتائج على الهياكل العائلية وكذلك على مستوى طريقة الإنتاج والاستهلاك. من ضمن العوامل الموضحة لهذه التقلبات ، نجد عامل الجفاف الذي قضى على قاعدة الاقتصاد الريفي وشجع التحضر للبدو وهجرة سكان الريف نحو المراكز الحضرية بسرعة فاقت التقديرات ، وجعلت السكان الرحل في وقت قياسي داخل الوسط المستقر الحضري ، ضمن هياكل غير مؤهلة لاستقطاب هذه الكثافة السكانية ، بالإضافة إلى ظهور الصناعات الاستخراجية في كبريات المدن ، مع تمركز مصالح الدولة الفتية في الوسط الحضري لعواصم الولايات وداخل الدوائر المركزية لصنع القرار.
في ظل هذه التقلبات المتباينة ، بادرت السلطات الموريتانية إلى وضع هياكل سياسية واقتصادية تتماشى ومؤسسات الاستقلال الحديث العهد ، وأقدمت على تأمين بعض المنشآت وعقد عدة عقود إنتاج ، قصد استغلال مختلف الثروات الوطنية ، بطريقة تتماشى والطبيعة السوسيوا اقتصادية لبلد مترامي الأطراف على مساحة تزيد على 1.025.000 كلم2 ، وسط مناخ صحراوي جاف ، بعد استشراق أولى اللبنات الأساسية لقيام بنية تحتية مواتية ، مع توفير الهياكل الضرورية لمتطلبات الخدمات الاجتماعية الأساسية من صحة وتعليم وبنية اقتصادية ضرورية ، كالمؤسسات المالية مع النهوض بالقطاع الخاص ودمجه في معادلة وطنية للتكامل الاقتصادي الكلي ، وذلك بالتوجه الإرادي نحو تطوير الشراكة بين القطاعين العام والخاص في تنفيذ مشاريع الاستثمار وما تقتضيه هذه السياسة من وضع إطار مؤسسي ملائم لجذب الاستثمارات مع ضمان مناخ ملائم للاستثمار على المدى الطويل. علي الرغم أن الإدارة الموريتانية لم تكن وليدة مطلب جماهيري أو إرادة وطنية حرة،و لم تكن نتاجا لتطور نوعي في النظم التقليدية التي كانت سائدة ،بل كانت من صنع المستعمر كإرث تاريخي لوضع سياسي قائم علي غرار مختلف البلدان النامية.
لقد عرفت البلاد عدة إصلاحات اقتصادية ،جاء في مقدمتها برنامج التقويم الهيكلي سنة 1985 م علي مدي 15 سنة ، مكن من استقرار إطار الاقتصاد الكلي ،تحقيق معدل نمو مستديم ،التحكم في التضخم الاقتصادي في اقل من 5% ،مساعدة الدولة في تعزيز ثقتها لدي شركائها في التنمية،بالإضافة للمرد ودية الاجتماعية .تواصلت هذه الجهود سنة 1990 م ببرنامج صيانة المكتسبات الاقتصادية الذي توج سنة 1999-2000 م بوضع وثيقة إطار السياسة الاقتصادية ،الذي نتج عنه الإطار الاستراتيجي لمحاربة الفقر سنة 2001 م .
زيادة على الإصلاحات الاقتصادية ودعم التوجه الامركزي السياسي و الإداري ، أصبح رهان المجتمع المدني المحلي ، كقوة اقتراح وصوت احتجاجي في حالة حدوث انزلا قات ، يفرض نفسه من ضمن بدائل المقاربة التشاركية للتنمية المحلية ، بل إنه المخاطب الطبيعي والمفترض في مسلسل بلورة مختلف حاجيات المجتمع وذلك عبر التشاور والمساءلة. يعتبر بروز المجتمع المدني بموريتانيا ، أحد أهم التحولات الأساسية التي رافقت الانفتاح الديمقراطي مطلع التسعينات ، حيث عرف البلد نسيج جمعوي كبير ، يشكل إحدى الأركان الأساسية ضمن جهود حركة المجتمع المدني ، كما أصبح يعول عليه كثيرا في قيادة المسيرة التنموية في البلاد ، وذلك جنبا إلى جنب مع جهود الدولة وباقي القطاعات الأخرى وخاصة القطاع الخاص.
لقد باتت هذه التجمعات تضطلع بدور ريادي ، لما لها من أهمية في تنفيذ العديد من المخططات التنموية التي تمس جميع مناحي الحياة ، بدءا بالدفاع عن الحقوق الأساسية للسكان المحليين وصولا إلى التنمية البشرية المنشودة وتحقيق الرفاه والعيش الكريم للمواطنين.لقد أصبح المجتمع المدني الجهة المفضلة للحكومات والمنظمات الدولية ،كما أصبح المخاطب بالنسبة للجهات المانحة للمساعدات والممولة للبرامج التنموية ، لأنه يستجيب لحاجات ومتطلبات المواطنين ، يعمل على تأطيرهم داخل المجموعة الواحدة في إطار مقاربة تشاركية تشكل العمود الفقري للتنمية المحلية المستديمة ،خاصة منها الحكم المحلي،مما يفرض إعتماد الحكم الرشيد كشرط للتنمية البشرية ،الشيء الذي يحتم من بين أمور أخري مشاركة السكان في القرارات التي تهمهم و انبثاق تنمية منصفة مركزة علي إشباع حاجات السكان ضمن منظور الاستدامة .
من ضمن السياسات التنموية في البلد ، يجدر التنبيه بالأهمية المحورية للإطار الاستراتيجي لمحاربة الفقر ، الذي اعتمدته الدولة الموريتانية منذ يناير 2001م ، علي امتداد الفترة 2001م ـ 2015م ، باعتباره الرؤية الإستراتيجية الشاملة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية علي المدى المتوسط والبعيد ، وما حققه بعد المصادقة علي المراحل الثلاثة المنصرمة ، من خلال تنفيذ مكونات أساسية ، أحاطت بمختلف جوانب الحياة التي من شأنها تطوير الظروف المعيشية للسكان وخلق توازنات محلية عن طريق ترقية القطاعات الإنتاجية.
فالإطار الاستراتيجي لمحاربة الفقر ، شكل في حد ذاته السياسة التنموية الموجهة للبلد ، عبر إعداد برامج لمكافحة الفقر علي مستوي كل الولايات ، بشكل يراعي خصوصية كل ولاية ، كالاعتماد علي ترقية التربية الحيوانية في الولايات الشرقية وتوجيه السياسة الزراعية نحو الولايات الجنوبية بما فيها مناطق الضفة والنهر،في حين عرفت الولايات الشمالية ذات البعد المنجمي قيام العديد من المنشآت الصناعية لتصدير معادن الحديد ،النحاس،الذهب ،بالإضافة إلي البترول والغاز. مما مكن من خلق أقطاب تنموية جهوية ،يرجع لها الفضل في تشغيل اليد العاملة وتوفير فرص الخدمات ،زيادة علي تثبيت السكان في مواطنهم الأصلية وحول المراكز الحضرية كبادرة للتعمير والإسكان .
ينضاف إلي ماسبق الإرادة السياسية القوية لدي الحكومة في توسعة النظرة الإستراتيجية للتنمية ، مما تجسد في إقامة منطقة اقتصادية حرة علي مستوي العاصمة الاقتصادية انواذيبو ، الشيء الذي يعول عليه في فتح مناخ جديد للإستثمار ،زيادة علي الطبيعة الاقتصادية للمدينة وما توفره من نهضة جهوية ،لجلب الرساميل الأجنبية ،لدفع عجلة النمو المحلي والوطني. هذا القرار الشجاع و التاريخي المماثل لتلك المتعلقة بتأميم شركة الحديد (ميفرما ) و إنشاء الأوقية كعملة وطنية،غداة الاستقلال الوطني .إنها نظرة إستراتيجية قادرة علي وضع بلادنا في قلب العولمة،نتيجة الترابط الاقتصادي المتزايد بين دول العالم،حيث أصبحت المنطقة مؤهلة كمركز تبادل للإستثمار الحقيقي .
هذا الإطار الذي يعتبر مثالا في المنهجية التشاورية بين شركاء موريتانيا في التنمية والمنتخبين المحليين وفاعلي المجتمع المدني. مكن البلد من معرفة نمو اقتصادي كبير ، يتعلق بالزيادة السنوية للناتج الداخلي الخام،أي الزيادة النسبية التي هي محصلة لتنوع الزيادات لمختلف القطاعات الإقتصادية ، إلي جانب تراجع الفقر ، حيث وصل معدل النمو نسبة 7% نهاية العام 2012م ، في حين تراجع تدريجيا خلال السنوات المنصرمة علي الشكل التالي ،نتيجة التقلبات التي عرفتها أسعار بعض الصناعات الإستخراجية ، للمواد المصدرة كالحديد و انخفاض مخزون الثروة السمكية ليصل 2013-6,7%م و 2014-6,8% م ، من معطيات الإقتصاد الكلي حسب القطاعات المنتجة للثروة التي تحمل قيمة مضافة ، مما أثار إشادة شركاء التنمية خاصة صندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي.
تتويجا للإرادة الصادقة و الرؤيا الحكيمة، تبنت الحكومة الموريتانية إستراتيجية تنموية جديدة بعيدة الأمد ، في شهر سبتمبر المنصرم سنة 2015م.تأتي هذه الإستراتيجية الجديدة المسماة "إستراتيجية النمو المتسارع والازدهار المشترك التي تغطي الفترة 2016-2030 بعد قيام الحكومة بتقييم شامل ومستقل لثلاث خطط عمل متعاقبة ،لتنفيذ الإطار الاستراتيجي لمحاربة الفقر ،أسفرت عن انخفاض ملحوظ في مستوى الفقر الذي تراجع من 51% سنة 2001 إلى 31% سنة 2014.
وتتكئ الإستراتيجية التنموية المذكورة من حيث الرؤية والأهداف على برنامج رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز في مأموريته الجديدة العهد ، كما تسترشد من الناحية الفنية بنتائج كل من التقييم الشامل للإطار الاستراتيجي لمحاربة الفقر المنتهي سنة 2015 م والإحصاء الوطني للسكان والمساكن سنة 2013 م ،والمسح الدائم حول ظروف معيشة الأسر سنة 2014 م ،والمشاورات الوطنية حول أجندة ما بعد سنة 2015 م ، إضافة إلى التوجهات التي تضمنتها خارطة الطريق المعدة لهذا الغرض من لدن قطاعات الاقتصاد والتنمية.فهل تنجح موريتانيا في بلوغ أهداف الألفية للتنمية ؟ وهل تواكب التحولات الهيكلية التي تعرفها القارة السمراء ؟ وهل تصمد في مواجهة تحديات التنمية؟
منذ مطلع القرن الحالي والقارة الأفريقية تشهد صراعاً محتدماً في الأفكار والتوجهات ، بحثاً عن الموقع الصحيح على خريطة هذا العصر في ميادين النهضة السياسية والاجتماعية والاقتصادية و الثقافية . من هذا المدخل تبلورت قائمة من التحديات الكبرى : مكافحة الفقر المدقع الذي تعاني منه كثيراً شعوب أفريقيا جنوب الصحراء ، وضرورة وقف الحروب الأهلية والصراعات المسلحة من أجل إحلال السلام والاستقرار ، وما يستتبعه ذلك من بيئة تصون حقوق الإنسان وتحفّز على الإنتاج والإبداع والاستثمار ( تقدر منظمة الإغاثة الإنسانية البريطانية " أوكسفام " في تقرير نشرته في أكتوبر/تشرين الأول 2007 أنّ كلفة هذه النزاعات بلغت خلال الفترة 1990 إلى 2005 نحو 300 مليار دولار شملت 23 بلداً إفريقيا وهو حجم يساوي تقريباً حجم كل المساعدات المالية والاقتصادية التي تلقتها هذه البلدان في الفترة نفسها ) .
إن استمرار مثل هذه الشرور في شبه المنطقة ،يفرض علينا تحديا أكبر ينضاف إلى قضايا التنمية ومكافحة الفقر الصعبة أصلا. و بالفعل فإن هناك علاقة وثيقة بين الأمن والتنمية بحيث أن كليهما يشكل شرطا للآخر: فلا تنمية بدون أمن الأشخاص والممتلكات ولا أمن قابل للبقاء بدون تنمية فعالة. هذا التحدي المزدوج لمتلازمة التنمية يواجهنا اليوم. فالآثار المدمرة لانعدام الأمن في منطقة الساحل واضحة وبادية للعيان و دون الحاجة إلى أي سرد تاريخي. ومع ذلك، فهذه التهديدات، التي يجب أن نوحد جهودنا في مواجهتها أكثر من أي وقت مضى، يجب أن لا تلقي بظلالها على واقع التقدم.
أما التحدي الأبرز فهو التخلص من الثلاثي المدمر المتمثل في المرض و الفقر و الجهل ، إذ يشكل مرض الإيدز أخطر مكونات هذا الثالوث الماحق ، وتشير بعض التقديرات إلى أنّ أكثر من 25 في المائة من القوة العاملة قد تُفقد - بسبب الإيدز - بحلول عام 2020 في بعض الدول الأفريقية. ومن أهم التحديات أيضاً : الديمقراطية والحكم الرشيد ، بما ينطوي عليه من توسيع المشاركة الشعبية في عملية صنع القرارات ، وتكريس سيادة القانون ، وتوفير الآليات الفعالة التي يمكن للمواطنين من خلالها ممارسة حقوقهم ، وتمكينهم من الحصول على المعلومات والبيانات الضرورية لفهم الواقع والتأثير فيه.
ومن المؤكد أنّ لا مستقبل لأفريقيا ما لم يرتقِ التعليم ويتطور حتى يواكب متغيّرات العصر في جميع الحقول ، مما يتطلب ضرورة الانخراط الواعي والمدروس في مسيرة التحولات العالمية الكبرى ممثلة في ثورة المعلومات والاتصالات . فلا مناص لأفريقيا من مواجهة هذه التحديات بجدية تامة ، ونظرة مستقبلية ثاقبة ، وإعمال للإرادة الجماعية التي تصمم على تحويل وضع القارة من مظاهر الفقر والمرض والصراعات المسلحة إلى واقع يسعى إلى التنمية المستدامة ، ويحارب الفقر ، ويرسي قواعد السلام والديمقراطية وحقوق الإنسان .
تجدر الإشارة أنه في ظل أهداف الفية التنمية،حققت القارة الإفريقية أداءات اقتصادية هائلة و هي مطالبة برفع تحديات أخري في هذا المجال،ذالك ان الأداءات الاقتصادية التي حققتها إفريقيا خلال العشرين سنة المنصرمة مذهلة باعتراف أهم الممولين و المستثمرين الدوليين،حيث أضحت القارة الإفريقية تعد من المناطق الأكثر ديناميكية في العالم بنمو يقدر ب 5% ،كما حققت القارة تقدما ملحوظا تحسبا لبلوغ اهداف الألفية للتنمية سنة 2015،لاسيما في مجال التربية و تراجع الفقر و المساواة بين الجنسين،علي الرغم من وجود تحديات أخري مازالت تفرض نفسها ،خاصة في مجال تحويل الطاقات الاقتصادية الإفريقية و استغلال العديد من المواد الأولية.التي يظهر فيها التباين الحاصل بين الدول الإفريقية.
تزخر موريتانيا بالعديد من الموارد الطبيعية المستغلة و الكاملة ، فهي غنية بالمعادن علي اختلاف أنواعها من الحديد ، الذهب ، النحاس ، الفسفور ، النفط و الغاز ، كما أنها تنعم بإمكانيات زراعية و حيوانية معتبرة و شواطئ من أغني شواطئ العالم بالأسماك ،إضافة الي موقع جغرافي إستراتيجي مساعد علي المنافسة.رغم هذه المقومات إلا ان موريتانيا تواجه تحديات و معوقات كبيرة تحول دون الاستغلال الأمثل لهذه الموارد لتحقيق تنمية اقتصادية شاملة ،تهدف الي بلوغ النمو الاقتصادي المرجو و الحد من الفقر و البطالة و النهوض بالتنمية المستديمة.علي الرغم من ذالك عرفت موريتانيا ارتفاعا في مؤشرات التنمية،حيث أصبحت قوة اقتصادية و سياسية في منطقة شمال إفريقيا ،ذالك أن نسبة البطالة تراجعت من 31,5% الي 10,8 سنة 2014،كما تطورت البني التحتية و تحسنت الأوضاع الأمنية و الحريات العامة التي بلغت ذروتها في مجال حرية الصحافة و التعبير و المشاركة السياسية و التنمية البشرية و دمج المرأة في عملية صنع القرار.
كما أطلقت موريتانيا منذ 1995 مبادرة للتنمية المستدامة ،بدعم من برنامج الأمم المتحدة للتنمية ، استهدفت هذه المبادرة المساهمة في ترقية تنمية مستديمة محورها الحكم الرشيد و مكافحة الفقر ،حيث تم حتى الآن نشر أربعة تقارير حول التنمية البشرية المستديمة ،الهادفة الي خلق مستوي مرضي من التطور العام للظروف المعيشية،من خلال تحسن أداء القطاعات الخدمية ،مع ضمان الظروف السياسية و الاجتماعية المواتية. وضعت الحكومة الموريتانية، منذ قرابة عقد من الزمن و بصفة تدريجية جهازا تشريعيا من أجل الحكم الرشيد.كما واجهت بالتوازي و التزامن مع ذالك المشاكل الأساسية الاقتصادية و الاجتماعية للبلد. علي الصعيد التشريعي تم تبني دستور العشرين من يوليو 1991 الذي سمح بوضع أساس لنظام ديمقراطي متعدد الأحزاب، و تم إنشاء نصوص مكملة لنص الدستور، خاصة في ميادين تنظيم الأحزاب السياسية و حرية الصحافة و طرق تنظيم الانتخابات و عمل المجلس الدستوري و باقي المؤسسات الدستورية.
من جهة أخري و لتكييف الإدارة العمومية مع الإصلاحات الاقتصادية و الاجتماعية الجارية ،انتهجت الحكومة برنامجا للتطوير المؤسسي و الإصلاح الإداري لتطهير و إعادة تنظيم الإدارة العمومية.كانت النتائج مشجعة و ملموسة حيث تم إعداد النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية،و تنظيم إحصاء للعمال المدنيين و إقامة كشف للهيئات الإدارية.من أجل مواجهة المشاكل التي تعترض سبيل النمو أطلقت الحكومة الموريتانية مسارا لتحضير إستراتيجية مكافحة الفقر،شمل هذا المسار الإدارة و التجمعات المحلية و ممثلي الهيئات الاجتماعية و المهنية ،منظمات المجتمع المدني،زيادة علي الشخصيات المرجعية.في إطار هذه الإستراتيجية قيم بإصلاحات عديدة في كل ميادين الحياة الاقتصادية و الاجتماعية ،رمت هذه الإصلاحات في ميدان التعليم الي توحيد النظام التعليمي و ترقية التكوين المهني و الفني و دعم تدريس المواد العلمية و اللغات الأجنبية و التربية المدنية و الدينية.
استجابة منها للتدخل المتزايد للقطاع الخاص في تسيير القطاعات الإنتاجية،قامت الحكومة بكل ما في وسعها لضمان توفير الخدمات القاعدية الأساسية و ذالك لرفاهية المواطن و لإنتاج السلع و الخدمات المستجيبة لحاجاته اليومية.و ينطبق هذا خاصة علي المناطق ذات الجذب الضعيف لرأس المال الخاص أو التي حظيت بنصيب ضعيف من السياسات التنموية المنصرمة.كما قيم بمجهودات أخري عديدة في كل الميادين و النتائج في غاية الأهمية،حيث تأصلت الثقافة الديمقراطية و تعافي الاقتصاد و تراجع الفقر و تدعمت مصداقية الدولة في الداخل و الخارج.
في ظل منظومة القيم الجديدة للديمقراطيات الحديثة،أصبح الفرد و المجتمع يمثلان الغاية و الوسيلة ،لبناء العمل الحكومي المشترك،نظرا للدور المنوط بهم في عملية التنمية الشاملة ،التي ترتكز علي مجموعة من الآليات الكفيلة برعاية المواطن و الرفع من مستوي ظروفه المعيشية مع تطوير انماط حياته و مواكبتها للعصر،من خلال إدماج الفرد في قلب العملية التنموية،بل جعله في مقدمة قاطرة البناء و التعمير.
في هذا السياق تتجه الحكومات الي خلق تنظيمات مدنية للتعاطي مع الخطط و البرامج التنموية،قصد دمج أكبر عدد ممكن من فعاليات المجتمع المدني المهيأ ،لتنفيذ الإستراتيجيات المحلية و الوطنية،سبيلا الي تعميم المنافع و تحقيق التنمية المستديمة.لقد واكبت موريتانيا هذا التحول العالمي بمجموعة من الخطط المبنية علي التعاون المشترك و المتبادل مع شركائها في التنمية ،من خلال رصد الإمكانات المادية و البشرية لتحقيق اهدافها في النهوض بالمجتمع و الرقي بدوره في جعله قوة اقتراح و تنفيذ و مستفيد في آن واحد.
تكمن أهمية الوحدات الترابية في كونها الإطار المعني وطنيا بالفعل التنموي علي المستوي المحلي ، و قد خول لها القانون ذالك كمؤسسات إدارية لا مركزية ،تتولي تدبير التنمية المحلية ، فمهما كان المتدخل و كيفما كانت نوعية البرامج،فإن أرضية التطبيق تبقي هي البلديات ،و قد ترسخت قناعة اليوم في كون المجال المحلي أضحي الإطار الأنجع لطرح القضايا الأساسية للتنمية،خصوصا أن البلديات و التنظيمات المدنية و الفاعلين الجمعويين أضحوا القاعدة الأساسية لكل تنمية وطنية،بهدف تقوية بنيتها التجهيزية و الرفع من تنافسيتها،لاستقبال الاستثمارات الوطنية و الأجنبية مع الاعتماد علي إستراتيجيات حديثة كفيلة بتحقيق عمل جماعي،يضمن مشاركة الدولة للمواطن و باقي التنظيمات المدنية في العمل الحكومي المشترك بشكل يضمن مصلحة البلاد و العباد.
يبقى ضمان الديمقراطية وتعزيز سيادة القانون وتعزيز الحكم الرشيد ، من وجهة النظر هذه ، أفضل دفاع ضد إغراءات الراديكالية ،بالإضافة إلى ذلك ، فإن الإطلاع بالشرعية اللازمة في ممارسة الهم العام هو أيضا شرط ضروري للكفاح الفعال ضد الفقر وانعدام الأمن و تحقيق العدالة الاجتماعية، الضامنة لقيام تنمية فعالة شاملة و مندمجة.