الفنان فريد حسن في ذكرياته عن موريتانيا
بعد ايام من وصولنا وبينما نتناول الشاي الاحمر ظهرا انا وصاحبي الذي شاركني سفرة دمشق نواكشوط وشاركني السكن في غرفة فندق النواب
والباب مفتوح بسبب الحرارة إذ برجل في اواخر الاربعينات من عمرة يلبس لباسا نصرانيا كما كان يقال حينها (حيث كان كثير من الاطفال يوجهون لنا هذه العبارة فيصيحون نصراني ) وقف الرجل امام غرفتنا ينظر متبسما بعد ان اخرج غليونه من فمه علما اني لم ارى طول فترة بقائي موريتانيا واحدا يدخن الغليون(البايب) السلام عليكم شباب قالها بهذا الشكل ثم تابع منين الشباب باللهجة السورية وعرفنا ان له علاقة ببلاد الشام .
قلنا له نحن سوريون فقال بلهجتنا والنعم يعني (وخرت) فقلنا له تفضل إشرب معانا الشاي . لم يرفض دعوتنا بل لباها وجلس على سرير ثالث حيث كان في الغرفة اربع اسرة
وبدأ يحدثنا عن موريتانيا وانا انصت لاستزيد من معلومات مكثفة هي خلاصة تجربة هذا الانسان المبتسم دائما والمرح المحب للفن والطرب . كان شعلة من ذكاء . سالته عن عمله فقال موظف في الخارجيه . سالته عن اسمه قال محمد الراضي البيضاوي . سالته من اين تعلم لهجة بلاد الشام : قال لانني اردني ووالدي من موريتانيا من تجاكانت وهو مستشار للملك حسين بن طلال
قلت له لقد تشاءمنا من حديث ملحقنا الثقافي في توصيف الوضع الموريتاني اجتماعيا
استطاع ان يقلب لنا افكارنا التي تكونت من آراء لمدرسين سوريين ثلاث كانوا قد سبقونا في اشهر . علما اننا في تلك السنه كنا اول دفعة مدرسين سوريين تاتي إلى موريتانيا
قال لي البيضاوي من بين ماقال إن الموريتانيين إجتماعيين لكنهم لايرضون ان يتعالى عليهم احد او يظهر لهم انه ليس موافقا على بعض عاداتهم فقلت له هذا بديهي فنحن ايضا لانرضى لزائر او ضيف ان يفعل ذلك عندما بكون بين ظهرانينا
سالنا عن المواد التي ندرس واجبناه . ومن حديث لاخر قلت له إننا نمل لان مدير مدرسة تكوين المعلمين لم يخصص لنا إلا ساعات قليله والوقت طويل وممل وانا اعزف على العود واغني والحن لكنني لم احضر عودي معي خوفا من كسره او مصادرته لانهم قالوا لنا في سوريه هذه الجمهوريه الاسلاميه الموريتانيه فإياك ان تاخذ العود معك
قال لي هنا لاتوجد اعواد للبيع لكنني اعرف شخصا ذهب للدراسة في العراق واحضر عودا وهو لايستخدمه كثيرا فقلت له هل يعيرنا إياه قال نجرب .
ذهبنا ظهر اليوم التالي إلى بيت هذا الشخص الذي اصبح من اعز اصدقائي الفنانين وهو المرحوم سيمالي ولدهمد فال وقد كان وقت الغداء وتناولنا معه الطعام وقال لي ابشر ساعيرك العود ليبقى عندك حتى تحضر عودك وكنا في اول نيسان ولم يبق لانتهاء المدارس إلاشهران ونيف شكرناه وودعناه واخذنا العود إلى الفندق وبدات في دوزانه (اي تنسيق اوتاره وجعلها متجانسه) غنيت لاسلي نفسي اولا وليستمع من كان من زملائنا المدرسين السوريين وبعض العراقيين .
وكان افضلهم فهما للفن وحبا له وانصاتا بل انبهارا وتعلقا الراضي البيضاوي وكان هذا كله من حسن حظي ليتعلق بي ويجلس ليستمع إلى عزفي وغنائي.
وسالته عن الفن في موريتانيا والفنانين وإذا ما كان بامكاننا زيارة بعضهم والتعرف إلى طريق واسلوب الغناء وإلى الآلات الموجوده
اتفقنا ان نذهب في الغد إلى بيت فنانة تدعى ديمي بنت آب
ذهبنا دون موعد لانه لم تكن حينها لا الهواتف النقالة موجودة بل كان من النادر ان بكون الهاتف العادي موجودا إلا عند قلة من الناس الذين يحتاجونه في عملهم الخاص مثل كبار التجار وكبار الموظفين والمسؤلين
لم نجدها في البيت وقال لي هناك اسرة فنية بألقرب من هنا فقلت من هم قال اهل النانا
ذهبنا لعندهم وسهرنا وسمعت مالديهم من غناء وكان قريبا من بيتهم فنان عظيم يدعى سيد احمد البكاي ولدعوا سمعته وامعنت في سماعي له فوجدت في غنائه قربا شديدا اوجذورا لها صلة بالموشحات الاندلسيه وسالته عن النغمات في الموسيقى الموربتانية وعن الايقاعات وكان الرجل يبلغ السبعين من عمره إذذاك
كان موسوعة في الثقافة الموسيقية الموريتانية كان متواضعا رحمه الله انسانا طيبا يحب ويحترم الآخر كنت في سهراتي هذه اسجل في ذهني تسجيلا دقيقا ماكنت اسمع من فن وفي يوم ثان زرنا اسرة اخرى من اهل النانا فالاولى كانوا تقليديون اما هذه فكانوا موديرن ولديهم آلة الكمان التي لم تكن عند غيرهم وكانت والدتهم هي التي تعزف عليها
وفي يوم ثالث جئنا إلى ديمي عليها رحمة الله فوجدناها في البيت وغنت لنا من اغانيها التقليدية والحديثة ثم غنت لي لام كلثوم فوجدت ضالتي فقلت في نفسي إذا لحنت لها أغنية فانها ستبدع فيها وبمكن ان اصنع منها معجزة لانها تمتلك حنجرة ذهبية لايمكن ان تتكرر إلا كل عقود من الزمن وطلبت من البيضاوي رحمه الله ان يأخذني إلى شعراء وفي حلقة اخرى نتابع