عثمان جدو
عودنا المتحاملون على شخص *الوزير الأول* على جرأتهم وقدرتهم على التلفيق بحجة الانتقاد واستسهالهم لمكانته ؛ التي أصبحت الفاتح الأول والمحرك المفضل لشهيتهم قبل شرب الشاي ، ولن يتكلف القاري للمقال المعنون ب (ابن حدمين للزراعة : إلى الوراء در..!) كبير عناء حتى يفهم المغزى الحقيقي من الهجوم المتواصل على *الوزير الأول* وتزييف الحقائق واعتماد سياسة الاستهداف المشبعة بالتضليل ، فبعد ركوب موجة *المعاهد* التي بالغ راكبوها في استخدامها وامتهان التحريف والتجريف فيها والتفنن في الخلط المتعمد بين *المحظرة* و *المعهد* ؛ المنفصلين تمام الانفصال في الطبيعة والغاية والتنظيم ، وإمكانية التوظيف التي تبين للرأي العام لاحقا أن الخلط بينهما أمر غير وارد أصلا لكنه وظف وتمت فبركته ولعب به على مشاعر العامة ، وتبين كذلك أن *المحاظر* لم تستهدف منها واحدة على عموم التراب الوطني ، وأن هذه *المعاهد* التي ألبسها راكبوا موجتها ثوب *المحظرة* لغاية في أنفسهم ؛هدفها الأول أن تكون وقود لصراعات سياسية من أجل التمكن والنفوذ ..
وطبعا تحتاج هذه *المعاهد* إلى تراخيص من طرف {الوزارة الوصية} الشيء الذي افتقدته وكان السبب الحقيقي وراء إغلاقها إلى حين اكتمال إجراءاتها القانونية ، وكان من المفترض أن يتقدم مسؤولوها بطلب الحصول على هذه التراخيص قبل فتحها ، ولك أن تتخيل كم سيكون حجم الفوضى في إعطاء {الشهادات} التي تمتاز هذه *المعاهد* بإعطائها في ما بعد لمن أرادت وفق ما شاء مديروها ، هذا بالإضافة إلى *الباب* الذي ستفتحه أمام كل المحاكين لهذا النمط في أي مجال بغض النظر عن طبيعته الفكرية .. فمثلا سيتم فتح معاهد عديدة تحت مسميات ما تخدم أفكارا معينة وتديرها شخصيات متعددة الأفكار والمشارب و ربما الديانات ..
وبالرغم مما حدث فلقد فهم المواطن البسيط الذي لم يكن على اطلاع تام بالموضوع؛ أن *المحظرة* بطبيعتها وأصالتها شيء مختلف تماما تنظيميا عن {المعاهد العصرية} التي تتسم بطبيعة إدارية خاصة ، وفهم الكل أن قدسية *المحظرة* لا مساس بها أبدا وأن هذه *المعاهد* ما عليها إلا أن تستوفي [شروطها القانونية] فقط لتزاول أعمالها تحت وصاية وزارة *الشؤون الإسلامية* التي تزخر ب*الفقهاء* وهم على وعي تام بالشأن الإسلامي والمصلحة العامة ، ولإن كان هناك اختلال شرعي كان على النقاد أن يبدأوا ب*الوزير الفقيه* وبعد ذلك يوجهوا انتقادهم إلى *الوزير الأول* إن كان لهم وجه حق في ذلك أصلا ؛نفس الحالة تنطبق على صاحب هذا *المقال* الذي تحامل على *الوزير الأول* وبرأ ساحة *الوزيرة* وأظهر {تتلمذه} الذي لا ضير فيه عندنا مادام هو خياره .. لكن كان من الأولى به أن ينتقد *الوزيرة* المباشرة للقطاع إن كان له وجه حق بذلك ثم يعمد إلى *الوزير الأول* بوصفه قائد التشكلة الحكومية ؛كي تكون الصورة أقرب إلى الواقعية الظاهرية على الأقل من حيث الشكل قبل التثبت من المضمون ..
لقد تعودنا من حساد *الوزير الأول* المتحاملين عليه استسهالهم له واسترخاصهم لقدره وتعظيمهم للآخر مهما كان ؛ في تصفية واضحة للحسابات السياسية وتوظيف ممنهج بأسلوب المتاجرة الدينية ، وطبعا لا يتحدث هؤلاء عن هم الوطن بصدق ولا عن المصالح العامة ؛دنيوية أو أخروية قبل فقدهم لمواقعهم التي كانوا يقتاتون منها على روح {المواطن} ويمتصون دماءه .
إن كلام الكاتب عن تشجيع الحكومة بفعل تصرفاتها للتجار والموردين للأرز التايلاندي وغيره ؛كلام في غير محله وطرح موجه معلوم قصده ؛خصوصا إذا علمنا جميعا أن *الحكومة* دعمت الإنتاج المحلي من خلال زيادة [الجمركة] على الأرز المستورد وفتحت المجال أمام المنتجين المحليين لتسويق إنتاجهم وحمته بذلك من المنافسة التي لم تكن متكافئة في السابق ..
إن على المنتجين المحليين أن يركزوا على تنقية محاصيلهم والرفع من مستوى جودتها لتكون على قدر كبير من التنافسية التي أتيحت لهم الفرصة للهيمنة عليها وفرض الناتج المحلي بقوة .
وفي الأخير أود أن أؤكد أني ما كنت لأنجرف في متاهة الكتابات التي يطبعها الهجوم والرد عليه لو لم يكن هناك من يشغلون وقتنا بالنيل من رموزنا وقادتنا وثوابتنا الوطنية حسب مزاجهم .. مع اعتبارية بعض الشخصيات أحيانا تكون عرضة للنقد لكن ذلك في بلادنا غالبا ما يكون مبرر عند البعض للهجوم بغير وجه حق واستعارة طرق النقد التي يتضح للوهلة الأولى أنها سلكت مسلك النقد غير البناء ..
ختاما .. لماذا لم نسمع أصواتا سمعناها شرقا بحجة إغلاق معاهد قرآنية عندما أغلقت معاهد لها نفس الطبيعة في أترارزة مثلا ؟
لماذا لم نسمع هذه الأصوات عندما تم تصحيح وضعية المدارس الحرة وأغلق منها العدد الكبير ؟ بل بالعكس هلل هؤلاء ورحبوا وصفقوا ..! لماذا نرتاح للتصحيح الإداري هنا باعترافنا ونتضايق منه هناك؟
لماذا لم نسمع صوت صاحب هذا المقال (ابن حدمين للزراعة: إلى الوراء در ..!) قبل إبعاده عن التأثير على مستوى هذه المندوبيات الجهوية التي يتحدث عنها؟ ، لماذا تكون الأمور بخير عندما تكون موكلة إلينا أو قريبا من ذلك وتتقلب عافيتها بلاء فقط عندما تتحول المسؤوليات عنا إلى آخرين ؟ ما هو تفسير صمتنا بالأمس وصراخنا اليوم ؟ .