إسلمو ولد سيد احمد
لا شك في أنّ لكل مهنة زيًّا قد يناسبها أكثر من غيره، لكنّ قرارًا-بهذا الحجم من الأهمية-يحتاج إلى مُمهِّدات.
أعتقد أننا متفقون، بصفة عامّة، على أنّ "الدراعة" غير مناسبة (حتى لا أقول غير صالحة) لمزاولة العديد من الأعمال، فهي فضفاضة بطبيعتها، يصعب ضبطها والتحكّم فيها، يتعرض مَن يرتديها-بين الفينة والأخرى-إلى التعثر، تعبث بها الرياح في كل الاتجاهات، الأمر الذي يقتضي-في بعض الأحيان-ضرورة تفرّغ اليديْن للسيطرة عليها أو تفرغ إحداهما على الأقل.
ومع ذلك، فإنّ الموريتاني البدوي (بصفة خاصة) تعوّدَ على ارتداء "الدراعة" وتكيّف معها وطوّعها لحاجاته المختلفة في حله وتَرحاله، فهي التي يرتديها في المناسبات الاحتفالية الخاصة والعامة، يحمي بها نفسه من الحرّ والقرّ، يفترشها عند الحاجة، ينام فيها، يستخدمها منشفةً بعد الوضوء، إلخ.
ومن ثَمّ فإنّ زيًّا كهذا، متعدد المنافع والاستخدامات، لا يجوز إلغاؤه بجرّة قلَم، ولا بقرار صادر عن آمرٍ إلى مأمُورٍ. بل إنّ الأمرَ يحتاج-كما أسلفتُ-إلى مُمهِّدات. وهنا، أستأذن الإخوة الأعزاء في المعارضة في استخدامي لهذه الصيغة "ممهدات" التي وضعوها شرطًا-لإثبات حسن نيات محاوريهم- قبل الدخول في حوار سياسيّ مع الحكومة.
من هذه الممهدات:
1-التشاور مسبقا مع رجال التعليم (وذوي الشأن بصفة عامة)، ولو عن طريق نقابات التعليم، لمعرفة مدى تقبلهم لهذا الأمر، وهل باستطاعتهم تجسيده على أرض الواقع، آخذين بعين الاعتبار الجوانب المادية (توافر الزيّ البديل)، وتلك المتعلقة بالعادات والتقاليد (في البوادي والقرى بصفة خاصة)، والجوانب النفسية لكبار السن من المعلمين الذين لم يسبق لهم أن ارتدوا غير هذا الزيّ (الدراعة).
2-في حالة تجاوز هذه المرحلة، يتمثل الإجراء التالي في القيام بعملية تحسيسية- على المستوى الوطنيّ- تشارك فيها وسائل الإعلام والمجتمع المدنيّ، لإقناع المعنيين وذويهم بأهمية هذا الإجراء، وبأنّ إيجابياته أكثر من سلبياته، وبأنه يصب في مصلحة عملية التعليم والتعلُّم.
3-إعطاء مهلة كافية لاقتناء الزيّ البديل بعد الاتفاق على ماهيته ونوعه : هل هو زيّ مدنيّ عالميّ، أم "دَرَّاعِيَّة"، أي: دراعة محسَّنة/ معدَّلة أكثر ملاءمة من الطراز العاديّ...
4-تطبيق القرار في مرحلة أولى- بعد الاتفاق من حيث المبدإ-في المدن الكبرى، على أن يطبق في مرحلة لاحقة في القرى (في ضوء نجاح التجرِبة في الحواضر).
5-فرض زيّ موحَّد على التلاميذ قبل فرضه على المعلمين، أو في الآن نفسِه (بكيفية موازية). إذْ لا يعقَل أن يُمنَع المعلّمون من ارتداء "الدراعة" ويُسمَح بذلك للتلاميذ. عِلمًا بأنّ توحيد الزيّ المدرسيّ أمر محمود ومعمول به في العديد من البلدان.
الخاتمة:
لعلنا نتفق على أنّ "الدراعة" لا تناسب مزاولة العديد من الأعمال، سواء أتعلق الأمر بالعمل في المصانع أو في الحقول الزراعية أو في الإدارات المختلفة، أو حتى السير في الشوارع المكتظة بالسيارات...
ومع كل ذلك، فلا بدّ من اتخاذ الإجراءات المناسبة لإقناع الناس بالتخلي عنها في المواطن التي لا تناسبها.
وبذلك، ننأى بأنفسنا عن الارتجال وما يترتب عليه من القيل والقال...
ولعل المسؤولين يفكرون في تأجيل هذا الإجراء المهم-من حيث المبدإ-إلى أن يتم التمهيد له بطريقة سلسة ومقنع لجميع الأطراف المعنية والمهتمة.
والله ولي التوفيق.
إسلمو ولد سيد احمد
كاتب وخبير لغوي وباحث في مجال الدراسات المعجمية والمصطلحية