إن استغلال مناسبة الإستقلال من طرف العصابة الحاكمة يؤكد زيف ادعاءاتها يوم أطلت علينا في ذلك اليوم النحس على أنها جاءت لتخلص البلد من مظاهر الفساد وهدر الأموال وتأليه الأشخاص وتدجين الناس واللعب على عقولهم، فقد أعادت العصابة بهذه المناسبة إلى الأذهان رحلات رئيس الحزب الجمهوري الديمقراطي الاجتماعي في فرقته اللامعة بثيابهم الناعمة الفاخرة وبوجوههم النضرة المنتفخة وابتساماتهم العريضة المنافقة وكلماتهم الممجدة لسيادة الرئيس الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه،
إنها نفس النسخة الوقحة الممجوجة تعاد اليوم لتؤكد للشعب الموريتاني أن النظام هو نفس النظام وأن بطانة السوء هي نفس البطانة وأن الاحتقار مازال بنفس الدرجة أو أشد، هذا الاحتقار الذي يتجسد ليس في ظهور هذه العصابة مرتاحة وعليها مظاهر النهب والسرقة تتباهى بها أمام الشعب المسروق المنهوب البائس، وإنما كذلك في الخطاب الديماغوجي المفلس الذي لم يعد نوعه يُوجه إلى الحيوانات، " احتفالات نواذيب نريدها رسالة صادمة..." كلمات قالها كبير الكهنة في رحلته لطلاء وجه "آمونه العظيم"،! نعم إنها صادمة ولكن ليس للمشككين فقط كما تفضل كبير الكهنة، بل إنها صادمة حقا لثلاثة أرباع الموريتانيين الذين يعيشون تحت خط الفقر، صادمة لآلاف الفقراء الذين يبيتون يشوون القراح، صادمة لآلاف المرضى الذين تغص بهم مستشفيات الإهمال تتصاعد أناتهم وآهاتهم إلى السماء شكوى ولعنات على عصابة لم تتق الله فيهم، صادمة لآلاف الأميين والمعوزين والعاطلين عن العمل، صادمة لآلاف المواطنين المهمشين المغبونين المظلومين بفعل سياسات الانتقاء بالزبونية والمحسوبية، صادمة لتعليم هو الأردأ على وجه البسيطة، صادمة لعاصمة تسبح في القمامة والمستنقعات والباعوض والظلام وانعدام الصرف الصحي، صادمة لاقتصاد متدهور ومديونية في ازدياد، صادمة للحمة اجتماعية لم تشهد من التفكك والتشرذم ما تشهده اليوم، صادمة للصدمة ذاتها،! مليارات الأوقية يراها ويسمع بها آلاف الجياع والمرضى والعاطلون عن العمل تنفق من أجل يوم احد ولو أنه عيد الاستقلال، لكنها في الحقيقة لن تنفق من أجل ذلك اليوم، بل هي فقط وسيلة لتشريع النهب والسرقة والاحتيال وإثراء المقربين وأصحاب النفوذ، إنها فعلا صادمة،!.
" نريد أن نثبت للرأي العام التفافنا حول رئيس الجمهورية وعلى سكان انواذيب أن يردوا الجميل للرئيس باستقالهم له " هكذا قال كبير الكهنة ليغرس في نفوس العامة الإيمان ب"آمون العظيم"، نعم تريدون أن تثبتوا للرأي العام التفافكم حول رئيس الجمهورية، ولكنكم تريدون أكثر أن تثبتوا له هو التفافكم حوله رغم أن هذا لا يحتاج إلى إثبات فأنتم ملتفون بالطبع حوله كما التففتم حول من قبله وستلتفون حول من بعده، وبخصوص الرأي العام فإن الصورة التي عنده عن النظام والتي رسمها هو نفسه لا يمكن لكلماتكم أنتم اليابسة المسجلة المحنطة أن تغير منها شيئا لأنها باختصار كلمات ممجوجة و وقحة وغير مقنعة بالمرة حتى للسذج، أما بسطاء انواذيب وفقراؤه فلو أن رئيسكم فعلا فعل لهم جميلا لهبوا من تلقاء أنفسهم لاستقباله واحتضانه ولما احتاج للزج بكم أنتم للتعبئة وتأجير الباصات ورشوة الناس والضغط عليهم بالوجهاء والمسؤولين وحشرهم في الساحات العامة ومداخل المدينة يكررون " الخير جان بمجيكم/ وعليكم الشعب اتكان،! يتصارخون يتدافعون يموتون، لا يهم، المهم أن الزعيم يتم استقباله ويُظهر ذلك الاستقبال المصنوع "للرأي العام" أن الزعيم تم استقباله وأن الجماهير معه، وتعيشون أنتم وهو ولو للحظات في نشوة تلك الكذبة المفبركة وتتباهون بها أمام "الرأي العام" لعله يعترف بالهزيمة ويوقع لكم وثيقة إذعان،،. إنها نفس المسرحيات المكشوفة التي عهدناها في زمن ولد الطايع مع فارق في يبس وهزال هذه المسرحيات بالنسبة للذين كانوا يستفيدون من مسرحيات ولد الطايع، فنظام ولد الطايع نظام فاسد لكنه ليس جائعا ويعرف أن الناس ليست معه كما تظهر، لذلك يعوض لهم أتعاب هذه المسرحيات على الأقل، والغريب في هذا النظام أنه نظام أشد فسادا من نظام ولد الطايع إلا أنه مع ذلك نظام جائع يحكم القبضة على كل شيئ،! حتى الكهنة الذين يطلون اليوم على البؤساء من أبناء هذا الشعب بمظاهرهم المريحة كأنما يريدون أن يزيدوه عقدا على عقده، ومرارة على مرارته بمظاهر النهب والسرقة على أبدانهم وأجسامهم، حتى هؤلاء الكهنة يبخل عليهم في أغلب الأحيان ببعض فتاته كما يصرحون هم أنفسهم بذلك،
لا تهمنا طريقة أكل هؤلاء، ربما يأكلون أكل المفترسات: الأقوى أولا، ما يهمنا هو أن يعرف الذين يكشفون اليوم عن ألف لسان لتلميع صورة النظام بهذا الكرنفال المزعج والمثير للجدل ـ رغم أهمية الحدث ـ أن هذا الكرنفال يزيد من بقعهم السوداء ومن العراقيل أمام أية ثقة، أما كلام ولد محم فإنه ليس موفقا بالمرة بل إنه كان بمثابة " كبش لمبي" الذي يدل على سكين ذبحه كما يقال.
حفظ الله أبناء الموريتانيات من الجنود البسطاء من الإرهاب والإرهابيين فإنهم قد عُرضوا لذلك.