يتجه الكونغرس الامريكي الى تصعيد ضغوطه على ادارة الرئيس اوباما بشأن السياسة التي تعتمدها ادارته ازاء ايران والاتفاق النووي معها. ويدفع الاعضاء الجمهوريون في الكونغرس الامريكي خصوصا بجعل موعد 20 تموز/ يوليو القادم موعدا نهائيا للتوصل الى اتفاق نووي نهائي بين إيران والقوى العالمية. وقال اعضاء في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب ولجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، انهم توصلوا الى عقد جلسات استماع بشأن امتثال ايران لالتزاماتها النووية قبل الموعد النهائي. وقال رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ السيناتور روبرت مينينديز: «ان لجنته بحثت في جلسات استماع امكانية عقد اتفاق مع ايران في المستقبل القريب، وما اذا كان هذا الاتفاق سيلبي المصالح المشتركة للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة». وذكر رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب النائب الجمهوري إد رويس، ان لجنته بدأت بالفعل سلسلة جلسات استماع حول سجل ايران النووي والاجراءات الدبلوماسية في ادارة باراك اوباما. موضحا أن الجلسة الأولى كانت، في 10 يونيو/حزيران الماضي، وقد خصصت لـ»التحقق من الامتثال النووي الايراني». وقال «ونظرا لسجل إيران الطويل في الخداع، فإن الاتفاق النووي يجب ان يخضع لتحقق صارم يتوافر فيه امتثال تام من جانب ايران، وبعكسه سيتحول الاتفاق الى دعوة مفتوحة لطهران لمواصلة برنامج سري للاسلحة النووية، مما يضطر العالم للعيش مع التهديد الدائم لإيران المسلحة نوويا.
هذا ويمارس اللوبي المؤيد لإسرائيل (ايباك) ضغوطه على الكونغرس الامريكي لتبني مشروع قانون عقوبات جديد على ايران، يرعاه السيناتور الجمهوري مارك كيرك والسيناتور روبرت مينينديز، وكان يحظى المشروع بتأييد 60 مؤيدا عندما كان السيناتور ماكس بوكوس رئيسا للجنة المالية في مجلس الشيوخ قبل تعيينه سفيرا للولايات المتحدة في الصين في نهاية نيسان/ابريل الماضي.
وكانت اللجان المعنية في الكونغرس قد بدأت بالفعل منذ أسابيع سابقة الاستماع لشهادات متخصصين حول الوضع في منطقة الشرق الاوسط، طالبوا بحصول واشنطن على ضمانات كافية من طهران لدول مجلس التعاون الخليجي بأن إيران ستُوقف جميع أنشطتها المعادية لأمن دول المجلس. واشترط المتخصصون في شهاداتهم أن من بين هذه الضمانات عدم دعم إيران للجماعات الشيعية الإرهابية الموجودة في اليمن والبحرين وفي منطقة الشرق الأوسط عموماً.
وذكرت صحيفة «وورلد تريبيون» الأمريكية، أن ديفيد واينبرج، العضو البارز بمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، أخبر أعضاء في الكونغرس أن إيران ترعى الإرهاب في مناطق عدة بالشرق الأوسط، عن طريق دعم بعض الجماعات الشيعية لإحداث فتنة طائفية. وشدد واينبرج على ضرورة مراعاة الإدارة الأمريكية لأهمية الحصول على الضمانات الكافية من إيران على أنها لن تقوم بدعم الجماعات الشيعية الإرهابية الموجودة في منطقة الشرق الأوسط برمتها، مؤكدًا أن هذا هو السبيل الوحيد لأن تشعر دول مجلس التعاون الخليجي بالاطمئنان إلى الاتفاقية التي تريد الولايات المتحدة أن تبرمها مع إيران حول برنامجها النووي.
وتصر واشنطن في إطار المفاوضات على ضرورة وضع برنامج ايران للصواريخ الباليستية على جدول المباحثات؛ وتقول ان قرار مجلس الأمن 1929 يحظر الأنشطة المتصلة بالصواريخ الإيرانية البالستية القادرة على حمل أسلحة نووية. وبالتالي، فإنها تؤكد إذا كان الطرفان يريدان معالجة العقوبات التي فرضها مجلس الأمن الدولي، فإن المحادثات يجب أن تتناول قرارات مجلس الأمن، التي تتطلب أن تندرج أيضا مسألة الصواريخ الإيرانية البالستية في المواضيع قيد المناقشة لالغاء كل مكونات العقوبات التي فرضت على مختلف قطاعات النشاط الايراني، النفط والبتروكيماويات، والمالية، وغيرها، التي كان من بين اسبابها انشطة ايران الصاروخية.
المرحلة النهائية من المفاوضات التي بدأت منذ بداية الشهر الجاري والتي تتواصل بشكل مستمر تبدو حتى الان غير مريحة لجميع الاطراف. الولايات المتحدة حتى الان اظهرت حرصها على ابراز جديتها في المفاوضات حضور بيرنز، بالإضافة إلى جاك سوليفان مستشار الأمن القومي لنائب الرئيس الأمريكي جو بايدن، القصد منه التأكيد على جدية الولايات المتحدة، كما ان متابعة المفاوضات عن كثب من قبل وزير الخارجية جون كيري، الذي كتب مقال رأي قال فيه إن «الولايات المتحدة وشركاءها أظهروا أمام إيران مدى الجدية.. ويتعين على طهران الآن أن تختار»، لكن بالمقابل تجد ايران نفسها في خيارات صعبة يوضحها وزير الخارجية الايراني جواد ظريف بقوله إن العقوبات التي فرضها الغرب وأصابت البلاد بالشلل و«قتل علمائنا النوويين» جابهتها ايران بزيادة إنتاجها من اليورانيوم المخصب. وأضاف «مع اقترابنا من 20 يوليو.. أشعر بأنني مضطر لأن أحذر مرة أخرى من أن الإصرار على التصادم في محاولة لانتزاع تنازلات في اللحظة الأخيرة لا يمكن أن يحقق أي شيء أفضل». ويبدو ان ايران تصر على الابقاء على قدراتها النووية، في الوقت ذاته الذي تريد فيه رفع العقوبات بموجب الاتفاق، فيما أوباما ليس قادراً سوى على التنازل عن تطبيق بعض العقوبات المفروضة على إيران بموجب قرار رئاسي.
وأكثر من ذلك ان المفاوضات في مرحلتها الحاسمة تجري في ظل اوضاع اقليمية ملتبسة، فأحداث العراق وتمدد داعش فيه اسهم في اضعاف إيران، لكن في الوقت نفسه تمسك المالكي بمواقفه وتمترسه فيها بتشجيع ايراني اربك السياسة الامريكية، التطورات في غزة سلطت الاضواء على الصواريخ الايرانية التي تستخدمها «حماس» في معركتها مع إسرائيل وحرّضت أعضاء الكونغرس الأمريكي ضدها. حليف إيران الرئيسي حزب الله يقع تحت ضغوط جديدة لمحاصرته مالياً أمريكياً وخليجياً، وهو ميدانياً محاصر نسبياً في سوريةولبنان بعدما تغيّرت معالم المعابر والحدود، لكن الحوثيين المدعومين ايرانيا حققوا تقدما واسعا حتى باتوا اكثر قدرة على تهديد العاصمة اليمنية.
وربما بسبب هذه الاوضاع الاقليمية الملتبسة، فان الدبلوماسية الاوروبية ولاسيما البريطانية تعمل على تشجيع ادارة اوباما بالمضي قدما في المفاوضات، واجهاض محاولات الكونغرس لقتل الصفقة مع إيران. ويطلب البريطانيون من ادارة اوباما على الاقل تمديد السقف الزمني للاتفاق الذي ابرم بين الدول الست وايران في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي لستة اشهر اخرى، ويُسمِع الدبلوماسيون البريطانيون نظراءهم في ادارة اوباما أن مبادرات الرئيس باراك أوباما صوب طهران تعبر عن موقف شجاع مثيل للخطوة الشجاعة التي اقدم عليها الرئيس ريتشارد نيكسون ازاء الصين الحمراء، بدون ان يلتفت للوبي الصيني في الولايات المتحدة المدعوم من النظام القومي في تايوان آنذاك، الذي يقابله في الوقت الراهن لوبي ايباك، وعلى الادارة الامريكية ان تسعى على تقديم «المخربين» في الكونغرس كما الجناة الآن.
ويبدو ان الدبلوماسية البريطانية قاربت بين رغبة واشنطن في الانسحاب من فيتنام في سبعينيات القرن الماضي وسياسة واشنطن الحالية في الشرق الاوسط، ولكن هذه المقاربة يكتنفها الكثير من العلل، اذ ان الشرق الاوسط ليس مثل فيتنام في الاعتبارات الجيوستراتيجية، كما ان الصين قابلت انفتاح نيكسون بارتياح واضح، واعتبر الرئيس ماو الاتحاد السوفييتي، بدلا من الولايات المتحدة، باعتباره أكبر تهديد لبقاء نظامه. كما لمس نيكسون وكذلك وزير خارجيته هنري كيسنجر ان هناك تحولا واضحا في سياسة ماوتسي تونغ صوب امريكا.. وهذا كله ليس متوافرا الآن لا في ايران ولا لدى خامنئني. فإيران باستمرار تصور الولايات المتحدة باعتبارها العدو الرئيسي لجمهوريتها الإسلامية؛ كما ان خامنئي يعترف علنا بأن تحوله ازاء الولايات المتحدة من النوع التكتيكي. فضلا عن ان الصفقة مع بكين تمت مع ماو الزعيم بلا منازع آنذاك، الان تجري مفاوضات الصفقة مع طهران مع الرئيس روحاني وفريقه المحسوبين على التيار الاصلاحي، الذين يدافعون عن تنازلات مؤقتة نووية، مقابل تخفيف العقوبات، بينما التيار المحافظ والمتشدد الذي يمثله قادة الحرس الثوري، يعارضون التنازلات ويطالبون بالوصول الى القنبلة النووية. وحتى الان خامنئي يدعم مفاوضات روحاني النووية في خطاب، ويدعم في خطاب آخر خط الحرس الثوري وموقفه العدائي للغرب وللولايات المتحدة. كما ان التقارب الامريكي الصيني جاء في الوقت الذي كان فيه النظام الشيوعي يمتلك بالفعل القنبلة النووية، وطموحات بكين العسكرية لا تتعارض مع سياسات واشنطن لمنع انتشار الأسلحة النووية. أما الان فان ايران لديها طموحات توسعية واضحة. صحيح ان انفتاح إدارة نيكسون على الصين أقلق حلفاء واشنطن القريبين، بما في ذلك تايوان واليابان وكوريا الجنوبية وغيرها، الا ان هذا الانفتاح سمح لواشنطن بتحقيق تأمين توازن دبلوماسي ثلاثي سلمي إلى حد ما في شرق آسيا، وحقق لها التخلص من ورطة فيتنام. بينما في ظل الوضع المضطرب في الشرق الاوسط، حيث قوى الارهاب والتطرف تتنامى، في الوقت الذي تسعى موسكو فيه لاعادة نفوذها في المنطقة واعادة اجواء الحرب الباردة، يتمدد نفوذ جمهورية خامنئي الى البحر المتوسط والبحر الاحمر، عبر اطالة الحرب الاهلية في سوريا وتقديم المساعدات والاسلحة لحكومة عمر البشير في السودان.
٭ صحافي وكاتب عراقي
عصام فاهم العامري