سيدي محمد ولد أحمد ولد الشيخ
إن أي مواطن مهتم بالأمرالموريتاني ومطلع على مايسمى في الدراسات الإستراتيجية بالوعي بالواقع وفهمه كما هو بعيدا عن الفهم النظري الصوري الذي يهتم بالنظريات والأنساق والفرضيات والتحليل يعلم علم اليقين أن بلاد المنارة والرباط الجمهورية الإسلامية الموريتانية لم تشهد يوما من الأيام أي حواربين ابناء البلد على مرتاريخها سوى حوارواحد وواحد فقط وهو الحوارالذي دعا إليه عبد الله بن ياسين الجزولي في القرن الخامس الهجري جميع مكونات الشعب الموريتاني بثقافاته المتنوعة وأعراقه ذلك الحوارالتاريخي والحضاري لم يكن أي طرف من أطراف المتحاورين يسعى إلا لمسألة واحدة وهي كلمة سواء بين أبناء الشعب فتوصل الجميع إلى التمسك بالإسلام والإيمان والإحسان والإعتدال والدعوة بالحكمة والموعظة والتأسيس لبناء مجتمع حضاري يقوم على العلم والتعبد والعدل والشهامة والتضحية والتمسك بقيم الرسالة المحمدية التي لاتفرق بين الأعراق أواللغات أو اللهجات بل معيار التمايزهو التقوى وعبادة الله جل جلاله والتمسك بالمحجة البيضاء.
لقد نجح عبد الله بن ياسين إلى أبعد الحدود في حواره مع الشعب الموريتاني ويتجلى ذلك النجاح في الوصول إلى البادية العالمة والأخوة في الله بين كافة الأعراق والثقافات ورسم معالم واضحة لهوية هذا الشعب وخصوصيته المحلية وقد ذاع صيت أبناءعبد الله بن ياسين في العديد من دول العالم كرسل لنشرالسلام والعلم والدعوة بالتي هي أحسن والإعتدال في الفكروشهد الجميع بأن أبناء هذا البلد كانوا الممثلون الأوفياء للثقافة العربية الإسلامية في صفائها ونقائها وأنهم سدنتها في قاصية ديار الإسلام وقد توقف الحواربين أبناء الشعب الموريتاني عند مجيئ الإحتلال الفرنسي فسعى هذاالمحتل بكل ما يملكه من قوة عسكرية وثقافية إلى تطبيق سياسة فرق تسد فسعى إلى التفريق بين مكونات المجتمع الموريتاني وهدم ما بناه الأجداد منذ مئات السنين كل ذلك لهدف واحد وهو تغيير هوية هذا البلد وانسجامه داخل دائرة التوحيد أي القضاء على الإسلام الذي يجمع هذا الشعب وانسد باب الحوار كلية بين أبناء الشعب الموريتاني عند استقلال البلد فمنذ عام:1960 وحتى2005 سعت قوى خارجية على رفض كل حوار بين النخبة السياسية في البلد وما يسمح به هو مجرد حوارات أقل ما يقال عنها أنها من أجل تقاسم السلطة والمال بين نظام حاكم ومعارضة تدعي أنها تعارضه والقوى الأجنبية تراقب نمو بذور التفرقة بين تلك النخبة حتى أن تلك النخبة تمت السيطرة على عقولها نظرا لتكوينها الفكري المتشبع باللغة الفرنسية والتي لم تسمح يوما من الأيام لمواطن بسيط الحصول على ورقة بلغة أجداده ولغة دينه وانطلاقا من هذا نجد الأحزاب السياسية تتنازعهامرجعيتين مختلفتين في الموضوع والمنهج واحدة تسعى إلى تحقيق مآرب خارجية وأخرى تحلم بالعودة إلى الذات والجذور التاريخية وهذا ما يفسر الإنسداد السياسي بين الأغلبية والمعارضة وازدادت الأمور تعقيدا عندما دخلت مرجعية ثالثة إلى الساحة السياسية الوطنية متمثلة فيما يسمى بالإسلام السياسي الذي هوالآخر تغذيه مرجعية في بلاد المشرق العربي وتقوم فلسفة هذه المرجعيةعلى الخصوصية والمرحلية والتمكين والسياسة البركماتية وتحين الفرص فأصبحت قضية الحوارقضية بعيدة المنال نظرا لتباعد المسافات بين مكونات المنتدى والأغلبية مثل التباعد بين باريس والقاهرة وشنقيط والتباعد بين عبد الله بن ياسين وديكول وحسن البنّ هذا التقابل بين هذه المرجعيات وتواجدها داخل المجتمع الموريتاني أمرأدرك خطورته على الوطن الرئيس محمد ولد عبد العزيزوعمل منذ اللحظة الأولى على وضع الأمورفي نصابها وتدارك ماعبثت به الأنظمة الماضية وما سعي إليه الإحتلال الفرنسي والإديولوجيات من تخريب نسيج المجتمع الموريتاني وهويته الحضارية.
لقد وجه الرئيس محمد ولد عبد العزيزرسالة قوية إلى النخبة السياسية والمرجعيات الأجنبية مفادها أن بلاد المنارة والرباط بحماة الوطن والدياروالمحظرة الشنقيطية والمذهب المالكي عصية على كل فكر دخيل وإيديولوجيات مستوردة ومن يتوهم بأن موريتانيا ميدان للتجارب السياسية فهو واهم وماكان يتوهم من ضعف فلم يعد الأمركذلك فأسد الصحراء محمد ولد العزيز لايخطر بباله إلا خطى أجداده واسلافه وعلى رأسهم عبد الله بن ياسين الجزولي فقد ربط الحاضر بالماضي ويتجلى ذلك في طباعة المصحف الشنقيطي والدعوة إلى الله على مدار الساعة في إذاعة القرآن الكريم وقناة المحظرة وتثمين المدن القديمة والمخطوطات الإسلامية وتكريم علماء الأصول والفروع دعم أئمة المساجد وتحديث الإقتصاد الوطني في مجال الزراعة والثروة الحيوانية والقضاء المبرم على أي شكل من أشكال الفساد والخروج عن مقدسات الأمة كل ذلك مؤشرات على إعادة تأسيس الدولة على خطى الأجداد ودعوته للحوارمن مدينة شنقيط التاريخية له دلالة قطعية بأن مفهوم الحوارفي زمن الأنظمة الماضية أمرلم يعد له وجود ومن يتصوره فهو واهم ويعيش خارج التاريخ ولا يدرك التغير الجذري في المكان والزمان ومفاصل الدولة ونسيج المجتمع الذي يشرف على توجيه بوصلته محمد ولد عبد العزيز.
فالحوارالذي دعا إليه الرئيس ليس حوارا تقليديا بالمفهوم لكلاسكي لدى النخبة السياسية بل هو حوارأساسه النجاعة وإصلاح ما أفسده المستعمر وأتباعه والأنظمة التي حكمت البلد حوار على غرار دعوة عبد الله بن ياسين الهدف منه ليس تقاسم السلطة والمال وإنما حوارمن أجل مصلحة موريتانيا يسعى إلى تحول في الفكروالممارسة لتأسيس دولة عادلة وقوية وسيادتها مقدسة تضمن الحياة الكريمة لمواطنيها.
الذافإن مايسمى بالممهدات ومايسمى بالثقة ومايسمى بحوارجدي إنماهي قضايا مأخوذة من مرجعيات خارجية الهدف منها تعطيل الحوارالذي كان معطلا أصلا منذ القرن الخامس الهجري بين أبناء الشعب الموريتاني ولكن الرئيس محمد ولد عبد العزيز يدرك جيدا أجندة تلك المرجعيات الأجنبية والتي فعلت فعلتها في بلاد الشام وأرض الرافدين وبلاد كنانة وأرض عمرالمختارولكن الرئيس مصرعلى عقد حوار بين أبناء الشعب الموريتاني إما عاجلا وإما آجلا ولكنه لن يحيد قيد أنملة عن الدعوة إلى حوار شامل يأخذ بعين الإعتبار خصائص ومميزات المجتمع الموريتاني ومصالحه العليا.
أما الشروط والعلل فهي ثقافة أهل الملل والنحل وبوابة لسياسة فرق تسد لكن أملنا كبير في تحقيق حوار يربط بين ماضي البلد وحاضره يأخذ بعين الإعتبارالأصالة ومقتضيات المعاصرة.
سيدي محمد ولد أحمد ولد الشيخ