فرضت الحرب على فلسطين القائمة حالياً مواجهة متجددة عبر الفضاء الإلكتروني، بين الاحتلال الإسرائيلي والشعب الفلسطيني ومناصريهم، وإن كانت هذه المرة قد تفوقت على سابقاتها بحجم الكثافة وسبل التعامل ووسائل المواجهة النصية والمرئية والمسموعة. وقد استفادت فصائل المقاومة من دروس وعبر الحروب السابقة، خاصة في طبيعة التكتيكات المتبعة ومواعيد استخدامها ومحتواها واللغات المستعملة. لكن حرب منصات الإعلام الاجتماعي ومعارك الصواريخ لم تبق يتيمة في الميدان، إذ صاحبتها تطورات نوعية تقنية خلقت انطباعاً أمام المتابعين وكأن الحرب تدور بين طرفين متكافئين، بصورة بات معها الكثيرون يشعرون بولادة حالة جديدة من توازن الرعب، ليس فقط من باب العتاد والتسليح وإنما أيضاً من باب التقنيات المستخدمة.
فالحديث عن اختراق البث التلفزيوني للقناة العاشرة الإسرائيلية، وبث بيان للمقاومة على موجات القناة وإرسال نصف مليون رسالة تحذير إلى المدنيين الإسرائيليين واستعراض طائرتين للاستطلاع تعملان بدون طيار، هو تطور نوعي فعلي حمل الكثير من المعاني والدلالات. ولا أرغب حقيقة في هذه المرحلة بتحليل كل عنصر من عناصر هذا التطور وحقيقة موجوديته وحصوله أولا، لكنني أقول بصراحة وبتجرد بأن قدراً كبيراً من الذكاء والتطويع الفعلي للتكنولوجيا تم بنجاح ليخدم مفهوم تحقيق توازن الرعب، بل ربما أثر في حسابات إسرائيل للحرب البرية.
الحرب وكما يعرف الجميع ليست معركة صواريخ وبارود فقط، وإنما معركة معلومات وإشاعات وضغط نفسي تصل إلى حد امتهان المحتل للكذب. وأحد تلك الأكاذيب هو حشد الدبابات والطلب بإخلاء مناطق واسعة وإخلاء رعايا الدول وبث الرسائل الصوتية المسجلة، الأمر الذي يعطي الانطباع بأن حرباً برية طاحنة ستقع. ومع أني لست خبيراً عسكرياً إلا أنني أستطيع أن أقول استناداً إلى المعطيات التقنية ما يلي:
1 ـ الحرب البرية لن تتم وإن تمت فلن تصل إلى العمق الذي يبتغيه بعض أركان الآلة العسكرية الإسرائيلية.
2 ـ نجحت فصائل المقاومة بخلق الوضع النفسي الذي يخدم الرغبة في إيجاد توازن الرعب.
3 ـ الرسالة الفلسطينية الإعلامية وصلت، لكنها لم تنجح في إحداث اختراق شعبي عالمي يوفر ضغطاً كافياً على إسرائيل لنهيها عن عدوانها الحالي.
4 ـ يستطيع الفلسطينيون تحديداً ومؤازروهم عامة، إن هم خرجوا من حيز التلاوم والتناوش الفلسطيني ـ الفلسطيني الداخلي، وعبر الفضاء الإلكتروني تحديداً، أن يكسروا هذا العدوان وحجج إسرائيل المتعاقبة، لكن مع الأسف ما زالت طاقتهم مهدرة جزئياً في النقاش الذي يخدم مفهوم التفتيت الداخلي.
إن توازن الرعب الحاصل إن لم يرفد بتجانس فلسطيني فلسطيني وبضغط دولي وإعلامي وتقاطع سياسي داخلي، سيبقى سقف المطالب محصوراً في توسيع نطاق الصيد البحري وإطلاق سراح بعض الأسرى وزيادة عدد شاحنات الغذاء إلى غــــزة ورفع جزئي للحصار، وهذا كله على أهميته لن يكون إلا بمثابة التخدير الموضعي لهموم الوطن، إلى أن تعود طبول الحرب إلى القرع والدق في المستقبل القريب.
المطلوب وفي ظل الحظوة التقنية الحالية أن نبدأ بالتركيز على الحل الشامل بضرورة إنهاء الاحتلال، المسبب الرئيس لمصائبنا والشوكة المتحركة في خاصرتنا والجرح المعتل دائماً وغير القابل للشفاء. يجب أن ينتهي الاحتلال حتى يرتاح العالم من ابتزاز إسرائيل له وشكواها بأنها تدافع عن مدنييها من صواريخ الفلسطينيين، محاولة شطب حقيقة أنها شردت الفلسطينيين ونهبت أرضهم وسماءهم وماءهم، وزجت بهم في مخيمات الشقاء في غزة، وأنها أعادت موضعة قواتها نهاية عام 2005 لتغلق بعدها المعابر وتصادر أبسط حقوق الإنسان. اليوم لم يعد للفلسطينيين أي إمكانية للعمل ضمن أجندة سلام أياً كانت، خاصة عندما تفرض إسرائيل معالمها، كما لم يعد العالم قادراً على تبرير الاحتلال، ولم تعد إسرائيل قادرة على مواجهة مجرد الحديث عن العزلة.. لذا فإن جدوى الحرب على فلسطين اليوم يجب ألا تكون إلا فاتحة لإنهاء الاحتلال. لذا فإن النصر لن يأتينا مسيداً من الخارج ولن يكون حليفنا إن أضعنا الأولويات؟ ولن نناله إلا إذا كانت الحرب على فلسطين بداية النهاية، إكراماً لكل الذين سقطوا على درب الكرامة ومعهم قائمة من الشهداء الأحياء وتجسيدا لمسيرة النضال المتراكمة.
وإذا ما كان النصر صبر ساعة فهل حانت ساعة فلسطين؟
٭ كاتب فلسطيني
د. صبري صيدم